|
عرار: خاص وحصري لعرار :وأتنزه بين أرجاء البستان حتى غمرتني زهرة يانعة بأريجها الفواح ،فهي متأججة بالنضارة حيث نجد بريقا لامعا يدل على ثورتها المستمرة بين الزهور ووقفت منبهرة بها، استكشف ما تحمله من أسرار، ولا عجب وقد عرفت من ميسمها الخاص أنها تحمل اسما لشاعر مبدع امتاز بثوراته وجولاته،وكيف لا وهو ترك لنا أبهى الأشعار التي تعبر عن روحه الثائرة، التي كان لها صداها في وقت كانت تتهاوى فيه المدن الأندلسية مدينة تلو أخرى،حقا عرفت أنه ابن الأبَّار البلنسي الذي ت(654هـ ) الذي يحق لنا أن نطلق عليه "الشاعر الثائر"فكانت جلَّ قصائده تحفيزا للأمة الإسلامية بأن تهب وتدافع عن أمجادها التي يحاول العدو أن يسلبها حيث يحتل مدنها ويعث فيها فسادا ،نجده مستغيثا ومستنجدا بحاكم المغرب وكان المغرب النافذة الوحيدة لطلب الغوث والاستنجاد من قائدهم آنذاك أبي زكريا الحفصي فيقول في قصيدته السينية المشهورة. أَدْرِكْ بِخَيْلِكَ خَيْلِ اللهِ أَنْدلسَا إِنّ السَّبِيلَ إِلَى مَنْجَاتِهَا دَرَسَا وَهَبْ لَهَا مٍنْ عَزِيزِ النَّصْرِ مَا الْتَمَسَتْ فَلَمْ يَزَلْ مِنْكَ عَزُّ النَّصْر مُلْتَمَسَا وَحَاشِ مِمّا تُعَانِيهِ حُشَاشَتَهَا فَطَالَمَا ذَاقَتِ البَلْوَى صَبَاحَ مَسَا يَا لِلْجَزِيرَةِ أَضْحَى أَهْلُهَا جَزَرًا لِلْحَادِثَاتِ وَأَمْسَى جَدُّهَا تَعَسَا في كُلِّ شَارِقَةٍ إِلْمَامُ بَائِقَةٍ يَعُود مَأْتَمُهَا عِنْدَ العِدَى عُرُسَا وَكُلِّ غَارِبَةٍ إِجْحَافُ نَائِبَةٍ تَثْنِى الأَمَانَ حِذَارًا وَالسُرُورَ أَسَى تَقَاسَمَ الرُومُ لاَ نَالَتْ مَقَاسِمُهُمْ إِلاَّ عَقَائِلَهَا المَحْجُوبَةَ الأُنُسَا وَفِى بَلَنْسِيةٍ مِنْهَا وَقُرْطُبَةٍ مَا يَنْسِفُ النَّفْسَ أَوْ مَا يَنْزِفُ النَّفَسَا وتتناغم أوتار الكلمات الحارة على لسان ابن الأبَّار فالشاعر لسان حال وطنه الذي تربى وترعرع على أرضه ونلمح فيهاصورة الفارس المغامر حيث كانت من صور المجتمع الأندلسي يومئذ، فالخلاص رمز لكل فارس شجاع ينقذ بلاده ويحارب من أجلها،فقد ضاق الأمر بالأندلسيين وأدركوا أنهم بحاجة إلى إخوانهم المسلمين في العُدوة،يستنجدون بملوك المغرب لتدارك أمر المسلمين في مدن الأندلس وإنقاذهم من ذلك العدو الذي يُخرِّب مدنهم، فاتجهوا إلى طلب معونتهم وغوثهم، واتجهت أنظار الشعراء إلى هؤلاء الأخوة الغيورين على الدين يستحثونهم على الجهاد ويحضونهم على المشاركة في قتال أعداء المسلمين، كما نلمح في ثنايا أبيات القصيدة التآزر والتماسك بين بلدان الإسلام،وهذا سبب آخر للانتصار ، كما خلدت أشعاره صفحة مجيدة من الأحداث التي مرَّ بها الأندلس. ويبدع ابن الأبَّار في فنون الشعر المختلفة فنراه في إحساسه بالغربة والحنين يتجرع الأنات الكثيرة،وزفرات الفراق المكتوية في أحشائه فيقول: فَعَلاَمُ ضَنُّوا بِالتّحِيّة رَغْبَة عَنّى كَأَنّي عَن هَوَاهُمُ أرْغَبُ هَذَا فُؤَادِي قَدْ تَصَدّعَ بَعْدهُم: من يَرْأَبُ القَلْبَ الصَدِيع وَيشعب؟ وَلَقَدْ تَغُرُّنِي المُنَى فَأَطِيعُهَا سَفَهًا، وَبَارِقَةُ الأمَانِي خُلّب وَأَخَفُّ مَا حُمّلتُ مِنْ عِبْء الهَوَى أنْ أَسْتَرِيحَ إِلَى مَطَامِعَ تُتْعِب يَا مَنْزِلاً كَانَ الحِفَاظُ يُجِلُّهُ وَالجُودُ بِالضِّيفَانِ فِيهِ يُرَحّبُ أَهْوَى حُلُولَكَ ثُم يَسْلُبُنِي الهَوَى أَنّ العَدُوّ بِجَانِبَيْك مُطنِّبُ أصْبَحْتُ فِيك مُعَذَّلا وَمُعَذَّبَا وَكَذَا المُحِبُّ مُعَذَّلٌ وَمُعَذَّبُ والشاعر أيضا في فن المدح يشدو بقوله: مدَّت إليك أبا زيدٍ بطاعتها يدا مخافة صوْلٍ منك مشهور وأكدت في الرضى والصَّفح رغبتها كما تقدم تأييد المقادير فَجُدْتَ جُودك بالنُعمى بما سألت من الأمان لها طلقُ الأساريرِ يمدح الشاعر ممدوحه الذي تهيأت له أسباب النصر؛ لأنه ذو شجاعة بارزة، وانتصر في استرداد كثير من المدن التي آلت له بطاعتها خوفًا من بطشه، وعقابه ،فنجده ينعته بصفات تخرجه عن كونه بشرا. وعاش الشاعر في ظل طبيعة الأندلس الجميلة برياضها وبساتينها وأزهارها فنجده يصف الورد كأنه غلائل مزينة بالعسجد بقوله: سقى الله وردا شاقني زهرُهُ الغَضُّ وقد لاح في أفنانه الخُضْرِ يبْيَضُّ تَحلَّى لُجينىِّ الغَلائل بعدما تأنَّقَ في تطريزهِ العَسْجَدُ المحْضُ كما نجده حكيما فيدعو إلى تقبيح البخيل والبعدعن صداقته يقول: لا ارتضى الباخل خِلا وإن أحلهُ الإيسار ذرَّوتهِ دعه يُكاثر بالثراء الثرى قناعتي أكثر من ثروتهِ وامتاذ الشاعر بتنوع الصور والأخيلة البديعة فنلمح صورة تشبيهيةجميلة في قوله: تَحُفُّ بِزَيَّانِ الأَمِيرِ كَأَنَّهُ فُؤَادٌ وَهُمْ فَوْق الفُؤَاد أَضَالِعُ وبما أن القلب يضم الحب والحنان ويحاط بالضلوع، فكان تشبيه الشاعر لممدوحه بالقلب تحيطه الضلوع بلغ بالمعنى ذروته، وقرَّب بين طرفي التشبيه باستخدام أداة التشبيه كأنَّ. فهنيئا لك أيها الشاعر بشاعريتك المتدفقة حرصت أن تخلدها لنا في قصائد بديعة،وهنيئا لنا بجواهر ولآلئ قصائدك التي تعيش في وجدان كل عربي. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: السبت 21-06-2014 10:21 صباحا
الزوار: 6298 التعليقات: 0
|