|
عرار: عرار: مسافات مفتعلة للأديبة مسيد المومني وقرأة للناقد الصمادي تتمتع القصة القصيرة المعاصرة بقدرة فائقة على اختزال القضايا الإنسانية تتمتع القصة القصيرة المعاصرة بقدرة فائقة على اختزال القضايا الإنسانية والاجتماعية ،فتقدمها إلى القارئ مؤطرة بمواقف وأحداث تبدو في ظاهرها فرديّة غنائيّةً،ولكنها في الواقع لا تنتقص شيئاً من جوهر القضيّة المعالجة. إنها ومضات سريعة ومكثفة تخطفُ الأبصار وتوقظ الألباب ، في محاولة لبعث الفطرة الإنسانية السَّوية في زمن تشوهت فيه الكثير من القيم والمشاعر . وهذا هو جَوهر القيمة الوظيفيّة للأدب بعامّة من الناحية الاجتماعّية . لقد استطاعت "مسيّد المومني "- من خلال مجموعتها القصصيّة الموسومة ب"مسافات مفتعلة" أن تبقى وفيّةً لهذا المغزى ، فعالجت في مجموعتها هذه جملة من القضايا الهامّة . وفي هذا المقام تجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ القاصَّة لم تقف عندَ تشخيص الأمراض الاجتماعيّة وحسب ، بل إنها تجاوزت ذلك إلى تعرية نمط مؤثر من العلاقات بين المتناقضات أشبه ما يكون بنظام التكيف البيئيّ، فنجد مثلاً في قصَّة "صبيّ في الخامسة عشرة" أنَّ الإعاقة َ الجسديّة تتحوًّل إلى حافز للعطاء والمضي ّفي الحياة بعزيمة وقوة ، كما تتحوّل قضيّة اليُتم إلى حلّ لمشكلة العُقم من خلال ما يعرف ب"التبنّي" في قصة "لستُ عقيماً" أمّا الأمراض الاجتماعيّة الأخلاقيَّة،فقد تناولتها القاصَّة من زاوية أبرزت من خلالها السلبيّات والتداعيات العائدة على الفرد والمجتمع وفي قصة "غرائز " تَبرز ُالقاصّة ظاهرة "المعاكسات "التي تتعرَّض لها الأنثى الجميلة في شتى المواقع ،وهنا لا تقفَ"مسيد المومني" في هذه الإشكالية عندَ حدّها الظاهري،بل تتعدى ذلك لتكشف َعن الهوّة بين الجنسين .حيث تفقد ُ المرأةُ ثقتَها بالرَّجل الذي ينصبّ اهتمامه بها في الناحية الشكلية "من دون إعطاء عقلها ودرجتها العلمَّية أيَّة أهميَّة "،وهذا الأمرُ ينسحب على المجتمع بأسره من ناحية أخرى حيث تحوَّل اهتمام الإنسان إلى الشكليات والمظاهر. وتعرضُ القاصَّة مشكلة ً أخلاقيّةً أخرى تتمثل بتهالك الروابط الأسريّة بين الأب والأبناء،في قصة "ندم"،وعندما تسيطر النَّرجسية والأنانية وحب السيطرة والتملّك على الأب؛ فيهجره أبناؤه ويتخلون عنه وينتهي به الأمرُ وحيداً نادماً على تفريطه في حق أبنائه. إن هذه القضايا الشائكة والمترابطة فيما بينها بوشائج قوّيه كانت المحور الأساسي الذي حاولته ((المرأة البطل)) ؛ فالمرأة حازت المساحة الكبرى على مستوى الشخصية المحوريّة في معظم قصص المجموعة ، ويظهر جليّا حرض القاصّة على إبراز شخصيّه المرأة العربية المعاصرة بمختلف أنماطها ومرجعيتها الثقافّية والفكريّة والعاطفيّة, وأنماط شخصية المرأة التي تم تضمينها في المجموعة القصصية هي : 1- المرأة التقليديّة: وهي المرأة البسيطة الطّيبة ، التي تحاول دائما الابتعاد ن العلاقات الصّدامية لاسيما مع زوجها ، كما تحرص على تقديم التضحيات وتكريس حياتها للارتقاء بأسرتها ، ففي قصة((للخيانة معنى اخر))نجد ان هذه المراة تتحلى بحظ عظيم من الصّبر والحكمة أمام ضغوطات الزّوج الغيور الذي لا يدرك حجم معاناتها ،اما هي فتسلك ابعد طرق الحكمة والمسالمة في مواجهه المعاملة القاسية فجاء على لسانها أنّها (( تمالكت نفسها وابتلعت ريها بصعوبة ،قالت مبتسمة، ما لذي حدث قل أحببت امرأة غيري؟)) 2- المرأة المتمردة : وتتميّز بقدرة هائلة على سحق مشاعرها والتحامل على عواطفها بقصد الحفاظ على كرامتها وكبريائها ، كما تبدي قوة وحزما في اتخاذ قرارات مصيّرية . هذه السمات وغيرها في هذه الشخصية ظهرت جليا في قّصّة ((سكوت)) ، فنجد أن المرأة تقف ندّا لندّ أمام الرجل المخادع المتغطرس، وتتخذ قرار مصيريا تضحي فيه بحلمها في عيش حياة أسرية سعيدة للحفاظ على كرامتها وكبريائها ، فبعد خلاف حادّ مع زوجها همّت لفتح الباب للخروج من البيت ، غير أن زوجها استوقفها وهدّدها قائلا(( إذا خرجت من هذا الباب ستكونين طالق)) فتمسمرت في مكانها برهة ، ونصبت في ذهنها ميزانا وضعت في إحدى كتفيه((حلمها بحياة كريمة بسيطة)) ووضعت في الكفّة الثانية كرامتها وكبرياءها ، ثمّ كان قرارها أن فتحت الباب ومضت. 3- المرأة الحالمة : قدمت القاصّة هذه الشخصيّة بطرق متعددة ففي قصة (( صبيّ في الخامسة عشر)) تقدّمة القاصة ((الراوي)) هذه الشخصية من خلال تعليق في بداية القصة قالت فيه (( نحلم كل يوم بفجر جديد وتبزغ الشمس من دون أشعه )). هذه المرأة الطامحة إلى التفوق في عملها (( مقدّمة برامج)) في محطة تلفزيونية دفعتها ضغوط العمل والنقد الجارح واستهزاء الجميع إلى تركه والاعتذار عن إكمال باقي الحلقات ، إلا أن لقاءها طفلا ذا إعاقة جسديّه أبدل بنظرتها الانهزاميّة للحياة إقبالا وإرادة وعزيمة أقوى من السابق أمّا في قصّة ((ألبوم صور)) فإن المرأة الحالمة ترتدّ إلى مستودع ذكرياتها في محاولة للتخلصّ من قبضات الزمن الخانقة، فتسترجع في مخليتها أخلاقها الصغيرة الفاتنة وانطباعاتها الساذجة البسيطة غير أنها لا تلبث أن تعود أسيرة واقع مرير. وتصدم المرأة بالواقع المرير مرّة أخرى في قصة ((بصيرة )) فهي على عماها تفقد أباها الذي أحبته كثيرا وتعلقت به بشدّة ، فكانت أحلامها الليلية أثناء النوم وسيلة للهروب من واقعها فتلتقي والدها الذي (( يهدي من روعها ويخبرها بقصص اعتادت سماعها منه)) أمّا قصّة (( عاد ولكن)) فإنّ أحلام اليقظة تصبح السبيل إلاوجد لإعادة الحياة إلى خطيبها المتوفى بحادث ، فهي تصنع في مخيلتها مشاهد اللقاء به والتواصل معه باستمرار. **** الخاتمة لقد استطاعت ((مسيّد المومني)) أن تغوص لتصل إلى المستويات العميقة للنفس البشريّة في صراعها الداخليّ مع الذات وفي صراعها الخارجيّ مع الآخرين والمجتمع، واتخذت من مشاهد الحياة اليومية ماده طبيعية عبرت من خلالها عن قضايا إنسانية واجتماعيّة جوهريّة وعلى الرّغم من تشعب القضايا التي تناولتها المجموعة القصصية ((مسافات مفتعله )) إلا أنها تقرأ دفعة واحدة لما بين القصص من وشائج موضوعيّة وفنيّة. صهيب الصمادي ***** الكاتب:
ابتسام حياصات بتاريخ: الخميس 19-06-2014 10:25 صباحا
الزوار: 6149 التعليقات: 0
|