لمحة عن كتاب «ما يفوق الواقع» للأديب بسام سعيد عرار
عرار:
الروائية عنان محروس
ديوان «ما يفوق الواقع» للأديب بسام سعيد عرار، وهو مولده الأدبيّ الأول، زاوية أدبية بين الواقع وما يفوق الواقع، زَرَعَ بين سطوره نورًا يقتدي به إنسانًا _ لكن بشرط_ أن يكون تقيًا نقيًا يفقه العبرة، فعالم الشعور سمة يتفرد بها كل من يقصدها، وذلك حسب تعدد محاور المرجعية والتسميات، وتعدد الموضوعات والمقاصد. ذاك العالم لا يجوز رسمه إلا بريشة القلب، فقصيدة بلا روح لا بحر لها ولا تفعيلة مهما توازنت واتزنت، والمبدع الحق هو من يمتلك أدواته ويسقيها بمداد خياله المتقد. أبتدأُ بالعنوان: (ما يفوق الواقع) والـ»ما «هنا اسم تعجب مبني على السكون بمعنى شيء يفوق الواقع، والـ»ما» متفردة تدل على قوة الموصوف، وما يحوي من أفكار ساميّة، يمنحك تفسيرًا منطقيًا لدلالات العناوين، التي قادت النصوص إلى ناصية المعنى المراد: سحرُ الواقع/ الماكث والنابض/ تداعيات/ تباينات/ المدى الموهوم/ معابرُ التوازن/ قرائن الأسئلة... وغيرها من العتبات الملهمة التي انقسمت بمضامينها، إلى قسمٍ ظاهريّ للقارئ يفسرها كما وصلته، وقسمٍ يختبأ خلفه أسرارٌ خاصة بفلسفة الكاتب وبواطن تفكيره، مما يَسّرَ آفاق التأويل «السلس المبهم» في آنٍ واحد، وكيف لا وخبرة الأستاذ بسام عريقة في استحضار المعاني، حيث حلّقت مجموعته النثرية، إلى ما يفوق خيال المتلقي تارةً، وإلى ما يساير الرسائل الإنسانيّة المطروحة ويتمازج معها تارةً أخرى، فاتحةً شهية الذاكرة والترقب. ما يقارب من سبعين قصيدة في مئةٍ وثمانين صفحة، بدأت (بخوابي الجعاب) التي تحطم أصنام الوهم وتكسر قيود الظلم، وانتهت (بمخاض بوح) ورأس اللسان مازال معقودًا. إن اختيار بداية نصوص الديوان النثري ونهايته، لم تأتِ عبثًا، بل هي خطة محكمة لقطاف جديد، نترقبه في إصدار مقبل للكاتب بإذن الله. في مجال توظيف الغلاف: حمامةُ سلام، كتاب مفتوح في نهاية الطريق، خيالٌ بشريّ يتلمس المسير بتأني ورزانة علّه يجد المرفأ والسلام الداخلي، عبر نفق الظروف القدريّة الحالكة، ويُشيدُ الأملُ فائضَ المعنى، لاستثمار الطاقة الشعرّية في خلق العوالم الممكنة الغنيّة بالفلسفة على أطول موجة، لا تُضلّك الطريق، بل على العكس تُوصِلك بذكاء، رغم تنوّع مصادر الوصف، واستدعاء الحدث، وتوزيع المجازات في جسد النصوص، ليتجدد تشكيل الصورة، ويحقق المبدع التفرد والخصوصيّة. أيضًا تنوعت إلهامات الوصف في الديوان، من الانتماء الوطني، إلى الرومانسي الصوفي، إلى الذاتي الإنسانيّ الفلسفي. مثال: «صَوْبَ خاصرتي الجريحة/ تكالب الطامعون والباغون/ وكلّ شناعات ذيولهم الدنيئة/ جعلوا من أشلائي مزادًا ورهينة». وأيضًا: «أين أنت مني/ من إلّاك يضمني وأضمه/ حد الالتحام والانصهار/ كلينا في واحد». مشاهد النص تنقلنا بين الكثير من الجزئيات التي سنذكرها يومًا، في موقف ما يمر علينا، فنرثي أنفسنا بين مغالطات الحياة، وعدم تحقيق الأحلام التي نصبو إليها، وربمّا العابرون في حياتنا صدفة، سيجعلوننا نواجه مصيرنا المحتوم، فنتفقد ذعرَنا ووحدتنا، وهنا يحضرني بعض ما قاله الجاحظ: (من لَكَ بمؤنسٍ لا ينام إلا بنومِكَ ولا ينطق إلا بما تهوى). الألم ظاهرة تجلّت مستعمرةً كيان صفحات الديوان، رافقها القلق الوجودي وأحيانًا اليأس، متزامنًا مع ما يعانيه الكون من مؤشرات الإرهاصات بشكل عام، وقضايا الأمة العربية بشكل خاص، حيث انحازت أغلبية النصوص النثرية إلى فلسفة الوجود والنضال وأبعاد الحكمة، في محاولة لتشكيل العالم ومفاهيمه من جديد، كمثل الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر، القائمة فلسفته على ثلاثة أركان (القلق/ الاغتراب/ الموت) وأذكرُ هنا مقولته: «كل تفكيرٍ تأملي يكونُ شعرًا، وكل شعرٍ بدوره يكونُ نوعًا من التفكير».