قراءة في قصيدة أخذت الكتاب بقوّة للشّاعر حسن بنعبد اللّه بقلم : هدى كريد / تونس
عرار:
قراءة نقدية " لنصّي : أخذتُ كتابي بقوّة ـ
من أجمل الصباحات .. هذا الصباح المشرق من خلال هذه القراءة العلمية ــ لنصّي " أخذت كتابي بقوة " من سيّدة تونسية فاضلة لها مكانة مرموقة في عالم الأدب ، ولها دراية السّاردة والواثقة جدا في مجال القراءات الفكرية والإنسانية ،علاوة على مكسب " الرقيّ الأخلاقي والاجتماعي ـ وكيفية إدارة العلاقات البينية والقصوى ــ وأنا أتابع الفعل الإبداعي والإنساني عموما في بلدي وعلى امتداد خارطة العالم من خلال تجربتي الأدبية ــ أجد من بين الناس من يُحقّق لي نموذجا من سعادة الرّوح ومن هؤلاء الأخت هدى كريد ــ بهذه المصافحة الرائعة التي فاجأتني بها ـ فشكر أ ألف شكر أخت هدى كريد وأعتز ـــ خصوصا وقد شملت القراءة النقدية جوانب كثيرة في العمق وفي العراء ـــ
الفتح المبين
قراءة في قصيدة أخذت الكتاب بقوّة للشّاعر حسن بنعبد اللّه
ــــــ بقلم : هدى كريد / تونس ـــــ
...
ما أكثر ما يرجّنا،وما أشدّ هزّاتنا ،تميد بنا الأرض كلّ آن وتعصف بنا الثّورة فتضنينا هزّات أكبر. وهل أصعب من انقلاب داخليّ ينخرنا كما السّوس؟ لحظة الضّنى العاصف ،لا يفلح إيمان أوعلم .نعيش الذّهول وإفلاس المعنى وكم يدهشنا الشّاعر وهو ينعم ببرد اليقين تنسرب منه تلك النّسيمات الرّوحيّة فينا فلا نسأل بعد ذلك عمّا يعترينا،تتآلف الفلسفة المادّية والمثاليّة والصّوفيّة والوجوديّة ويتآخى العلم والإيمان ولا يكون الحلم للواقع ضديدا. اللّه في منتهى الغيب ،والغيب في أقصى أبعاد الحياة بعبارة المسعدي. وقد تأتّى للشّاعر كما لم يأتّ لأحد أن يحدث التّعادليّة بمكر العبارة والتّوحّد بين الرّؤية والرّؤيا في النّص /الوجود الذي ينعطف بنا على مساحة الورق والحلم نافذا إلى بهجة ثاوية هنا أوهناك ،في المابين بين الإدراك الحسّي والتّمثّل العقليّ .بوّابة العبور إلى سراديب الاشتهاء تنفتح بشعور رهيف ونبض شفيف وإيمان صادق باللّه والإنسان معا. إذ تطالعنا اللّازمة الصّغرى أخذت الكتاب بقوّة اقتباسا يجلو رهانات النّص المقحم عليه بما في البناء الإنساني من معنى ، ولا ينبتّ عن المقاصد في الأصل المقحم يحيي يأخذ كتاب اللّه بجدّ والشّاعر يعلّي بما يقتضيه السّياق الشّعريّ والفكريّ صرح الإنسان معوّلا على قوّة عهد اللّه السّاعد قويّ والعزم لايني. هي لحظة إشراق تمهّد طريق السّالك إلى الخالق ومنه إلى ماهيّة الإنسان شعرا طهورا ،هندسة روحيّة بآلة جسديّة.وعن هذه اللّازمة الصّغرى بجرسها الإيقاعي وعمقها الدّلالي تتفتّق الثّوابت الكبرى أهازيج البناء ونحت الكيان. ترى سدّ غيلان وتأمّلات عمران ماثلة في الكون الشّعري، وفي اعطافه زواج من رحم الازدواج ،يذيب في خضمّ الاتّساق الدّاخلي كلّ المتناقضات، حرقة السّؤال وبرد اليقين ،العدم والوجود ،الصّحو والخدر،الدّاخل والخارج ،الأرض والسّماء ،الرّوح والجسد. مفاتيح الشّعر عنده ثلاثة فأس ورأس وحرف، هي أدوات المعرفة تبدّد الحدود بين الأضداد وتنفتح بها العيون على آفاق الجمال،تشقّ الطريق نحو التّفريد .لقد جعل الشّاعر من أخيلته واقعا لا محيد عنه ،يرتسم في أنظمة الصّورة الشّعريّة بما احتشد من معاجم الدّين والطّبيعة والإبداع والإدراك،كي تنبثق انزياحات تتعالى على المعقوليّة وتتجاوز المحدوديّة ضارعة إلى المطلق ببلاغة الاستعارة وقوّة التّشخيص المؤنسنة للعالم كالقمر المعشوق المتغزّل به والبرّ العاجز عن الإقناع واللّغط المعتلي لسدّته. واستنادا إلى نفس الأداة البلاغيّة تكون التّبادليّة بين العناصر الإنسانيّة والطّبيعيّة ،فالشّفاه أرض والقبل نار. ولا نعدم فيها تجسيدا " ظلمة الجحود" مثلا.ومع ذلك تنزع الصّورة إلى التّجريد حين يرى اللّه في فكرة سابحة. وقد تظهر تلاوين التّصوير المجرّد في ثوب المحسوس مثل لمعة التّمام إبانة لما يستعصي وتجسيدا لمعنى الوجود الأكمل و ذاك الاتّساق الكوني الذي يسفر عنه تعاود نفس الفعل منسوبا مرّة إلى الذّات وأخرى إلى العنصر الكونيّ إذ تجري كما الماء وتسري متقمصّة حركة الرّيح وظلمة اللّيل . وهنا تكون مصادر الإيقاع الدّاخلى صوى الطّريق ، سوناتا جديدة داخل رسالة عشق مكتملة ، انسانيّة في أكمل تجليّاتها حيرة وسؤالا وعذابا وحبّا ، متسامية عن ماهيّتها بواسطة الرّمز الذي يخلق كينونة استثناء عبر صيغ المضارع في ديمومة أسطوريّة لا يقف في وجهها مكان أو زمان .تقارع هذه القوّة الخارقة الصّعاب بعزم "برومثيوس" وتلتحم بالدّيني من خلال المسيح والاقتباس واقع يرسم هالة القدسيّة فيها .تتسامى كلّما مارس الشّاعر الاستراتيجية اللّعبيّة أولذتّه الخفيّة .منها تنبجس صولات الذّات رغم العالم المحكوم بالحتميّات، و نرجسيّة الرّومنطيقي حين يرى نفسه خدين اللّه الذي اصطفاه .تشي بالوعي المتوهّج الذي تتيحه فلسفة الوجوديين وهم يكتنهون جوهر الحياة في خضمّ عالم شائك يسكنه القلق أو تعكس العشق الرّبانيّ وأشواق المتصوّفة. إنّنا لا نركن إلى وجه واحد عندالشّاعر ،يعابثه الوجود فيعابثنا يحرقنا بسؤاله ويقذف في صدورنا نورا متى شاء. شاعرنا مستخلف كأحسن ما يكون الاستخلاف يؤدّي الأمانة على أكمل وجه بقوّة العهد مع اللّه منحصرا داخل غنائيّة لا تخفى متبتّلا في حضرة الذّات بغير تطرّف الرّومنطقيين . فلا مجال لا نبتاتهم رغم كثرة الأخيلة والرّؤى وما من فصل برأينا بين الذّاتي والغيري. ولا بين الحياة وما وراءها ولا بين متعة الجسد ولذّة الرّوح .هو معادل لنا، نقرأ معه في كتاب السّطوع علّنا ننتهي إلى الخشوع ونروّض الأجساد كي نتصالح مع انفسنا ونصبو الى الامتلاء قتلا للخواء. هو الجمع وان أسفر عن أناه.ونحن فيه طواعية اوكرها نبدأ من حيث انتهى ...
هدى كريد / تونس
أَخَذْتُ كتَابي بقُوّةْ ..
.ـ من ديوان " كتابُ الأمانات / 2020 " حسن بنعبدالله " تونس