|
عرار:
الدكتور فادي المواج الخضير يقع «التقديم لأي منجز كتابي» في موقع البدايات والاستهلالات، ولعل مقدمات الأشياء أصعب مراحلها، إذ تشبه قدح حجرين لإيقاد شرارة النار التي لا تلبث أن تضطرم فإما أن تحرق وإما أن تضيء؛ ولذلك تأتي هذه المقدمة مشوبة بالحذر من كل شيء، وأول مكامن الحذر فيها أنها تتناول منجزا كتابياً لشخص تربطني به صلة صداقة صادقة حقيقية مبنية على المكاشفة تارة والودّ دائما، ولكن المؤكد أن الذي ينتصر في هذا المقام هو علاقتي بما يتضمنه هذا الكتاب. يشتمل الكتاب بفصوله على مقالات حول منجزات إبداعية متنوعة الأجناس الأدبية تارة، وحول مبدعين مختلفي الجنسيات حينا، ومقالات لكتاب آخرين حول تجربة القيسي نفسه طورا، في الوقت الذي حاول فيه أن يردم الفجوة ويرأب ما يشبه أن يكون صدعا بين الأجيال المبدعة، وهو يمزج بين نماذج متنوعة من حيث التاريخ ومن حيث الجنس الأدبي ومن حيث البلدان التي ينتمون إليها. والحقيقة أن هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الآن هو محاولة عادلة جديدة تضاف إلى سلة الكتب التي تجاوزت فكرة تناول الأعمال الإبداعية على أساس التمميز الآري والعنصري و»الجندري» الذي يعمد إلى تناول أعمال الكبار والأسماء المشهورة المعلبة وتناسي الأعمال العادية البسيطة، فالقيسي يتناول في هذا الكتاب منجزات إبداعية عالية المستوى ومنجزات أخرى بسيطة المستوى، في سعي أقل ما يوصف بأنه نبيل وإنساني وموضوعي وعادل. وفي الكتاب إطلالات عامة على الأعمال المدروسة فيه، يعرّف بعضها بالشخوص ويُلمح بعضها إلى العتبات النصية ويُبرق بعضها حول ملمح تناص في منجز، وإن كانت جُلّ المقالات تجنح إلى الأبعاد الاجتماعية والنفسية والمضامينية أكثر من تناولها المعمار الفني واستراتيجيات السرد وفنيات الشعر والنثر، ولعل القيسي نفسه قد أشار إلى ما يبرر عدم خوضه هذه الغمار وأنه لا يمارس هنا الفعل النقدي المتعمق، فضلاً عن ظهور هذا أصلاً في بنية المقالات التي بثها عبر هذا الكتاب، إذ تبدو إضاءات عامة، تدخل في باب النقد الانطباعي وإن كانت تقدم بين الفينة والأخرى شذرات تقترب من الممارسة النقدية الجادة بشكل لا ينفي عنها - في صورتها الكلية الإجمالية - صفة الانطباعية. اللافت – بالنسبة لي على الأقل – أن مضمون الكتاب يوحي بأن القيسي الذي تتسم تجربته بالتنوع والامتداد الأفقي تتناهبه الأجناس الأدبية؛ فقلبه يسوقه نحو الشعر بما فيه من دفق عاطفي، وعقله يشده نحو الممارسة النقدية بما فيها من إعمال لمناهج محددة واضحة فيكاد يقترب من تخومها، ويتغلب فيه الصوت السردي والوصفي بدافع من تجربته القصصية، حتى أنجز هذا الكتاب الذي يضاف إلى سيرته الإبداعية والنقدية مع ما فيه من شذرات وعظية ومنبرية، ويمكن أن يشكل هذا الكتاب ملمحا مائزا في طريقة عرض القيسي للقراءات أو المقالات المنشورة فيه، فهو يسلط الضوء على المضمون بشكل خاطف ويؤكد آراءه الشخصية في القضايا المطروحة، ولعله ينطلق في جل ما يطرح من فكرة مؤداها أن القارئ يبحث عن مادة بسيطة سلسة، بعيدا عن النقد المتعمق الأكاديمي، وإن كنتُ أختلف معه في زاوية الرؤية تجاه الممارسة النقدية. لقد صبغت الصراحة التي يتمتع بها القيسي فحوى هذا الكتاب مسكوناً ببريق الكلمة متجاوزاً وضارباً صفحا عن الهِنات وملامح العوز السردي أو التخييلي والعاطفي في عدد من الأعمال التي تناولها، فكانت القراءات قريبة من القلب في وقت تنسحب فيه ممارسته من ميدان النقد بقدر ما تقترب من ميدان التوصيف، وهو ما ينحو بها منحى الإضاءات الهادفة إلى التعريف بعدد من المنجزات بنفَس ببيلوغرافي في عدد غير يسير من الإضاءات. عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، أنتما على موعد مع إضاءات محملة بالضوء الدافئ الحاني على عدد من المنجزات المحلية والعربية تبدد العتمة عن هذه المنجزات وتتيح مجالا لنسرق من أعمارنا وقتا نجاور فيه منجزنا العربي والمحلي الإبداعي ونتعرف إلى ملامحه ومضامينه، وستشعران بامتنان كبير للقيسي لأنه مدّ يديه ليملأ فراغا في المشهد الببيلوغرافي للتعريف بعدد من الأعمال التي يقف منها على مسافة واحدة فلا يقدّس كبيرا لكبره ولا يقلل من جديد لحداثته. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 01-07-2024 08:58 مساء
الزوار: 227 التعليقات: 0
|