مقاربة مقارنة في التمظهر الدلالي من الشعور الى الفعل
في نص (لوحة الشاطئ الساحر) للشاعرة حسناء حفظوني – تونس
ينبغيى الإلماع وبشدة محببة أن هذا المشهد كتب بثلاث لغات بسيماء الأنوثة وباللغة الشعرية وبالصورة المرفقة مع النص ونحن اذ نشرع فإننا سنفاوض ونناقش سيماء الأنوثة وندع ما تبقى الى اجل جميل وقريب جدا
ويمكن اعتبار هذه المقاربة كجزء اول يحقق نوايا الجهد النقدي
وكذلك ارفقت الصورة الأصل مع النص للتنويه انها جزء النص وانها القادمة في المشغل النقدي
بعودة ودية الى سيمياء زوليخة فائقة الجمال التي لو توجهت الى جبل لهدته من جمالها فقط لنطل الى تمظهر الدال دون التعاطي معه الا بقدر البعد الانفعالي كنشاط سيميائي للمفردة لنر ان الحدث لا يكتب باللغة بل بحصص ممن أنتج الحدث فأنت حين تخبر عن أحد فإنما تخبر بطاقة الحدث ومنتجاته لا بما تشتهي بما يفوق تحمل الحدث واخبارك هنا هو انتخاب واعي لبطل الحدث وسنرى كيفية خرج الدال من الشعور الى الفعل ولنعرض المشهد أولا
سقنا هذا المشهد الى كلام جديد لسنا هنا بصدد مرجعيات النص او استنطاق مدلوله البياني والمعرفي والفلسفي والدلالي بل نحن هنا نترصد تمثلات سيمائية الأهواء عبر اللغة وخروجها الى الفعل وتعليل ربطه بمشهد النص (لوحة الشاطئ الساحر) يكمن في السطور الفاعلة التالية
ان مشهد زوليخة يعرض شبكة علاقات تشتغل في الخفاء النفسي لأبطال المشهد (زوليخة / النسوة / العزيز / يوسف ) هذه العلاقات تم اسقاطها في مخطط لغوي سيميائي ( زوليخة / الحب – الحسم في المراودة- الانهمام – تطويق يوسف بالاتهام والسجن كي يخضع – الانتقام من النسوة – التباهي بالحب :ولقد راودته ) ( النسوة / الغيرة / الغيبة / هتك الستر/ سيطرة الحب بحجب العقل لما رأينه وهذا برهان ضمني لسلطة الحب ) ( العزيز / مسافة خضوع لزوليخة رغم تواتر ادلة براءة يوسف ) ( يوسف / صراع نموذج النبوة مع نموذج الحب لا كضد نوعي وانما امتناع تحقق حصته الوجودية بهذا الشكل سوء / فاحشة لوجود تزاحم بين أهدافه المصممة من الله وبين أهدافه الذاتية تكوينا فالميل فطري نحو المرأة لم يلغه يوسف وانما طلب التعالي عن الميل بالإضافة الى جهده الذاتي فهو ذاتيا مخلص بفتح الخاء لكنه لم يعول عليه لسطوة الحب المترصدة لهذا طلب الصرف الإلهي لهذا سيمائيا فان يوسف مركب من صيغة اخلاص زائد صيغة صرف مستمرة وفق المركب (من المخلصين / صرف عنه كيدهن )
فنقول
يصور الله تعالى المشهد من زاويتين الأولى هي انه يرمي الى نسق (الغيرة / الاغتياب / المكر/ الهتك) المضمر ولنقصر حديثنا هنا على الغيرة فهي توجه نفسي وكون انقلابي ذات يقين سلبي يعمل على اقصاء ذاته واقصاء الاخر فهذه النسوة (قطعن ايديهن) دلالة على خروج الغيرة كهوى من التوجه النفسي الى الشيء أي الى التحقق بمعنى ان الغيرة فعل مؤجل يتشكل وفق النسق المحايث له (فلما رأينه / رجعن الى نسق زوليخة في الشغف) بينما نسق (إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) هو نسق مناورات وإقصاء للغير بغية امتلاك يوسف
هوى زوليخة بعمر الشغف عاد الله اليه ليصوره بعيدا كاميرات الغير انه ينقل الحدث من قلب زوليخة مباشرة (وراودته / إنها تنازع معشوقها ارادته في كامل التحقق المكاني لخروج الهوى من التوجه النفسي الى (بيتها) فهناك امرأة العزيز وهنا / بيتها / المحصن بأبواب الجمال و (غلقت) وصول موافقة أبواب الذات الى شبق محقق ويشي ملفوظ غلقّت الى تماهي حقيقة الحب بحقيقة المواقعة وهذا قانون طبيعي انتجته سيمياء الهوى ومرة أخرى زوليخة مبرأة بشهادة ( مكرهن/ اغتيابها /قطعن ايديهن ) وتظهر قوة الحب وعدم التخلي في مواجهة عنيفة ارهقت زوليخة فهي من جانب لم تجرح زوجها بعدم التصريح باسم يوسف
لكنها تملكه واستخدمته لسجن معشوقها
ومن جهة كانت منذهلة في عدم تحقيق نوع العقوبة (يسجن او عذاب اليم) فهذا الترديد نفي لهوية الزوج برحمة المعشوق واستخدام الزوج ضغطا على عليه (وان لم يفعل مــــا امره ليسجنن حتى حين)
كان الحديث هنا عن تمظهر شغف الحب عبر الفاظ لم تكن لتعني شيئا في كينونتها الذاتية لكن (البعد الانفعالي) والمقصود به وعي العلاقة بين الاهواء ككتلة انفعالية وبين السياق هو من يجعل المفردة ومن ثم التركيب وبعده النص مجالا تتحرك فيه الأشياء كتحقق لتلك الكتل الانفعالية ولنفهرس هذه المفردات
(تراود / شغفها حبا / ضلال مبين / راودته / التي / هو / بيتها / غلقت الأبواب / هيت لك) وينبغي التشديد ان هذا المجال السيميائي الذي يعرضه المشهد هو دورة حياة الحب من حيث هو هو كمرتكز ذاتي طبيعي
في سياقه النفسي لا في سياقه الاجتماعي لان السياق الاجتماعي عقد مشارك وبخرق العقد تكون صورة تحقق الميل ظالمة لا الميل ذاته (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)
هذا تسننين معرفي ميتا سيميائي بحسب امبرتو ايكو لصيغ الميل واشكاله وهو ينطلق من مساحات مختلفة من النفس لكن الغريب ان العلامة هنا لم تمارس احتمالا دلاليا بل وقعت في حضن المدلول وها مما لا يسعد السيمائيات!!!
يتوارى مشهد زوليخة الان كمعطى تأسيسي سيمائي يقوم على كشف النشاط الخفي بحصص دلالية مقيدة بالسياق عبر ملفوظات مارست بعدا انفعاليا ضمن جهدها الدلالي ويشرق مشهد (لوحة الشاطئ الساحر) مستخدما ذات المعطى الكاشف عن الذات / الاخر / الوجود
العنوان هو واقعة موازية لواقعة النص لهذا هي بهذا الشرط فإنها تشطب على كثير مما يزعم انها عناوين اية ذلك ان المتلقي وكما يصرح بسام قطوس (ملزم بان ينظر للعنوان على مستويين الأول انه بنية مستقلة لها اشتغالها الدلالي الخاص والمستوى الثاني ان إنتاجية الدال تتخطى حدود هذه البنية الى مستوى واقعة النص) يعني هذا ان كفاءة مستوى الاتجاه الدلالي تظهر في مدى تحفيز انتاجيتها الخاصة بنية النص من جهة وفي تلوين كل قراءة بجين ممسك بتوارث مشترك في المدلول (استجابة افق التلقي)
يشي العنوان بلقاء تحتفل فيه ألوان اللوحة بنشاط جمالي خفي فهذه لوحة لكنها حصة من تأويل ذات ناظرة لهذا الشاطئ / الذات وهي تصف شيئا فهي منفعلة به متحولة الى لهجة تتأول تواريخ ذلك الشيء في مساحتها اللوحة هنا انثى وهي علامة ايقونية (ليست محاكاة لعالم غفل وليست تمثيلا خالصا للموضوعات انها تستعيد معطياتها الايقونية ضمن اشكال ومواقع والوان)
لاحظ حجتنا في ذلك كيف تسرد حسناء حفظوني معجم (اللوحة / موجات عشقها) في الشكل والموقع واللون
وببراعة فائقة مما يدل على كفاءة إشارة إحالة العنوان الى كل مشتهيات النص الدلالية
(بحرك الهادر- وجهي برسمك – وجهي وهو يطل مستحما – وجهك وهو معفر- الأزرق – الغروب – خط الشفق – ترتشفان – يسابقان – يرتفعان – يعبران – يغرقان – اخر نقطة التلاشي – عناق – لحظات العشق) ومن ثم كل هذه الموجات التي كشفها المعجم السيمائي كانت للعيان ظاهرة في خروجها من الشعور الى الفعل (لا فرق بين الموج والبحر) / لا فرق بين (شغفها حبا / بيتها)
لا فرق فكان البحر هادرا بفعل موجات الانوثة في تمظهراتها وفق رصدته القراءة في المعجم
الحواضن السيمائية للأنوثة بوصفها فعلا نصيا
تمثل الحواضن هنا معادلا اجرائيا بإرادة استعمالية ذات بعد انفعالي كما في مشهد زوليخة مع فارق المحتوى أكيدا لكن بنفس الوظيفة الكاشفة والحاضن اللغوي هو تركيب حامل للعلامة وفق معطيات السيمانطيقا لبيرس وبفهمي هو حاضن يحسم ابعاد سقف المؤول ضمن تعدد مقنع لا فوضوي كي ينفلت التعدد الدلالي الى تخمة التجرد والغموض والحاضن يضمن استيعاب التجربة المماثلة لكنه يقوض تهجمها الإمتلاكي المطلق ويفعل الحاضن هذا اعتمادا على موجهات يدسها في ذاكرة المفردة عبر إعادة خلق العلاقة بها بفعل الانزياح والحواضن رموز والوان وتراكيب وسياقات
الحواضن هنا هي ما توفرت عليه الانوثة من اقتراف لخرق كلاسيكيات المفردات في التعاطي مع المكنون من جغرافيات هذه الأنوثة ولنرصد ذلك الان
1. وموجات عشقي لا مستقر
2. تلبس الأزرق من رداء السماء
3. وجهي الذي رسمته بعينيك
4. يطل عليك كل غروب
5. مستحما بمياه اللهفة
الحاضن الأول هنا هو الأزرق لكنه الأزرق المشروط بمرجعية السماء كمصدر فهنا علامتان تشرع فيهما الانوثة بريم ابعادها وبين هويتها لكشف المخفي فهذا الأزرق تدليل على (الهدوء والسكينة والامتداد والعالم الذي لا يعرف الحدود) والسماء إحالة مرجعية لسياقات (الانثى كسماء – جنة عرضها السماوات والأرض – وفي السماء رزقكم كناية عن مواهب الذات واحتياج الاخر لها – وانا لمسنا السماء فوجدنا ملئت حرسا شديدا كناية عن الوعي والجمال والفكر والتمنع والكبرياء – افلم ينظروا الى السماء كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج كناية بنية الروح والجسد – الخ سياقات السماء وتمثلها السيمائي
هذا الشغف مرسوما بعينيك (عينيك / بيتها) مرسوما ومرصودا بعينيك لكنك رسمته كي يكون وجه
وجودك بلى هو وجودك انه يطل عليك كل غروب يهدد أفولك فالغروب مخافة وجهية إنك ترسمه وهو يطل
بمياه اللهفة هذه المتوالية (لا فرق بين الموج والبحر/ لا فرق بين عينيك ووجهي) (همت به وهم بها) في
بيت اللهفة
1- وشفتاي ترتشفان لهيب الشمس
2- موجات عشقي وبحرك الهادر
3- يسابقان خط الشفق
4- بين المرافئ المفتوحة على الأمس
5- يعبران بحرية كل الدروب
6-
يستمر الشغف بـــ (ارتشاف اللهيب) كمشهد حسي تتمظهر فيه الشفتين كرؤية بصرية واللهيب كمضمر يقطع المسافة بينهما وبين المتجذر في التسننين الجمالي (الشفتان وهي ترتشف لهيبا) الارتشاف هنا مظهر لا يحيل الى شكله بل يحيل الى ان الشفتين احتفال ارتشاف هي لون شغف في اللوحة الانثى يصاهر لون خط الشفق في موجها وبحره يستبقان الباب المفتوحة على الامس كعيد ميلاد حرية والفيا التلاشي بحرية
الدروب هذه الألوان تتلاشى في الارتشاف ارتشاف الوجود كبعد ثالث لا فرق بين شفتي وارتشافك وجودا ملتهبا
هذه المحاولة الخجولة في تتبع الحواضن لم نقصد منها استدعاء مودة المعنى الى حواس التلقي بقدر ماهي رصد لحواضن وظفتها حسناء قرطاج لتكب نصا بالأبعاد الأنثوية لا باللغة الشعرية
الحواضن تختلف عن الظواهر ففي مشهد زوليخة فانا ابطال المشهد ظواهر وليسوا اشخاص لان المشهد القرأني يستدعي التسنين الكوني وقوانينه عبر التجربة الإنسانية ليودعها ضمن خطابه (بلاغ للناس) بينما الحواضن الشعرية تستدعي المخصص لكشف غير المخصص عبر رمي الجمرة في ساحة التأويل وبعبارة سعيد بنكراد ( يجب ان لا نبحث عند الدلالات خارج اسوار الواقعة فما يوجد خارج الاسوار يحضر في الواقعة في شكل احالات رمزية واستعارية وايحائية تشير الى الوجود الكامن لعوالم تحتاج في تحققها الى تنشيط ذاكرة الواقعة وبلورة سياقتها الممكنة لكي تمثل امامنا كتجارب بالغة الغنى والتنوع حينها سينتفي الحديث عما يوجد داخل الواقعة وعما يوجد خارجها فما يوجد في الداخل يوحي ويتضمن ما موجود في الخارج )
وهذا يعطي تنشيط ذاكرة لوحة الشاطئ الساحر بلوحة (شغفها حبا) مع فارق الخاتمة والنوايا ومع اشتراك التمظهر الدلالي كوظيفة استعمالية تستهدف البعد الانفعالي
حيدر الأديب / العراق
ــــــــــــــــــــــــــــ
أصل النص
لوحة الشاطئ الساحر
بحرك الهادر ما ينفك يناديني
وموجات عشقي لا مستقر
تلبس الأزرق من رداء السماء
وجهي الذي رسمته بعينيك
يطل عليك كل غروب
مستحما بمياه اللهفة
وشفتاي ترتشفان لهيب الشمس
موجات عشقي وبحرك الهادر
يسابقان خط الشفق
يرتفعان مع غلالة المساء
يلتحفان نشوة الشوق المسافر
بين المرافئ المفتوحة على الأمس
يعبران بحرية كل الدروب
يغرقان في آخر نقطة للتلاشي
على سواحل الأرجوان
وجهك المعفر بالحب
وعناق النوارس البيضاء
اخر لوحة رسمتها ريشة القدر
بلوحة الشاطئ الساحر
لحظات العشق
لا فرق بين الموج والبحر
بقلم الشاعرة: حسناء حفظوني /تونس
الكاتب:
إدارة النشر والتحرير بتاريخ: الجمعة 10-04-2020 01:17 مساء
الزوار: 1421 التعليقات: 0