«الفضاء الأزرق في الرواية العربية» ومرحلة الانطباعات الأولية
عرار:
د. محمد هندي
سعدتُ كثيرًا عندما أهداني الناقد الأردني «فوزي الخطبا» نسخة من كتابه: المعنون بــ:»الفضاء الأزرق في الرواية العربية»، والذي يمثل خطوة لا بأس بها في مجال الحقل الرقمي، وقد تبين لي أنه يدرس تأثير الفيسبوك (بوصفه فضاء رقميًّا) في بنية الرواية العربية على المستويين: الموضوعي والفني، متخذًا من رواية « أنثى افتراضية» لفادي المواج الخضير نموذجًا رئيسيًّا للظاهرة المدروسة، إضافة إلى روايتيْ: «حب من أول نقرة» لمريم نومار، وحب في «زمن الفيسبوك» لمريم كنماتي، لتدور محاور الفصل الأول حول الأبعاد الموضوعية لهذه التجارب، ثم تأثيرات هذا الفضاء على الشخصية، والزمان، والمكان، واللغة، حيث أصبحنا أمام بُنى ثنائية الاتجاه تتناسب مع بنية الفضاء المصوّر، فأصبحت هناك شخصية افتراضية، وأخرى واقعية، ومكان واقعي وآخر افتراضي، وعلى مستوى اللغة: هناك استعارة لمفردات الفيسبوك، والتناص، والاختزال الحواري، والرموز والأيقونات، إلى غير ذلك من المحاور التي سعت الدراسة جاهدة إلى بيانها.
وإذا جاز لي أن أسجل انطباعًا خاصًا من باب ما يسمى بنقد النقد، فيمكنني القول بأنّ ثمّة مجموعة من الملاحظات التي ينبغي الوقوف عندها:
أولًا: لِمِ اقتصرت الدراسة على الروايات المذكورة دون غيرها؟ خاصة وأن هناك روايات عربية كثيرة وظفت الفيسبوك بصورة كلية على المستوى التقني، وكانت أكثر تعبيرا عن هذا الفضاء من رواية « حب من أول نقرة»، التي غلب عليها الجانب الموضوعي، ما جعل البنية السردية تُقدّم من منظور الراوي العليم الذي يسردُ التجربة بعد حدوثها، وكذلك رواية « حب في زمن الفيس بوك» التي غلب عليها الاتجاه الوعظي الذي يهدفُ بصورة أساسيّة إلى إرشاد الفتاة التي ترتادُ فضاءات الإنترنت؛ فقد ذكرتْ المؤلفة صراحةً في افتتاحية الرواية أنّ كلماتها موجّهة إلى كلّ فتاة يستهويها رجل.
ثانيًّا: ما مبررات الاهتمام اللافت للنظر برواية « أنثى افتراضية»، بحيث تخصص لها الدراسةُ الفصلين: الثاني والثالث، لدراستها من منظور النقد الحديث، فهل أوجدت تكنيكًا فنيًّا فريدًا لم يكن متعارفًا عليه في أعمال أخرى بحيث تعرض الدراسة لما يقارب من (28) دراسة حول هذه الرواية، وعشر إضاءات، إضافة إلى حوارات مع الكاتب نفسه. وقد ذكّرني هذا الاهتمام بما حدث مع رواية « شات « لمحمد سناجلة التي استقبلتها البيئة العربية في عام (2005) بشيء من الدهشة فراحت تكتب المزيد من الدراسات، مما أدى إلى وجود تشابه في كثير من المحاور والأفكار، مع أن هناك روايات أخرى لسناجلة أكثر عمقًا وتفاعلية، كظلال العاشق مثلا.
ثالثًا: طالما أنّ هذا العمل الذي هو مهم في بابه، قد أفرد هذه الدراسات حول رواية واحدة، فإني أرجو مستقبلًا تخصيص فصل حول الدراسات النقدية التي اهتمت بتأثير الإنترنت في الرواية العربية، من بداية الألفية حتى لحظة كتابة هذه الدراسة، وهنا لا نقصدُ الدراسات التي تتعلّقُ بالرواية الرقميّة؛ لأن ما كُتب فيها نقديًّا يفوق ما أُبدع رقميًّا، لكن المعني هنا تحديدًا هو تأثير الإنترنت على الرواية الورقية، التي رغم كثرتها لم تلق الاهتمام الكافي بها، ولي أن أذكر مثلًا: « أبناء الديمقراطيّة» لياسر شعبان، و»بنات الرياض» لرجاء الصانع، و» حرية دوت كوم» لأشرف نصر، و» في كل أسبوع يوم جمعة» لإبراهيم عبد المجيد، و»حبيبي أون لاين» لأحمد كفافي، و» إيموز» لإسلام مصباح، و» المصائر» لأشرف نصر، و» فيرجوالية» لـسعد سعيد»، و»أوجاع ابن آوى» لأحمد مجدي همام، و»عشيقة آدم» للمنصف الوهايبي، وكناش الوجوه» لعبدالعزيز العبدي، و»فيرجوليّة» لسعد سعيد، و» لعنة ماركيز» لضياء جبيلي، و» المصائر» لياسر شعبان، و»نكاح افتراضي» لعارف الحيسوني، و» فتاة الحلوى» لمحمد توفيق، و»إمبراطورية المساخيط الفيساوية» لمحمود طهطاوي، و»الغضب الضائع» لمازن العقاد، وإيميلات تالي الليل» لإبراهيم جاد الله وكلشان البياتي، و» مملكة الفراشة» لواسيني الأعرج، و»غواية الماء» لإبتسام التريسي و» على الجدار» لحليمة زين العابدين، و» أحزان إلكترونيّة» لحنان الوداعي»، و»مقصلة الحالم» لجلال برجس، و»ابنة سوسلوف» لحبيب الرّب سروري»، و» حكايات افتراضية» لـناهد صلاح، و»جريمة في الفيس بوك»، لعلاء مشذوب، و « الحب المفقود والمغتربة» لعمر أحمد سليمان، و» ليلى وليالي الفيسبوك» لنزار دندش، و»حارس الفيسبوك»، لشريف صالح، و»#انستا_حَياة»، لمحمد صادق، و» نسيت كلمة السر»، لحسن كمال، ورواية « شيفرة بلال» لأحمد خيري العمري، و» الهجرة إلى العالم الافتراضي» لعمر حسين سراج. و» هوامش الحبِّ والحرب» لعبد السلام الشبلي.
بهذا الصنيع يمكن أن تشكّل هذه الدراسة مع غيرها انطلاقة مهمة لتأسيس تيار نقدي يتناسبُ في تجلياته القرائية مع معطيات التنكولوجيا الرقمية.