|
عرار:
الناقد محمد المشايخ في كتابه الجديد (العقل العربي في الروايات العربية الفائزة بجائزة البوكر العربية) الصادر عن دار أزمنة في عمان، بدعم من وزارة الثقافة، يكتب الناقد والمفكر أ.د. حسن عليان للنخبة، وينطلق من برج النقد والفلسفة العاجيين، بعد أن يشرب حليب السباع، ليتجاوز بجرأته الرقيبين الداخلي والخارجي، ويخوض في أقانيم السياسة والدين والجنس، فينقد روايات عربية، فيها شطحات تتجاوز الديمقراطية، تاركا لقريحته مداها في الإطناب والإسهاب، وكأنه يتحدث في محاضرة لطلبة الجامعة، ليعطي كل موضوع ما يستحقه من دراسة وتحليل وبحث وشمول وتأن ٍ ودقة، فيتوقف عند قضايا أكثر من عدد شعر الرأس، كيف لا؟ وهو يكتب عن روايات عربية فائزة بجائزة محترمة، لها قيمتها المادية، ومكانتها المعنوية، وبالتالي فإنها أهل للتقييم الفكري والجمالي، ليوصل لنا رسالة مفادها أن الكتّاب العرب الفائزين بجائزة البوكر العربية لم يخرجوا «عن ماهية العقل العربي بين الوعي الثقافي وصراع المصالح وقضايا الأمة، على تعددية ماهياتها وموضوعاتها وأوجهها المتباينة من صراع القبائل والسلطة، والبحث عن الذات في إطار العلاقة بين العرب والغرب وبـُنى العلاقة بينهما في القرنين الماضيين». أ.د. حسن عليان مزج في كتابه - الذي يُعتبر إضافة نوعية للمكتبة العربية - بين الفكر والنقد والفلسفة، والمدهش أنه كان قويا متمكنا منها جميعا، وبالتوازي، دون أن يطغى أحدها على الآخر، فيقول: «إن العقل مركزي في حياتنا، فعمل العقل الواعي واللاواعي والحرّ وغير الحرّ المرتبط بحرية التفكير في ماهية هذا الفكر، وفي قضاياه، وفي جميع أشكال وأنماط حياتنا المتعلقة بالإدراك والفعل والفكر والشعور والتأمل والذاكرة الحيوية والجوهرية، السياسية، أو الحزبية، أو الدينية، أو الفلسفية، وتتجسد الوسيلة، أو الأداة الوحيدة للتعبير عن ماهية العقل وبناه الفكرية وفلسفاته باللغة، فبدون اللغة لا مجال للتعبير عن بـُـنى الفكر أو التفكير، أو عن فلسفة العقل وطبيعته ومركزيته». أ.د. حسن عليان، الأكاديمي والنقابي والأديب، عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وعضو اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، ينقد في كتابه: بكل ما أوتي من وعي ويقظة، ومن فكر وطني وإنساني متقدّم، مشرّحا واقعنا العربي في ماضيه وفي حاضره، مستشرفا مستقبله المـُـتـَخيـّل، ليقول:»إننا بحاجة إلى الإنتاج العلمي والعقل السياسي والاقتصادي والمعرفي والعلمي، وبحاجة إلى عقل جديد لعالم جديد، لنغير طريقة تفكيرنا، حتى نحمي واقعنا ومستقبلنا، ونبني أمة قادرة على الإنتاج»، ويضيف :»علينا أن نمعن في التفكير في حقول العلم والمعرفة والتخلص مما لا يفيد واقعنا وبنانا الفكرية، على تعددية أوجهها وحقولها ومجالاتها وآفاقها وحاضرنا ومستقبلنا». وقد أفدت كثيرا من هذا الكتاب الذي كنت أظنه سفرا نقديا فحسب، ولكن تبيّن بعد مطالعته أنه جمع بين النقد الفلسفة والفكر، كيف لا ومؤلفه يؤكد «أن العقل مركزي في حياتنا ومستقبلنا، ولذا على الفلاسفة العرب والمفكرين والمثقفين أن يولوا قضايا فكر الأمة جلّ اهتمامهم، وأن يميزوا بين العقل الفاعل والعقل السائد على الرغم من العلاقة السائدة بينهما». وتبدو ثقافة أ.د. حسن عليان الموسوعية، وقدرته على اقتناص كل مفيد ومتلائم مع دراسته من بطون الكتب، ومن أعماق التاريخ حين يقول:»علينا أن نعي بقوة ضرورة ما ذهب إليه إدوارد سعيد من رؤية لماهية العقل العربي في بعض أعمال كتاب الغرب الروائية، وبخاصة ما سجله برؤيته لرؤية كونراد في حكاياته الممثلة للحركة الإمبريالية، وما ذهب إليه الكتاب العرب الفائزون بجائزة البوكر العربية، وغيرهم من رؤية لماهية عقل الإنسان العربي وقضاياه الاجتماعية وغيرها من قضايا على درجة عالية من الأهمية، إن التاريخ والطبيعة زوجان لا ينفصلان، وفق رؤية روجيه جارودي، ولم يخرج «كانت» في تشييده مذهباً عقلياً على أساس نقدي سليم عن هذا الإطار، وذلك بالانتقال من خطوة التجربة إلى الميتافيزيقيا التقليدية، فقد جمع بين عالم الطبيعة وبين عالم العقل، على قاعدة أن كلّ معرفة عقلية، إما أن تكون ماديّة، تتناول بالبحث موضوعاً ما، أو صورية، وتتناول صور فهم العقل وقواعده متعددة الأوجه والاتجاهات». يتناول الأكاديمي أ. د. حسن عليان، في كتابه ثلاث عشرة رواية عربية حصلت على النسخة العربية من جائزة البوكر، وكيف ناقشت هذه الروايات الواقع العربي؟، منها: رواية «واحة الغروب» للروائي المصري بهاء طاهر، ورواية «عزاويل» للروائي المصري يوسف زيدان، ورواية «ترمي بشرر» للروائي السعودي عبده خال، ورواية «طوق الحمام» للروائية السعودية رجاء عالم، ورواية «القوس والفراشة» للروائي المغربي محمد الأشعري، ورواية «دروز بلغراد» للروائي اللبناني ربيع جابر، ورواية»ساق البامبو» للروائي الكويتي سعود السنعوسي، ورواية «فرانكشتاين في بغداد»، للروائي العراقي أحمد السعداوي، ورواية «الطلياني» للروائي التونسي شكري المبخوت، ورواية مصائر «كونشرتو الهولوكوست والنكبة» للروائي الفلسطيني ربعي المدهون، ورواية «موت صغير» للروائي السعودي محمد حسن علوان، ورواية «حرب الكلب الثانية» للروائي إبراهيم نصر الله، ورواية «بريد الليل» للروائية اللبنانية هدى بركات. ولأن النسخة العربية من جائزة البوكر تتواصل، وقد فاز بها مؤخرا الروائي الأردني جلال برجس، ولأن من هذه الجائزة نسخا عالمية مترجمة، فإننا نأمل من ناقدنا ومفكرنا صاحب الخبرة والتجربة والملكة النقدية أ.د. حسن عليان مواصلة رحلته النقدية والفكرية، متمنين على مؤسسة جائزة البوكر أن تقوم بنشر مؤلفاته التي تعتبر مجرى النهر الذي تتفرع منه الروايات الفائزة بجائزتها، فهي مهمة وقيّمة، يتعلـّم منها الروائيون والنقاد الصاعدون، مثلما يستفيد مبدعو الرواية. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأربعاء 10-11-2021 08:17 مساء
الزوار: 1015 التعليقات: 0
|