|
عرار:
محمد رمضان الحبور الأستاذ علي القيسي من الناس الذين يحملون هم الثقافة ويسعى دائما إلى تطوير حواسه الثقافية بالاطلاع الدائم على كل جديد، فهو قارئ نهم وباحث قدير، دائم البحث والتنقيب عن كل جديد في الأدب والثقافة، واليوم بين أيدينا رائعة من روائعه، دراسة وكتاب نقدي يتحدث فيه عن روايات الأديب والأستاذ مصطفى القرنة، فالأستاذ علي القيسي من المتابعين والباحثين في الأدب الروائي للأستاذ مصطفى القرنة منذ زمن بعيد، عنون كتابه (بالبعد الأسطوري في الرواية عند مصطفى القرنة) الكتاب مجموعة مقالات نشرت في فترات متباعدة، وتناولت الحديث عن الأسطورة والبعد الأسطوري بأسلوب غير مباشر، ولا شك أن الأستاذ مصطفى القرنة قد وظف الأسطورة في أكثر من عمل روائي له، وعلى سبيل المثال لا الحصر، رواية فئران لاحوس، بنسمايا، المدرج الروماني، الشيطان يخرج من أزمير، وغيرها من الروايات، وبعين الناقد المثقف درس الأستاذ علي القيسي مجموعة من الروايات وأشبعها دراسة ونقدا في أكثر من مجال، وفي هذا الكتاب الذي عنونه « بالبعد الأسطوري» تناول الأديب القيسي مجموعة من الروايات التي يظهر فيها توظيف البعد الأسطوري. وقد اختلفت أساليب وطرق الروائيين في معالجة الأسطورة، فهناك من أعتمد على الأسطورة كما هي حرفيا وهناك من الروائيين من وظف الأسطورة توظيفا ديناميكيا، ولا شك أن الرواية العربية المعاصرة في تطور دائم وهي بين الحين والآخر تحاول أن تتطور من أدائها ومن استخدام أدوات تعبيرية لتواكب الرواية العالمية، ومن هذه الأدوات ما يسمى بالأسطورة. وقد تكون هناك صعوبة في الإجماع على تعريف واحد محدد للأسطورة، ولكن يبقى الأمر وجهات نظر، فالدكتور إحسان عباس في ترجمته لكتاب كاسبرر « مدخل إلى فلسفة الحضارة «يرى بأن الأسطورة فعل ينتظر منه تحقيق فعل أخر ومن خلال هذا الفعل الأول كان الإنسان يحاول أن يصنع المعجزات» أما الناقد الفرنسي بيير برونيل فيقول: إن الأساطير هي كل ما حوّله الأدب إلى أساطير. وهناك مثل كلود ليفي ستروس من أعتبرها حكاية تقليدية تلعب الكائنات الماورائية أدوارها الرئيسية. يقول الكاتب والأديب علي القيسي في نقده وتحليله لرواية بنسمايا «رواية مثيرة للجدل، محيرة للمرء، رواية تعود بنا إلى ماضي سحيق وموغل في القدم، تجعلنا نتخيل وتستفز في دواخلنا فكرة البحث الفلسفي عن مسيرة الحياة برمتها». ربما تكون رواية بنسمايا من أكثر الروايات التي ظهر فيها توظيف الأسطورة والرمز بشكل واضح وصريح، فمكان الرواية مدينة بابل، مدينة الأساطير، وزمن الرواية هو زمن السومريين والبابليين، الرواية تعتمد على أبطال خياليين، فبنسمايا ما هو إلا عفريت التقى به الشاعر عشتار في أطراف الغابة القريبة كان مربوطا في بئر قديمة على هيئة إنسان، أما عن الشخصية الرئيسية عشتار فهي أيضا شخصية أسطورية من أساطير العهد البابلي، فهي الهه الحب والجنس والإخصاب والحرب، كانت الآلهة الرئيسية لمديمة الوركاء، وآلهة مرموقة في كل مدينة في وادي الرافدين، أعطى السومريون الآلهة عشتار كل الصفات الأنثوية، فهي تُحب، وتكره، وتهجر، وتنتقم، وتخون. أما شخصية عشتار في رواية بنسمايا فهي شخصية فلاح من أحد أحياء بابل، وقد جعل منها الروائي القرنة شخصية محورية رئيسية، وهي التي تقوم بتحريك باقي الشخصيات الثانوية الأخرى. يقول الأديب علي القيسي في معرض حديثه عن العفريت بنسمايا «هذا العفريت يتماهى معه الراوي الشاعر ويحركه بين الشخوص، ويسيطر على تصرفاته، ويوظفه شر توظيف، ويدخله في جسم الإنسان كي يلتقط الأخبار والأفكار والسلوكيات أيضاً، يوظفه الزوج لمراقبة زوجته في فترة غيابه عن البيت.» رواية بنسمايا من الروايات التي بُنيت بكل عناصرها على الأسطورة فالمكان مكان أسطوري بابل، والشخصيات شخصيات معظمها شخصيات أسطورية والزمان هو زمان الأساطير. فالمكان في الرواية هو مدينة بابل، بابل مدينة الطقوس والتعاليم السحرية، بابل مدينة الحدائق المعلقة، مدينة شرائع حمورابي، بابل المدينة الأسطورية التي صنعت من نفسها مسرحاً لأهم أحداث التاريخ على مدى قرون، فلم يكن اختيار هذه المدينة بشكل عفوي لتكون مسرحا لأحداث الرواية. يبقى أن نقول إن الكاتب والأديب علي القيسي استطاع أن يقدم لجمهور القراء كتابا يستحق القراءة والمتابعة، فالكتاب وثيقة تاريخية/ تتبع فيها الأستاذ القيسي مجموعة من روايات الأديب القرنة. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 09-12-2021 11:51 مساء
الزوار: 732 التعليقات: 0
|