|
عرار:
حاورته مريم خضراوي : نستهل مقدمة هذا الحوار مع ضيفنا القامة العربية الذي قال " الشعرُ، مرآةُ الروح في الحزن والفرح، في النجاحات والنكوص، هو المزمار الذي ينفثُ فيه الشاعر عمّا يخالجه وما يستشعره، وما يتوقعه، بل هو الواقع الجديد الذي يرسمهُ والعالم المتخيّل الذي يتمنّاه، لذلك كتبنا في السلام كصورة معاكسة للحروب، وكتبنا للحب، لنشاكس صور النفاق والدجل والحقد، وكتبنا للحياة لنشاكس صور الموت التي تحيطنا من كل حدبٍ وصوب. ولكن الشاعر هو منْ يحوّل هذه الانكسارات الى صورٍ ترى الغد بشكل آخر، وعالمٍ أجمل وأرقى، الشاعرُ منْ يجعل رسالته انسانية" دعونا نستمتع مع هذه القامة العربية والحوار الشيق الذي استم بشفافية ورقي برقي الشاعر . السؤال 1....نشأ الشعر وتربى في حناياك.... ورغم دراستك الجامعية في كلية الادارة والاقتصاد.. ورغم ما سرقته الحرب في العراق من احلامك الا ان الشعر كان سبب بقاء دكتور وليد الزبيدي ....لو تعرف القرّاء عليك ...؟ انسان من وسط فلاّحي، وُلدَ في مدينة فلاّحية ، تنعمُ بالحقول والبساتين، وتنامُ على ضفافِ نهرٍ يتمدّدُ بين بيوتها، ودروبها، اتغذى على أغاني الحصاد، وطيبة وجوهٍ وقلوبٍ تنبضُ بالحنين، وخُطىً وحناجرَ بين طيّاتها حزن المطر، والجفاف، والجوع. ولأنّ العاطفةَ غالبةٌ والأحاسيسَ تغمرُ الروح، ولأنّ القلبَ عامرٌ بالعشق، ويهوى الجمال أينما يكون، طربتْ نفسي للشعر، الذي يسكنُ البيت، الأصدقاء، الدروب، السنابل، بل لا أنام إلا على أصواتٍ تنشدُ في ليالي القيظ، اشعاراً تناجي الحبيبة، أو في الدار حيثُ تتعطرُ كل زاويةٍ فيه بأبيات المتنبي ، والجواهري، والرصافي، والسّياب، ومن المدرسة التي أصبحتْ منبراً أقف كلّ يوم خميس مع رفع العلم، كي أنشدَ أشعاراً حفظتُها، في البيت من خلال والدي وأخوتي، الذين كانوا يشجعوني على حفظ الشعر مقابل بعض (النقود) التي أشتري بها ما تستطيب لهُ النّفس، ثمّ من خلال ذلك تعلّمتْ بدايات تهجّي بعض الأبيات التي كتبتُها على سليقتي، ثم أخذَ معلمي بيدي وتشجيعي للمشاركة في مسابقات ومهرجانات أدبية تقامُ بين المدارس، وهكذا تعرّفتُ على الشعر، وتمّ تهذيبي بكتب كبار الشعراء، وسماع شعراء مدينتي الذين كانوا يقيمون جلساتهم في بيتنا وفي بيوتات أقاربنا فكنتُ أحضر للسماع وللتعرف على مالديهم من تجارب، وما يصاحب هذه الجلسات من جلسات نقدية لتقييم وتقويم الحضور. ولم أقتنع بدراستي في كلية الادارة والاقتصاد، لأنها ليستْ هوسي وطموحي، وما أن سنحت لي الفرصة بعد سنين حتى كنت أحد طلبة كلية التربية، قسم اللغة العربية، لأتعلم الشعر على أصوله ومن مضانّه، وأكملت بعدها الماجستير والدكتوراه حبّاً باللغة العربية والشعر، وازدادت تجربتي واتسعت مشاركاتي. ولولا الشعر لما حييتُ لهذا اليوم. السؤال 2...لقب الشاعر هل يغني عن صفات الكاتب الاخرى كدراسته الاكاديمية ومستواه العلمي وانتماءاته الفكرية والروحية....؟ الدراسة والشهادة هي تحصيل علمي، ليس بالضرورة يضيف شيئاً، كثيرون منْ نالوا الشهادات العليا فاكتفوا بها، وتركوا الكتابَ والكتابةَ والبحث، فالبعض يتّخذُ من الدراسة والتحصيل الأكاديمي لأغراض تحسين معيشته، اي لتحقيق رفاهية مادّية، والبعض الآخر منْ يريد أن يشبع غروره بوضع حرف (د) أمام اسمه، أمّا الشاعرُ الشاعر، فهي الصّفة التي لا يمكن أن يدانيها شيء آخر، فهي الموهبة والتجربة، وتأتي الدراسة والبحث لتشذيبها وتطويرها. فأرى لقب الشاعر أكثر نُبلاً ووقعاً من أي لقب أوْ مسمّى آخر. السؤال 3.....انكسارات وليد جاسم سواء في الحب او كعراقي عاش صراعات وطنه الجريح ....هل دونها شعرك ...؟ الشعرُ، مرآةُ الروح في الحزن والفرح، في النجاحات والنكوص، هو المزمار الذي ينفثُ فيه الشاعر عمّا يخالجه وما يستشعره، وما يتوقعه، بل هو الواقع الجديد الذي يرسمهُ والعالم المتخيّل الذي يتمنّاه، لذلك كتبنا في السلام كصورة معاكسة للحروب، وكتبنا للحب، لنشاكس صور النفاق والدجل والحقد، وكتبنا للحياة لنشاكس صور الموت التي تحيطنا من كل حدبٍ وصوب. ولكن الشاعر هو منْ يحوّل هذه الانكسارات الى صورٍ ترى الغد بشكل آخر، وعالمٍ أجمل وأرقى، الشاعرُ منْ يجعل رسالته انسانية، تصلح لكل زمان ومكان، وهذا ما نجده لدى كبار الشعراء، فنحن حينما نقرأ للشاعر المتنبي بعض قصائده، كأنهُ يقرأها بيننا اليوم، لأنها صورة اليوم، بل يرى العالم بعد ألف عام. السؤال 4....ماهوعشق وليد جاسم الانسان والشاعر ...؟ لنقل الواقع، العشق يبدأ من المرأة، وكيفَ نحلمُ بالحبيبة التي نرسمها على الورق وفي أشعارنا، وكيف كنّا نطاردُ ظلال النساء في الحقول، وعلى النهر، وكيف كنّا نتابع خطوها وهي في المدرسة، وكيف كنّا نتشوّق لكلمة وتحية أو جلسة شاي في أيام الدراسة الجامعية، أو نغتنم الفرص في مشاركات أدبية وشعرية، كي تصدح الحناجر بقصائد الحب، هذا الحب الذي دخلتُ معتركهُ فكانَ تارةً من طرف واحدٍ، وتارةً بتجربةٍ لا تدوم فتنتهي بعد أشهر، لأختلاف الطباع والثقافات، ولكنّ هذه التجارب أنبتت العاطفة وشذّبت فيّ قساوة القرية، وكانت مدرسةً لعشقٍ آخر ه عشق الوطن، الذي اصبح الغاية والمبتغى، وهذا انعكس بواقع الحال على ما كتبتُهُ ، وما كتبتُ في عشق الوطن أكثر مما كتبتُهُ في عشق الحبيبة. والعشقُ هو الحياة، هو أن ترى الخير، وترى روح الابتسام في كل الارجاء، وأن تعمل صالحاً، وأن تجعل من العالم أسرتك التي تحتضنك. السؤال 5...كمثقف واديب هل ترى ان ما قدمته وتقدمه يرقى لمستوى التحديات التي تواجهها الثقافة والهوية العربية ...؟ منْ يستطيع أن يجزم بأنهُ قدّمَ ما يرقى لمستوى التحديات، أنا ما زلتُ أحبو، وما زالَ في جعبتي وخاطري وخلدي الكثير لم يُكتب على الورق، مهما كتبتُ فهو لن يفي بل مازلنا لم نصل الى هذا المستوى. السؤال 6...استثمر الشاعر وليد جاسم التراث واستحضر في نصوصه قطعا بعمق رمزيتها الدينية والأسطورية، مما جعلها حبلى بالإبداع....فهل تراه يتحقق كيان القصيدة بهذا المستوى من الابداع خارج دائرة بنية القصيدة والشكل الشعري؟ أن نستثمر الموروث بكل ابداعه وكنوزه واعادة صياغته بصورةٍ وصورٍ ابداعيةٍ خلاّقة، هو بناء جديد، أن نستثمر الأساطير والخرافة، والميثولوجيا بأنواعها وفنونها شريطةَ أن نستخدمها وفق تقنيات وأدوات لتقديمها بما يتوائم مع العصر الذي نعيش، نقدّمها بأسلوبٍ يكادُ يكون مخالفاً أو معكوساً، أو منافياً لصورهِ الأولى لنقدّمَ نصّاً جديداً يُنتفعُ منها، وهذا ما يجدهُ المتابع، والمتلقي، لبعض نصوصي، وأشير على وجه المثال لا الحصر، نصّاً جريئاً لي، أستحضرتُ فيه روح الاسطورة البابلية( ملحمة كلكامش) لأصنع منها كائناً جديداً ، وعنونتُ النّص (الكائن جلجارا) وهو كائن جديد، تم خلقه، واخلولق، من شخصيتين، الأول تاريخي أسطوري(جلجامش) والشخصية الثانية( جيفارا) فخلقتُ شخصية المنقذ الجديد بصورة توحّدت فيها صفات وأفكار الشخصيتين. السؤال 7...الترجمة كفن يعبر بالإبداع إلى شعوب العالم..هل تراها خطوة يفترض الانحياز إليها حتى نتمكن من تسويق منجزنا الإبداعي وخصوصيتنا...؟ ما دمنا نعيش في عالم جديد يعتبر (القرية الصغيرة)، واللقاء، والتلاقح والانفتاح في حوار بين الثقافات والديانات، لذلك فأن ايصال الصوت والرسالة الى الآخر يتطلب أن ننفتح وأن نحضر ونتفاعل مع الآخر، فمثلما نقرأ دواوين الآخر ودراساته وابداعاته في كل الفنون ، فلابدّ أن يعرفَ اين وصلنا وكيف نرى العالم ونرى الآخر. وما مشاركات العرب في كل الفنون، وفي كل الجوائز العالمية ، بل ونوال البعض على تلك الجوائز، فهو تعبير عن وصول رسالتنا للآخر الذي أصبح يعرف ما نكتب واين وصل المبدع العربي. السؤال 8....كيف ينظر الشاعر وليد جاسم الزبيدي، كأديب وناقد إلى وظيفة النقد وإلى مدونة النقد العربي الحديث....؟ النقدُ يظلّ الرقيب على سلامة المدوّنة العربية بكل فنونها واتجاهاتها، بدءاً من خيمة النابغة الذبياني - منذ طفولة الشعر- وحتى اليوم، لا مشهد شعري سليم وابداعي بدون نقد، فالنقد هو عمود خيمة الأدب، وفق منطلقات النقد وقواعده واعتباراته التي وّضعت منذ عبد القاهر الجرجاني، وابن المعتز،وابن قتيبة، والباقلاني والرّماني، حتى العصر الحديث، ولكن ..؟ ما نشهدهُ هو انحسار النقد الموضوعي، والنقد العربي الذي عرفناهُ وفق مدارسه ومناهجه، بدأ ينحسرُ أو ينسحب من هذا المكان أو المجال، وأن عمالقة الشعر انسحبوا من الساحة أو في استراحة مقاتل، وبقيت الساحة الى بعض منْ يدّعي النقد (دعاة النقد)، فراحوا يكتبون بأهوائهم ووفق مبدأ العلاقة والصداقة، أو وفق جمال الشكل والصورة، أو لأجل المحاباة ولأمور أخرى لا تتعلق بالأدب والفن الشعري، والبعض الآخر منْ راح يتمنطق ويكتب وفق ما يترجم من مصطلحات أو ينحتُ منها، أو ما يستقيه من نقد الآداب في اللغات والثقافات الأخرى ليجعلها مختبرا لما يكتب، أنني أرى أن هذه الموجة مما يسميه البعض (النقد) ستزول لوجود قامات كبيرة ومناهج راسخة للنقد العربي ستعود للساحة الثقافية. السؤال 9.....كرم الشاعر وليد جاسم الزبيدي، في مجالات شتى ومناسبات عديدة... هل تراه التكريم يضيف للشاعر وماذا تشكل في اعتبارك بالنسبة إلى المبدع...؟ التكريم هو نوع من العرفان، والتقدير، بصور وأساليب مختلفة، وهو مسألةٌ معنوية يحتاجها الكاتب والمبدع والفنان، وهو قيمة اعتبارية فوق كل شيء، ولكن لا يمكن اعتباره إضافة، فكثيرون من مبدعينا لم يحصلوا على تكريم إلا بعد وفاتهم، التكريم هو عامل معنوي وليس إضافة في شخصية أو ابداع. السؤال 10 ....ما يقارب الأربعة عشر اصدارا...بين الشعر والدراسات...اضافة الى النشر في الصحف العربية والمواقع الادبية...هل شفى ذلك طموح المبدع وهل توصلت إلى تمرير رسالتك إلى المتقبل سواء من النخبة ام المتذوق...؟ نعم، ان عدد كتبي المطبوعة وصلت الى الرقم (14) والحمد لله، بين الشعر والدراسات النقدية، والتحقيق في المخطوطات، وما يزال عندي ما يقارب أربعة كتبٍ مخطوطة لم تطبع بعد، ولكن لم أصل بعد الى مستوى الطموح هناك الكثير الذي لم أقله ولم يصل الى المتلقي العربي، وأتمنى أن أستطيع اكمال ايصال رسالتي الى المتلقي العربي بعونٍ من الله. السؤال 11...مالذي تعنيه هذه المفردات للشاعر وليد جاسم الزبيدي....؟ الموسيقى والايقاع الصورة الشعرية الخيال الشعري الوطن الحرب المرأة التجنيس الأدبي ؟ الموسيقى والايقاع : غذاء ونسمة وتوازن الافكار . الصورة الشعرية: هي اللوحة التي أرسمها على الورق. الخيال الشعري: العالم الذي ننشده بكل صفائه ونقائه. الوطن: منْ يمنحني وردة، ولا يجعلني أحمل رصاصة أو سكين، منْ يمنحني بقدر ما أمنحهُ، ولا يجعلني أقف على أبوابه متسولاً. الحرب: موتٌ يزورنا فيأخذ أعزّ ما نملك. المرأة: الحياة، العشق، الألوان التي لا تكتمل اللوحة دونها. التجنيس الأدبي: أنا لستُ مع منْ يقسّم الأدب العربي بكل فنونه، الشعر، الرواية، القصة، المقالة، الخاطرة، النثر، على الأدب الذكوري ، والأدب النسوي، فالأدب واحد بكل زمان ومكان، وليس من الابداع أو الابتكار أن نبوّب الفنون على أساس الجنس. السؤال 12...كلمة اخيرة انطباعك عن الحوار....نص شعري تختاره تقدم للقراء؟ لابدّ أن أحييك أستاذة مريم، على نوع وصياغة الأسئلة التي لم تكنْ مكرورة أو من بديهيات اللقاءات، بل أتيتِ بجديد، وكان حواراً راقياً لا ملل فيه، بل كان اضاءة على زوايا معتمة في المشهد الثقافي العربي، شكرا لك مع اعتزازي واحترامي وكل الشكر الى مؤسسة عرار العربية للاعلام التي اتشرف بان اكون احد اعضاء مجلس امناؤها . أما النص الشعري الذي أختاره للقرّاء هو: (ممنوعةٌ كالخمر..!) ممنوعةٌ كالخمر..! وليد جاسم الزبيدي/ العراق كقابضِ الماءِ .. ينسلّ بين أصابعي رحيقُ ظلّكَ تتمرّدُ لغتُكَ على: الصّرفِ، والنحو وهمسُكَ الكيمياءْ.. كقابضِ الماءْ.. لا.. يحتويني فضاؤكَ الحافل بكلّ ألوانِ بهجةِ رأس السّنة وأعيادِ الأمراءْ.. كقابضِ الماءْ.. يا مالكاً.. وما مَلَكْ.. طيفٌ أتاني أو مَلَكْ.. ما طاوعتْني أناملي، أو خافقي أو خاطري، كي أسألَكْ..؟ عن دمعةٍ، في مُتحفِ الحُزنِ الذي سرقتْهُ راياتُ القبائل قبل منتصفِ السّقوط، كي أسألَكْ..؟ عمّا تبوحُ بهِ الّليالي أو يترجمُهُ الفَلَكْ.. عن كلّ سربِ خطيئةٍ أو في سُعارِ القتلِ يفتكُ منْ فَتَكْ.. عن كلّ منْ أحيا، على دربِ الهوى شجناً وأحيا.. سُنّةً للعاشقينَ ومنْ هَلكْ.. كي أسألَكْ..؟؟ يا قابضَ الماءَ الذي منَعتْهُ نظرتُكِ الخجولةُ لأرتواءِ الطّيبِ أحنَتْهُ المآسي وآصطفتْهُ كصخرةٍ في ظلّ ماءْ.. ممنوعةٌ كالخمرِ.. أنتِ..!! فلا أبوحُ لطُهرِ جُرحكِ والسّماءْ.. ممنوعةٌ عزّتْ عليّ وكانَ ضحكي كالبُكاءْ.. ولا ..عزاءْ.. بخيلةٌ تلكَ الحروفُ فما يعلّلُها الرّجاءْ.. يا.. آهَ.. آهاتي.. وياكُلّ النّداءْ.. فمتى ينامُ رقيبُنا ومتى يطاوعُنا الدّعاءْ.. ممنوعـــــــــــــةٌ كالخمرِ...!! في هذا العراقْ..! ولمْ يحرّرْهُ انعتاقْ.. ثوراتُهُ ورقٌ يمزّقُهُ النسيمْ.. ثوّارُهُ خشبٌ تسمّرَ، بل تخشّبَ خلفَ أقوالِ الزّعيمْ.. ممنوعـــــــــــةٌ كالخمــــــرِ..!! في بلدي: البطولةُ،.. والفداءْ... من ألف عامْ لا روحُ.. لا أشلاءْ.. ممنوعةٌ كالخمرِ يا قابضَ ماءْ..!! الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الأحد 06-01-2019 07:27 مساء
الزوار: 7996 التعليقات: 0
|