د. محمد عبدالله القواسمة تشهد الحياة الثقافية في عالمنا العربي زيادة ملحوظة في الإنتاج الروائي، وقلة في إنتاج الأجناس والأنواع الأدبية الأخرى: الشعر، والقصة، والسيرة، والمسرحية، والخاطرة، والمقال، وقلة كذلك في الإنتاج النقدي والفكري. لقد دخل كثير من الأدباء وغير الأدباء من الجنسين معترك الكتابة الروائية ممن لم يمارسوها من قبل، فدخل سوق الرواية شعراء وقاصون وباحثون ونقاد وصحافيون ومهندسون وسياسيون. لا شك أنّ كثرة الروايات، وتنوع فئات المبدعين يعود إلى أسباب تجتمع في طبيعة الفن الروائي، وإلى التغييرات التي طرأت على حياتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية؛ فالفن الروائي أقدر الفنون السردية على التعبير عن هذه الحياة، التي يتسارع إيقاعها، وهو الفن الشعبي الذي يمكن أن تتعايش معه فئات المجتمع كلها، ونموذجه الأول، كما بدت معالمه في العمل السردي التقليدي العظيم «ألف ليلة وليلة»، الذي أثر في الرواية الأجنبية أكثر مما أثر في الرواية العربية. فضلًا عمًا سبق فإن فن الرواية يتميز بأنه الفن القادر على حصر الوجود البشري الذي يتناوله ضمن حدود المكان والزمان. كما أنه الفن الذي يمكن أن يعرض تجربة إنسانية أو عدة تجارب إنسانية كاملة. وهذا ما يميزه عن الشعر، الذي يتجاوز عادة الحدود المكانية والزمنية إلى المكان الإنساني العام والزمان المطلق، وينحصر غالبًا في تناول تجارب ذاتية. أما عن التغييرات التي عصفت بالعالم، والتي تكمن في التقدم الهائل في التكنولوجيا، ووسائل الاتصال، وانفجار المعلومات حتى غدا العالم كأنه قرية كونية صغيرة فقد أظهرت حاجة الإنسان إلى فن الرواية، الذي يستطيع أن يمتص هذه التغييرات، ويعيد إنتاجها أكثر جمالًا واتساقًا. لا غرابة إزاء الطبيعة المرنة للرواية وتشابه بنيتها ببنية المجتمع أن تغوي كثيرين من الأدباء وغيرهم بولوج عالم كتابتها؛ ليعبروا عن هذه الحياة التي يعايشونها، فيجدوا ما يقابلها في رواياتهم، ويتجهوا إلى زيادة إنتاجهم للتعريف بمجتمعاتهم، وبيان خصوصية أوطانهم، وتجسيد آمالهم وتجاربهم بطرائق متخفية ومواربة. لقد أدركت المؤسسات الثقافية العربية: العامة، والخاصة أهمية الرواية؛ فأقبلت على تشجيع الأدباء على إنتاج الروايات من خلال إقامة الملتقيات والندوات والمؤتمرات، وإنشاء المواقع الإلكترونية الخاصة بالرواية، كما خصصت لها الجوائز القيمة، مثل جائزة كتارا، وجائزة البوكر، وجائزة نجيب محفوظ، وجائزة الطيب صالح وغيرها. إزاء ذلك رأينا هذا الإقبال الكبير على كتابة الرواية. فنظرة، على سبيل المثال، إلى المشاركات الروائية، التي قُدمت لنيل جائزة كتارا في الدورات التي عقدتها نجد التكاثر يزداد من دورة إلى أخرى. ففي الدورة الأولى عام 2015 الذي انطلقت فيه الجائزة بلغ عدد المشاركات الروائية 711 مشاركة، منها 236 رواية منشورة، و475 غير منشورة، وفي الدورة الثانية 2016 بلغ عدد المشاركات الروائية 966 مشاركة، منها 234 رواية منشورة، و732 غير منشورة، وفي العام الثالث 2017 بلغ عدد المشاركات الروائية 1106 مشاركات، منها 550 رواية منشورة، و472 غير منشورة، و84 رواية غير منشورة للفتيان، التي أضيفت إلى الجائزة مؤخرًا. ويتوقع أن يتزايد عدد المشاركات في الدورة الرابعة 2018. لا شك أن تكاثر الروايات وبخاصة منذ العقد الثاني من هذا القرن يدل دلالة واضحة على أهمية الرواية في التعبير عن الإنسان والمجتمع بعد انحسار الشعر، ديوان العرب، عن بؤرة الاهتمام. ولكن هذه الحالة تطرح أسئلة مهمة عن مستقبل الرواية العربية، ومدى نجاحها في مهمتها الأدبية، وتناسب عدد القراء مع هذا التكاثر المفرط في إصداراتها. لعل المستقبل كفيل بأن يوفر لنا ردودًا صائبة عن هذه الأسئلة؛ لأن الحاضر لا يشي بتغير واضح على مستوى النوع، أو على مستوى التأثير في تطور الفن الروائي، والارتقاء به.