د. محمد عبدالله القواسمة * من التقنيات التي بدأت تتجلى في الرواية ظاهرة استخدام الشخصية باسمها الحقيقي. وقد تكون الشخصية من الشخصيات التاريخية، أو الأدبية أو الدينية، أو الاجتماعية، أو السياسية المعروفة، أو ربما تكون من معارف الروائي أو أقاربه. وقد يلجأ بعض الروائيين إلى استخدام أنفسهم شخصيات روائية في أعمالهم. لعل هذا الاستخدام تحدر إلينا من الرواية التاريخية التي تعتمد في بنائها على الشخصيات الحقيقية كما وردت في كتب التاريخ والسير الشعبية. إنها امتداد لشخصيات الرواية التاريخية التي عرفت عند الغربيين بظهور روايات والتر سكوت [1771- 1832] : أيفانهو، وويفرلي، والطلسم. وعند العرب بظهور روايات سليم البستاني [1848-1881] فقد نشر عدة روايات تاريخية في مجلته الجنان، منها: زنوبيا، وبدور، والهيام في فتوح الشام. من اللافت أن استخدام الشخصية باسمها الحقيقي في الرواية الحديثة ظهر في نوعين من الشخصية: النوع الأول شخصية روائية فنية، وفي هذا النوع تكون الشخصية متجردة من عالمها الواقعي، ومصنوعة من كلمات لا من لحم ودم، والأصل ألا تحاسب كما الشخصيات في الحياة الواقعية، إنها لا تستطيع الخروج من العالم الخيالي الذي وجدت فيه. لقد فقدت صفاتها وميزاتها في الواقع عندما دخلت عالم الفن. نجد مثل هذه الشخصية في رواية نساء للروائي والشاعر الأميركي تشارلز بوكوفسكي [1920- 1994] .ففي هذه الرواية يستخدم بوكوفسكي شخصيات نسائية بأسمائهن الحقيقية. وقد جلبت هذه التقنية القلق والخوف للروائي، وبخاصة عندما صور بعض النساء في مواقف كوميدية ساخرة. حتى إنه أسرّ إلى أحد أصدقائه بأنه قد يقتل بسبب هذه الرواية التي كتبها بأسلوب متذبذب بين الكوميديا الراقية والسوقية. واعترف بأنه ظهر فيها أسوأ من أيّ شخص. وربما هروبا من أمثال هذه المشاكل رأينا الروائي المعروف غالب هلسا يستخدم في رواياته شخصيته باسمها الحقيقي تارة وباسم مستعار تارة أخرى. فهو غالب هلسا نفسه في روايتيه: ثلاثة وجوه لبغداد، والخماسين. وهو جريس في رواية سلطانة، وإيهاب في الروائيون، ومصطفى في السؤال، وخالد في البكاء على الأطلال، والسارد في الضحك. لقد عرفنا هذا الاستخدام من خلال اطلاعنا على حياته، ومعرفتنا بالظروف التي مر بها، والشخصيات التي تعرف إليها، والأماكن التي عاش فيها، والأعمال التي قام بها. يلاحظ أن استخدام الشخصيات الحقيقية في الرواية سواء باسمها الحقيقي أم باسم مستعار يقربها من العالم الخاص للروائي. وربما يساعد هذا على تضليل القارئ؛ فيتعامل مع الرواية بأنها سيرة ذاتية، أو من أدب الاعترافات، أو المذكرات. النوع الثاني من الشخصيات الحقيقية الشخصية الواقعية غير الفنية. وهي المغروفة من الواقع، ومن لحم ودم، وتدخل الرواية وتخرج منها كما دخلت دون تغيير في صفاتها وميزاتها، ودون أن يكون لها تأثير في العالم الروائي. فهي أقرب إلى الشخص العادي الذي أقحم في عالم ليس له. وخير مثال على هذا النوع من الأشخاص ما زخرت به رواية ربعي المدهون» مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة. فنلاحظ أنها استخدمت شخصية الروائي باسمه الحقيقي، ربعي المدهون، وذكرت عنوان روايته السيدة من تل أبيب، كما أوردت الرواية شخصيات أخرى بأسمائها الحقيقية، مثل: شخصية أمجد ناصر الذي ظهر من خلال قراءة بطل الرواية لمقال له في جريدة القدس العربي. وكذلك شخصية إميل حبيبي الذي ظهر في مواضع كثيرة، من أبرزها عندما تسلم جائزة الدولة الإسرائيلية للآداب عام 1992 من رئيس الكيان الإسرائيلي اسحق شامير في احتفال رسمي. ثم توجد شخصيات بأسماء أخرى حقيقية وردت في التاريخ الفلسطيني، مثل: عز الدين القسام، وياسر عرفات، وأبو علي مصطفى، ومحمود درويش، وفيصل الحسيني. ومن التاريخ الصهيوني شارون، وقاتل رابين وغيرهم. إن استخدام الشخصية مثل هذا الاستخدام الواقعي يحرمها من التأثير في الأحداث الروائية، ويظهرها جامدة، عديمة الحياة. ويقرب الرواية من التاريخ. ولا يتذكرها القارئ ضمن شخصيات الرواية؛ إذ لم يكن لها دور في العالم المتخيل الذي حشرت فيه حشرًا دون ضرورة. استنادا إلى ما سبق تظل الشخصية الحقيقية عنصر جذب في العمل الروائي، ولكن لا بدّ من التعامل معها بحذر حتى لا تدخل في الرّواية بشكلها الواقعي، فتخرج منها قريبة من التاريخ الذي يقترب من الحقيقة، وبعيدة عن الفن الذي يغترف من عالم الخيال. إنها تحتاج إلى يد فنان ليعيد إليها الحياة، لا إلى مؤرخ يجاذبها التذكر؛ لأسباب تتعلق بالانتباه لشيء آخر خارج الرواية.
* ناقد وروائي من الأردن
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 24-02-2017 09:20 مساء
الزوار: 1472 التعليقات: 0