|
عرار: " مازلنا نفتقر الى ثقافة المواجهة، مواجهة الذات أولا وقبل كل شيء، وبعدها مواجهة الواقع الذي يحتوي ذواتنا" " الكتابة الادبية والسينمائية في المغرب مازالتا تسبحان في عالم من الخجل و(الحشومة). " اللغة دماء على شكل مداد يسكب لتفريغ الذات من مكبوتاتها" "النقد السينمائي لا يعتبر ترفا هامشيا يمكن الاستغناء عنه" فؤاد زويريق ناقد سينمائي و كاتب جريء يضع اصبعه على الجرح دون مواربة، لغته لا تعرف النفاق و قلبه حامل للهم الثقافي ببلده رغم اقامته بهولاندا المهجر الذي يصرخ منه دفاعا عن انسانية الانسان...لنتابع دفقه في الحوار التالي: "قبل البدء : كيف تحدد هويتك بين كل اللغات التي تسكنك ؟ في الحقيقة اللغات لا تحدد الهويات، لكن رغم هذا لا اعترف سوى باللغة التي اتواصل بها مع ذاتي.. لا اعترف سوى باللغة التي استوطنت ذاكرتي وأبت الخروج منها، هي اللغة التي بها ومنها انبثقت هويتي وكونت كياني، اما اللغات الاخرى فلا اعتبرها سوى شفرات ضرورية للتواصل مع الاخر واستكشاف ثقافاته. "أي السماوات وطنك؟ أينما وجدت الحرية والكرامة، وجد وطني..أينما وجد الانسان، وجدت سمائي . " الكتابة تبتغي أثرا يتسم بالبقاء بين النور و الهواء . تحقق انتشاء الوجود و ترمم صدع الذاكرة و الذات التي تبوح بخباياها/تشويهاتها/نبضها ...لرسم ما تعيشه من تحولات و لتوثيق ما فقد منها في زخم الحياة. ...هل زويريق يرى اية جدوى من الكتابة أم انها " مهنة الوهم" كما سماها المبدع انيس الرافعي ؟ انا لا اراها هكذا على الاطلاق، لا أراها مهنة، ولا أراها وهما، الكتابة آلام ومعاناة وجروح لا تختزلها الحروف ولا الكلمات، هي دماء على شكل مداد يسكب لتفريغ الذات من مكبوتاتها، الكتابة هي صومعة الكاتب فيها يختبئ، فيها ينزوي، فيها يتعبد ويعتكف، طلبا للتواصل الروحي مع ذاته أولا قبل الاخر، الكتابة سهم يخرج من القلب ليخترق قلبا اخر، هي عبادة وليست مهنة لها أركان خاصة بها اذا سقط ركن واحد منها بطلت وفسدت، بل لها طقوس تميزها و وقدسية تسمو بروحها. هكذا ارى الكتابة الابداعية الحقيقية. "هل الناقد السينمائي مترصد دائم لخطو الصورة-السيناريو-الحوار يفتش مناطق الظل و الضوء في كل شيء، ينبش الفضاء و الزمان في النصوص، يقلب "المنتوج" و يشرح المرئي و اللامرئي فيه...يجعل من القراءة الفاحصة ضرورة للتواصل- للرؤية- للتبليغ - لفتح إثراء جمالي معرفي ... " الناقد السينمائي لا يترصد، هو فقط يكمل المعادلة السينمائية، يعيش داخلها، تجده داخل الفيلم تارة ينقل رؤية المخرج، يتقمص شخصية الممثل، يتكلم باسم المؤلف والسيناريست، يسبح داخل الزوايا والظلال والاضواء... وتجده وسط الجمهور تارة اخرى يراقب، ويستكشف، ويستمتع...الناقد السينمائي دينامو المعادلة السينمائية، واحد من اهم زواياها فبدونه لن تكتمل نتيجتها ابدا . هل يمكن ان تكون القراءة النقدية نظرة قاتلة لعمل ما أو بعث ثان ؟ أم تكتفي بلعب دور الوسيط بين المبدع و المتلقي ؟ كما قلت في احدى مقالاتي هي فن بالغ الحساسية لها لغتها الخاصة، وأسلوبها المتفرد في صياغة السؤال والجواب عنه في آن... النقد السينمائي عموما إبداع فكري يدخل في صناعة السينما ويقوي لبنتها، ولا يعتبر بتاتا ترفا هامشيا يمكن الاستغناء عنه كما يعتقد البعض... النقد يستفيد منه المبدع كما يستفيد منه المتلقي... النقد دينامو الكيان الابداعي للمادة السينمائية والمحرك اللغوي للفعل السينمائي... النقد أداة رقابية وسلطة أدبية في البلدان التي تحترم سينماها وتعتبرها طرفا رئيسيا في معادلة ثقافية وفكرية... النقد كسائر الإبداعات والفنون الأخرى له وجهان ويبقى للطرف المتحكم والمسيطر اختيار أي منهما يمكن استغلاله. "هل يبحث الناقد دائما عن الأنا الجماعية في قراءته ؟ نعم، قد يبحث عن هذه الأنا الجماعية في قراءته التحليلية، لكن يبقى السؤال كيف هي هذه الأنا، طبيعتها، واستشكالاتها. الناقد السينمائي الجاد والملتزم يمارس فنا ابداعيا لايباع ولا يشترى ولا يخضع لايديولوجيات معينة تُوجِّهه وتتحكم في مساره.. الناقد السينمائي يمارس غواية تحليل الصورة وتفكيك عناصرها، حتى يتسنى للمُشاهد وصاحب الفيلم معا الوقوف على الجوانب المظلمة والمضيئة فيها، هو باختصار كما كتب جون متري Jean Mitry في مؤلفه (قاموس السينما Dictionnaire du cinema) - الصحفي المتخصص، "وسيط" intermediaire كما يقول أعداؤه، "شفيع"intercesseur كما يقول أصدقاؤه، يساهم - في الحقيقة - بالكتابات والمقالات لا في افهام السينما للجمهور العريض فحسب، ولكن في خلق وعي أعمق بها عند الذين يصنعونها أيضا... "المبدع كائن قادر على خلق أكوان و ذوات موازية للواقع ... لكن أحيانا يكون الإبداع غامضا في خطابه ... كيف يمكن للغموض أن يصبح تيمة أو قيمة في حد ذاته ؟ انا لا احب هذا النوع من الكتابة ، لا ارى الغموض اسلوبا مثاليا للوصول الى المُتلقي، ولا أراه وسيلة للانخراط في الواقع، الواقع صورة متحركة واضحة المعالم، وليست رموزا مشفرة، ومن خلال هذا الواقع بالذات تنطلق الكتابة، وبها ننحث زواياه وحواشيه حتى نستطيع التعمق فيه اكثر واكثر، وبالتالي فالغموض لن ينقل المُتلقي الى ما يتمناه وما يطمح اليه، بل بالعكس سيغرقه اكثر في مستنقع من الرموز والتعقيدات سيحتار في فكها، وفي النهاية يضيع مجهود الكاتب في التعبير عن رؤاه، قد يتفق معي البعض وقد يختلف لكن يبقى الغموض مقبرة الابداع، هكذا اراه ببساطة. "زويريق ، كيف يرى خارطة القصة القصيرة المغربية؟ لا شك ان القصة القصيرة المغربية تتميز بشعبية كبيرة الان، خصوصا في عالمنا العربي، بل يمكن القول انها اصبحت الاكثر حضورا وسط خارطة شاسعة تمتد من البحر الى الخليج، وهذا لم يتأتى من فراغ، بل هناك عمل دؤوب انطلق من عقود من اجل الوصول الى هذه المكانة، حيث مرّ هذا الجنس الادبي بالعديد من الازمات والمطبات الى ان وصل الى ماوصل اليه الان، وتبقى الاسباب والعوامل الكامنة وراء هذا الانجاز، طموح وارادة الاجيال المتلاحقة من الفترة الاولى اي الفترة الجنينية الى الآن، من اجل خلق جيل جديد قادر على المنافسة والصمود، وهذا ما حصل بالفعل، فنحن الان نقطف ثمار شجرة زرعت من عقود مضت، القصة القصيرة المغربية رغم ما تعرفه الان من مشاكل في النشر والتوزيع الا انها فرضت شخصيتها بقوة، بفضل عدة اسماء منها من أسس القاعدة وغادر، ومنها من ثبّت الاعمدة ومازال يشارك في تشييد القمة. "الكاتب يتصيد و يرسم الصور لكتابة النص بينما الناقد يبحث في خبايا الصورة يركز على التفاصيل في النص و يبحث فيه عن قيم وجودية... كيف ينسجم الكاتب و الناقد في فؤاد زويريق ؟ هو انسجام متسامح ومسالم، لان الكاتب داخلي يختلف عن الناقد الذي يتملكني، اكتب في مجال بعيد عن المجال الذي أمارس فيه النقد، كتاباتي ابداعية، وصحفية، اما نقدي فهو سينمائي يهتم بالصورة وثقافتها، وبالتالي لا تقاطع بينهما بل بالعكس هناك مسار متوازي يجمعهما بدون تصادم. " من اين نبتت طيورك العابسة؟ نبتت من غربة شاقة، عشتها ومازلت بعيدا عن الذاكرة والاحباب حتى لا اقول الوطن، طيور عابسة هي الهجرة بما تعنيه من آلام ومعاناة، هي أجنحة تحاول التحليق في سماء كئيبة بحثا عن الذات الانسانية، هي مخالب الزمن والقدر وما تعنيه من جروح لم تندمل بعد، هي بياض قد يكون حبا صافيا وقد يكون كفنا داميا، هي اختزال لما اعيشه داخل عالم متناقض. " على هامش النص الذي نشرته عن تقنين الدعارة ، كيف كان صداه عند المتلقي و هل تعتقد ان رسالتك ستصل الى من يعنيه الامر ؟ للاسف تعرضت على اثره للهجوم العنيف وللتهديد ايضا، فقط لانني قلت حقيقة متواجدة على الارض، حقيقة لا يمكن لاي احد مهما علا شأنه وقيمته حجبها، لانها فعلا متواجدة، بل اكبر واعقد مما نعتقد، الناس لا يقرؤون ولا يتابعون واقعهم بشكل جيد، كلما اشرت الى علة ما في مجتمعهم، هاجموك بدعوى اننا محافظون، لايبحثون عن الحل، بل يتسارعون لحجب المشكل فقط، وقطع الاصبع الذي أشار اليه، للاسف مازلنا نفتقر الى ثقافة المواجهة، مواجهة الذات أولا وقبل كل شيء، وبعدها مواجهة الواقع الذي يحتوي ذواتنا. وأرجع وأعيد ان ما قلته في تصريحي السابق وهو بالمناسبة خطاب موجه للدولة وأقصد به باختصار، إذا لم تتمكن الدولة من محاربة هذه الظاهرة، يبقى الحل في تقنينها، حتى نحد من آفاتها وأخطارها. " ما مدى ملامسة الكتابة الادبية و السينمائية في المغرب لموضوع الدعارة ؟ و للتحديات التي يواجهها الإنسان العربي في زمن عولمة كل شيء بشكل شرس ؟ الكتابة الادبية والسينمائية في المغرب مازالتا تسبحان في عالم من الخجل و"الحشومة"بالعامية المغربية، الادب كما السينما لم يتطرقا بعمق الى الدعارة، لم يتطرقا اليها كظاهرة يمكن تفكيك رموزها وفك شفراتها، لان الكتاب والمخرجين المغاربة يخشون من المواجهة، مواجهة مجتمع برمته، مجتمع يعتبر هذه الظاهرة من التابوهات، والدخول في مغامرة من هذا القبيل قد يكلفهم الكثير بل قد يكلفهم حياتهم نفسها ..أما التحديات التي يواجهها الإنسان العربي في زمن العولمة فهي كثيرة جدا وخطيرة، واقرب مثال الى ذلك ما نشهده الان في معظم الدول العربية، من تفكيك وتشتيت بدعوى ثورات الشعوب، العولمة في الحقيقة سيف مسلط على رقبة وطننا العربي، وها نحن نجني ثمار استقبالها بالثمر والحليب، لاننا ببساطة لسنا فاعلين فيها ، ولسنا اعضاء في نادي الكبار والأقوياء. اخيرا : الاعلام داء ام دواء ؟ يمكن للاعلام ان يكون داء أو دواء، وذلك على حسب رؤيته وتوجهه وايديولوجيته... اجرتِ الحوار: *عزيزة رحموني /المغرب الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الثلاثاء 29-10-2013 09:17 مساء
الزوار: 2039 التعليقات: 0
|