|
عرار:
رفعة يونس الرّواية مكوّنةٌ من ثلاثةٍ وخمسين فصلاً، تناولتْ حكايةَ عادل عبد الغني، الذي غابَ عن المكانِ، وعن الحبيبةِ (الرّيحانةِ) فيه مدة عشرين عاماً، كان في باله أن يلتقيها بعد طوول تلك الأعوام، تحذوه الذكرياتُ الجميلة، واللحظاتُ الحميمة في أماكن متعدّدةٍ من المغربِ، قضاها بصحبتها، لم تستطع السنواتُ الطويلةُ ولا ارتباطه بامرأته الكنديّة، لفترة أثمرتْ ببيسان ابنته، أن تنسيه الرّيحانة، وجذوةَ ذاك العشق، فبعد انفصاله عن زوجته، مضى باحثاً عن شوقهِ القديم، عن دفءِ العمر الماضي، مناسبةٌ من مناسباته العديدة جمعته صدفةً بلا له عزيزة، التي من خلالها تعرّفَ على الرّيحانة التي دخلتْ قلبه دون استئذانٍ، اسرته بجمالها وطلاوة كلامها، وبكلِّ ما فيها، فالتقاها عدةَ مراتٍ، إلى أنْ باعد الزّمنُ بينهما، هاهو يجد نفسه عائداً اليها، بعد دعوةٍ منها وتواصلها معه عبر السوشال ميديا، لافتتاحِ منتجع الصنوبر، والذي أشرفت على كلّ ركنٍ منه بنفسها، عادل أراد أن يستمتع بالجمال المكانيّ برؤية المنتجع، والرّوحي بلقائه مع حبيبته، وتوأم روحه الرّيحانة، وأن يكتب سيرة سي مبارك الديك المغربيّ كما وعد في السّابق، يكتب عن سيرة سي مبارك الذاتيّة، عن زيجاته المتعددة،عن بطولاته ومشاركاته في النضال الفلسطيني، سي مبارك الذي زار القدس وتعرّف على المغاربةِ فيها، وأصبح ذا قيمةٍ عاليةٍ ومكانةٍ مرموقةٍ في المجتمع الفلسطينيّ، حيث التحمَ معهم في كفاحهم ضد الإنجليز في الثلاثينيّات من القرن الماضي، وعن فسيلة الصنوبرةِ السامقةِ في سماءِ القدسِ والتي حملها معه للمغرب، حيث زرعتها ميليسيا احدى زوجاته هناك، ورعتها لاله عزيزة سقايةً وعنايةً حتى كبُرت وطالت الفضاء، وقد جمّلت الريحانة المكان حولها بالأزاهير والنباتات، ليصبح حولها منتجعٌ اسمته منتجع الصّنوبر، هذه الشجرة لم تكن كأيّةِ شجرة، هي روحٌ، كانت في تناغمٍ تامٍّ مع لاله عزيزة، في صحتها وفي مرضها،وقد بلغ المرض ما بلغ بها حين تساقطتْ أوراقها، وعرتْ أغصانها، وقتَ تراجع صحة لاله عزيزة ونقلها الى المستشفى للعلاج! وقد اجتمع المهندسون الزراعيّون لمعالجة الصنوبرة مما اعتراها من مرض هي الأخرى، ولكن كلّ جهودهم باءت بالفشل الذريع، هذه الصّنوبرة التي كانت حارسةً لاسرارِ وحكايا الرّيحانة مع عادل تحت ظلالها، هي ابنة الصّنوبرة الأم في القدس، والتي طالما حرستْ أسرارَ الثوّار الفلسطينيين، وتكتمت على أسلحتهم في الأنفاق تحتها، وبين خبايا جذورها، شخصيّة الصنوبرة في رواية يحيى يخلف، هي شخصيّةٌ رئيسيّةٌ، بالاضافة لسي مبارك، ولاله عزيزة حفيدته ، والرّيحانة ابنة خالتها وصديقتها ، وعادل. امتلأتْ الرّوايةُ بالحكاياتِ المشوّقة، مثل حكاية منية، تلك المرأة المشاكسة لعادل، والتي حاولت بشتى السبل اغواءه، لكنه لم يستجبْ لها، وقد بلغ بها الأمر أن أخفتْ جهازه الخلويّ عنه، حين سافر مضطرا الى باريس للاطمئنان على صحة لاله عزيزة بعد أن بلغه أنها في المستشفى برفقة الرّيحانة، لم تكن مُنية الوحيدة التي حاولت اغواء عادل، فهنالك تلك الصبيّة الجميلة والتي تشبه ( جوليا روبرتس )، والتي حاولت هي الأخرى قضاء ليلة معه مقابل مبلغ من المال، لكنه رفض بشدة ولم يطعها، وحاول اعطاءها حاجتها من المال دون مقابل ،لكنها رفضته بداية ثم قبلته ديْنا عليها في اخر المطاف، كان عادل مقتنعا أنَّ الزّمنَ لن يعودَ إلى الوراء، وأنه لن يعود لطيشِ الشبابِ مرة أخرى، أواستغلال الفرصِ، وممارسةِ دور الدّيكِ كلما حان له ذلك، هو يرى أنّه أصبح أكثرَ رويّةً، يميل إلى التأمّل والحكمة, إلى المودة والرّحمة، وهذا ما حيّر الرّيحانةُ منه، إذ كلّما حاولتْ التّقرّبَ منه كالسّابقِ لم تفلحْ، مابينهما صار كالديك الثلجيّ الذي يتلألأ كالكريستال، لفترة، ثم يبدأ بالسيلان، والتّحول لقطراتِ ماء! هو لم يستطع أن يوقف الزّمن، وكذلك لم يستطعْ أن يتغلّبَ على فكرة ارتباطها بغيره في ذاك الغياب، ويبدو أن الدّيك قد صحا في أعماقه فالذي يراه مسموحاً له لايمكن تقبله من حبيبته! رواية يحيى يخلف زاوجتْ بين المشرق والمغرب، في غمزةٍ من الكاتبِ أنَّ الواقع واحدٌ، وأنَّ البعاد والحدود وهمٌ بينهما، فسي مبارك المغربيّ وانخراطه في صفوف المناضلين وقوات الإنقاذ للدفاع عن فلسطين والقدس، وعادل المشرقيّ الذي أودعَ قلبه في المغرب، وعاد باحثا عن ذاك الهوى،عن أمل الرّيحانة قبل عشرين عاما بأن تنجب من عادل أولادا وبناتا، قبيلة توحد المشرق بالمغرب، وتلك الصّنوبرة التي أمها في المقدس وهاهي تقبّل وجهَ السماء الآن في المغرب، هي دلالات واضحة على هذا التشابه والتناغم بين المشرق والمغرب. لفتني حكايا متعدّدة للتشويقِ في سرد هذه الرّواية، مثل حكاية الغراب والدّيك، حكاية المرأة الجنيّة، حكاية الكميت الصّافن، حصان سي مبارك، الذي صار له أجنحة وطار.... وكم شعرتُ بالزهو لبسالة وصمود سي مبارك في لحظاته الأخيرة قبل استشهاده! إذ ظلت عيناه على الكميت الصافن من جهة، وعلى تلك الصنوبرة الصامدة في أرض القدس،وكأنها الوحيدة التي تحرس سره الذي لم يبح به رغم نزف جراحه، ودنو أجله....من جهةٍ أخرى... المبدع يحيى يخلف بنى روايته وحكاياته فيها بأسلوبٍ مشوّقٍ، وسردٍ جميلٍ وأخّس اذ، فلا عجب فهو المتمكّنُ فنيّاً ولغويّاً، من بناءِ رواياته وتأثيثها كما يجب... بحق هذه الرواية ممتعة، وبديعة، وآسرة، لكاتب هذه الرواية كلّ الاحترام والتقدير. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الخميس 13-08-2020 11:40 مساء
الزوار: 839 التعليقات: 0
|