|
عرار: عرار- خاص :الشاعر نبض الواقع ولذلك فهو يتأثر بكل ما يحاك حوله ، ويظل في نهم مستمر للمعرفة، ونجده يطوف أماكن كثيرة لاكتساب خبرات حياتية يحاول بها أن يعبر عن كل ما يداعب فكره وخياله ، وشاعرنا كان يحب الطواف كثيرا ، في سبيل العلم أو العمل دون أن ينسى مسقط رأسه مدينة شُقْر التي تقع شرقىّ الأندلس بالقرب من مدينتي بلنسية،وشاطبة ، وكنت مستمتعة بما سردت لي زهرته اليانعة التي تحمل اسمه في بستاني الجميل ، وأصغيت لها أكثر؛ لتستكمل لي رحلة إبداعه الشعري التي أبان بها عن موهبة شعرية رائقة تجعل له رصيدًا حسنا ضمن باقة من شعراء الأندلس الذين أضاءوا بإبداعهم الشعري كل ركن فيها. وقد برع الشاعر في فنون الشعر المختلفة فنجد المطرِّف بن عميرة في "وصف الطبيعة الأندلسية الجميلة" يصف نهر شُقْر، وكانت هذه الأنهار ذات أثر كبير في حياة الأندلسيين فعلى ضفافها تنتشر الحقول، والبساتين، والمنتزهات، وقد فتن بها الشعراء فصوروها في قصائدهم يقول: يا نهر شقْر فيك أدركت المنى فلأنت من نهر إلىَّ محبَّب يمشى ويزجى موجه فكأنه لما انتهينا ما يوارى مقضب وقد امتطينا زورقًا فيه فقل صبح تمشى في سناه غيهب فتراه طورا طائرا ولربما ضمت إليه جناحاه فيجذب ولنا شباك قد تجاذب غزلها ضدان يطفو ذا وهذا يرسب نسجت كنسج الدِّرع لكن الرَّدى لم يعد لابسها إذا ما يُطلب تبدى لنا سمكا أرادت أن يُرى حسنا بها فلأجله تتقلَّب فكأنها جمدت من الماء الذي حصباؤه من صفوةٍ لا تُحجب نجد الشاعر يبدع أيضًا في شعر الاستنجاد والاستغاثة وكان من الفنون الشعرية التي كثرت عند شعراء الأندلس فنراه يستغيث ويستنجد لوطنه السليب الأندلس وخاصة أن شاعرنا عاش محنة سقوط مدينته شُقْر (639هـ) كبقية المدن الأندلسية السليبة التي سقطت مدينة تلو الأخرى يقول: فأين منا منازل عصفت ريح عليها من العدى صرصر ودون شقر ودون زرقته أزرق يحكى قناه أو أشقر والروم حرب لنا وهم وشل سالمه الواردون فاستبحر إنا لنرجو للدهر فيئة من أناب مما جناه واستغفر ونرقب الكرَّة التي أبدا بها على الروم لم نزل نخبر ويعبر الشاعر عن أمله في استعادة الوطن السليب، واسترجاعه من أيدي الأعداء، ويتذكر أيامه الخوالي في بلدته شُقْر، التي نعم بأجمل الذكريات على شاطئ نهرها بمياهه الزرقاء، وقد حُرم من هذا الجمال بسبب المستعمر الغاصب الذي سيطر عليها، ويتمنى أن يقترب اليوم الذي تضئ مشاعل الحرية من جديد على أرض الوطن، ويتحقق النصر، وعسى أن يكون قريبًا! وما أروع الحنين إلى بلاده الجميلة يقول: ألا أيها القلبُ المصرِّحُ بالوجد أما لك من بادي الصبابة من بُدِّ وهل من سُلو يرتجى لمتيم له لوعة الصادي وروعة ذي الصَّدِّ والشاعر "بين الرثاء والحنين متشوق إلى بلاده التي أبعدته عنها صروف الليالي, وحكم الزمان لا تعود إليها مرة أخرى ويصف ما بقلبه من لوعة لفراقها, وما ثوى بأضلاعه من حرقة". تستعر نار الحنين كأنفاس متقدة ويصور الشاعر تجربة الأندلسيين في الاغتراب، ويعرض لأثر الغربة في نفوسهم فقد تفرقوا في البلاد، واستعرت نار الغربة في أحشائهم يقول: يحن وما يجدي عليه حنينه إلى أربع معروفها متنكر ويندب عهدا بالمشقر فاللوى وأين اللوى منه وأين المشقر تغير ذاك العهد بعدى وأهله ومن ذا على الأيام لا يتغير وأقفر رسم الدار إلابقية لسائلها عن مثل حالِيَ تخبر فلم يبق إلا زفرة اثر زفرة ضلوعي بها تنقد أو تتفطر يذكر اللوى والمشقر حيث يكثر من ذكر الأماكن والأربع والأطلال ولم يترك مكانا في شقر إلا ذكره وحن إليه وبكى عليه. وفي تسميةِ جزيرة شقر بالمشقَّر من قبيلِ التمثُّل للشعر العربي القديم في ذكر الأماكن المشرقيّة ومنها المُشَقَّر كما يمتزج الحنين إلى الشرق بالحنينِ إلى أرض شُقْر. ويشتكي الشاعر من الدهر ومصائبه وما قد يصادف المرء من متاعب الحياة الكثيرة، يقول: أسير يا رجاء الرجاء وإنما حديث طريقي طارق الحدثان واحضر نفسي إن تقدمت خيفة لغض عنان أو لعض زمان أيترك حظي للحضيض وقد سرى لإمكانه فوق الذرا جبلان وأبدع في فن الحكمة يقول: نكب على الدنيا ولا تلقها إلا بود مثلها زائل إذا تحليت بما زخرفت فأنت في التحقيق كالعاطل حلت لمن أملها برهة لكنه لم يحل بالطائل من منصفي في زمن جائر يغلب فيه الحق بالباطل يحذر الشاعر من الاغترار الدنيا فإنها زائلة لا تدوم لأحد، والزمن جائر لا ينصف الحق على الباطل هكذا هي الدنيا. وله من الإخوانيات وهي التي تصف العلاقات الاجتماعية بين الأشخاص نجده معاتبًا لصديقه الشاعر ابن مرج كحل ت:634هـ بقوله: ظنوني أجدبت لما عتبتم وكيف وروض ودكم خصيب وآمالي غدت فيكم مراضا وإني ذا وأنت لها الطبيب ولو قلبي نوى لك بعد هجر لظلت فيك تخصمه القلوب إذا ما محض ودك كان ذنبي فلا والله منه لا أتوب رويدك بعض هذا العتب واصفح فقد يونى من العتب الحبيب الشاعر حريص على مودة صاحبه، فيعاتبه على الفراق وكيف انقطع وده ووصاله عنه، ثم يطلب منه الصفح وما أرقى هذه العلاقة الإنسانية. وبعد هذا الطواف البهي حول جولة من الإبداع وسمت شاعرنا بميسمها الخاص . أجدني مودعة بستاني الجميل آملة أن أحظى بالتجوال فيه قريبا لأنعم بمتعة الحكي مع زهرة أخرى من بستان الأندلس. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الخميس 31-07-2014 03:00 صباحا
الزوار: 7809 التعليقات: 0
|