|
عرار: عرار- خاص :ترى أعيننا الجمال وتنعم به في كل ركن من أركان الطبيعة الساحرة ،ووقفت أتأمل وأنا في بستاني الجميل كيف يكون حال من يفقد نعمة عينيه ويصير أعمى؟ أيبصر مثلنا الأشياء أم يكون ذا بصيرة خاصة به؟ وفي تأملاتي وحيرتي أبصرت زهرة تناديني وتقول لي لا داعي لحيرتك فالأعمى بصيرته سر من أسرار الإله ،يودعها الله في مخلوقه الأعمى وشاعرنا كان أعمى ولكن رزقه الله البصيرة بأسرار المعاني وغوامضها، فما أروع لطفك يا الله ! تبتلي وتودع سر حكمتك في الابتلاء. وشاعرنا ينسب إلى تطيلة وهي مدينة أندلسية تقع شرق مدينة سرقسطة عاش فيها فترة من حياته ثم انتقل إلى مدينة إشبيلية ثم قرطبة في ظل حكم المرابطين ،نظم الشعر والموشح وتجاوزهما إلى النثر أيضا بعديد من الرسائل الإخوانية التي أرسلها إلى أقرانه. قضى معظم أيام حياته في إشبيلية، وكان يلازمه في روحاته وغدواتهشاعر معاصر له، كانوا يلقبونه بعصا الأعمى، هو أبو القاسم بن أبي طالبالحضرمي المَنيشي (نسبة إلى مَنيش من قرى إشبيلية). وعبَّر شعره عن أغراض الشعر المختلفة وكان كالمرآة له يبصر بها. يمدح فيقول: مهلاً فقد نِلْتَ في أمنٍ وفي دَعَةٍ ما نال غيرُك في خَوْفٍ وتغرير ما أروع الهوى وما أضناه! يتغزل بقوله: هو الهوى وقديما كنت أحذره السقم مورده والموت مصدره يا لوعةً هي أحلى منْ مُنى أملٍ الآنَ أعْرفُ شيئاً كُنتُ أنكِرُه جدٌّ منَ الشَّوق كان الهزلُ أوَّلَه أقلُّ شيءٍ إذا فكّرْتَ أكْثره ولي حَبِيبٌ وإن شطَّ المَزَارُ به وقدْ أقُولُ نأَى لولا تَذكُّرُه وهو يشتكي لوعه حبه ومشاعره المتقدة يتغزل ويقول: ومن موشحاته في العشق يقول: ضاحكٌ عن جُمانْ سافرٌ عن بَدر ضَاقَ عنهُ الزمانْ وَحَواءُ صَدْري آهْ ممَّا أجِدْ شَفَّني ما أجِدُ هل إليكَ سبيلْ أوْ إلى أنْ أيْأَسا ذبتُ إلا قليلْ عَبْرةً أو نَفَسَا ما عسى أن أقولْ ساءَ ظني بعسى وانقضى كلُّ شانْ وأنا أسْتَشْرِي وفي الرثاء بقوله: وَأصْفِيكَ الودادَ وَغيْرُ وُدِّي إذا حالتْ صروفُ الدَّهرِ حالا ومن شعر الحكمة قوله: لا تركننَّ إلى الزمانِ وَصَرْفِهِ فَتَكَ الزمانُ بآمنٍ وَمَرُوع ومن استعاراته الجميلة يقول: أتتك قوافي الشعر وفدًا عن الهوى وبعض قوافي الشعر أحظى من الوفد فقد شخّص الشاعر قوافيه حينما خلع عليها صفات الإنسان محاولة منه في بث الحركة فيها لتؤدي غاية في نفسه،وهي وصول قصائده إلى الممدوح ؛لتكون أحظى بكرمه وعطائه. وشاعرنا- بالرغم من عماه –فإننا لا نعدم وجود آثار الصورة المرئية في شعره،فهي وسيلة لديه لتحفيز المشاعر،واستثارة الحواس ،وتنشيط مملكة التخيل عند المتلقي. ونجده يرسم صورة بصرية للحمَّام بقوله: ليس على لهونا مزيد ولا لحمَّامِنا ضريب ماء وفيه لهيب نار كالشمس في ديمة تصوب وأبيض من تحته رخام كالثلج حين ابتدا يذوب أبانت المقطوعة عن صورة بصرية لما نشاهده في الحمَّام وكأنها صورة مرئية عندما أشار في البيت الأخير إلى ما يعتري الثلج من تصدع وتفكك في جزئياته،وظهور ما يشبه الخطوط التي يتوفر وجودها عادة في الرخام من هنا صدرت الصورة من شاعر ليس أعمي وإنما مبصر مدقق كالتُّطيلي. فما أجمل الطبيعة الأندلسية الجميلة التي تغذي الحواس والمشاعر وما أروع تنزهي في بستان الأندلس! الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: السبت 26-07-2014 03:12 صباحا
الزوار: 8967 التعليقات: 0
|