|
عرار: التشاکل في القصيدة النثرية الخوزستانية (الاهوازية) اللغة هي ليست وسيلة تواصل فقط بل هي عنصراً جمالياً وايقاعياً . من جماليات اللغة هو التشاکل و ما يحتويه من تنوعات لغويةووحدات نغمية . لذا « ينتمي مفهوم التشاکل في تاريخه الی علم اللغة اکثر مما ينتمي الی الشعريات . يصح الإنتماء علی اللسانيات العربية الکلاسيکية ، کما يصح علی اللسانيات الحديثة . يبدو مفهوم التشاکل مفهوماً لغوياً اجرائياً يمکن تطبيقه علی کافة الاستخدامات اللغوية . فنية کانت أم غير فنية . إن موضوعه ببساطة هو اللغة عموماً . من منطق أن التشاکل ملازم عموماً لکل ترکيب لغوي و في الفکر الساني الأروبي کان غريماس أول من نقل مفهوم التشاکل ( جمال باروت ،2009،ص60) لکن عممّ راستيي مفهوم التشاکل حيث شمل « کافة تنوعات الخطاب الصوتية و النبرية و الإيقاعية والمنطقية و المعنوية . والتشاکل عند راستيي هو کل تکرار لوحدة لغوية مهما کانت ، بما يعنيه من أن التشاکل لا يحصل إلامن تعدد الوحدات اللغوية المختلفة . و معنی ذلک أن التشاکل ينتج من التباين ( المصدر نفسه ) من هذا المنطلق أری التشاکل علی ثلاثة مستويات اولاً : التشاکل الفکري وما يحتويه من تقسيمات الف : الإمتدادية ب : التوالدية ج : العدمية ثانياً : التشاکل النفسي و ما يحتويه من تقسيمات الف : المشاکلة التضادية ب : المشاکلة التناقضيه ثالثاً : التشاکل الإيقاعي و ما يحتويه من تقسيمات الف : التکرار ب : القوافي الداخلية ج : التوکيد اللفظي د : التشاکل الحرفي التشاکل الفکري يعتمدُ التشاکل الفکري علی لحظة معرفية – فلسفية ؛ تنبعُ من سئوالٍ حول کينونة العالم أومن خطابٍ حول التجارب الذاتية العظيمة . يمتدُّ التشاکل الفکري في ذات الشاعر ليولّد لحظة خاصة تنتهي بالعدم أو الوجود . الف : الإمتدادية تبرز نحوياً في نسق جملة متواترة تقوم علی حرکة انتقال ( من ... الی ) (المصدر نفسه ،ص64 )و تتجه هذه الحرکة نحو الحالة الوجودية لدی الشاعر .لذا أراد سيد سعيد خجسته أن يمتدّ في تفاصيل حالته الغرامية التي لم يعتنَ بها فقال : لم يطرق أحدٌ باب قصائدي ... المفعمة بأقوالٍ تسيرُ في حافلات الخيال من حانة الی حانة و من وطن الی وطن حنَّ علي عبد الحسين الی زمن الطفولة ليمتدّ في ماضيه الجميل من النهر حتی الحديقة : فتکاملت عنده التجربة الحُلمية لذا رأی نفسه خارجاً علی السماء و الفناء . نقرأ له في قصيدة « حديقةٌ علی ضفاف کارون (27) » ورقة تينٍ صفراء جافة تحملها الريح ساخرة لاعبة من حزن الی حزن من کلمة لأخری تمتدُّ جدران الإستبداد في حياة المرأة الأهوازية من الولادة حتی الموت . و العناصر الأربعة التي شکّلت هذا الموت هم :القانون والشريعة والأدب والرجل .تقول ماجدة صاحب مهدي في قصيدتها «أربعة جدران» تنمو الجدران من الولادة الی الثقافة من الثقافة الی الحب من الحب الی الزواج و من الزواج الی الموت ( صاحب مهدي ، 2012 ، ص23) اعتمدت الإمتدادية في هذا المقطع علی منطق أرسطو تارکةً روح الشعر خلفها ب : التوالدية نری في التوالدية عنصر التکاثر والإستمرارية يلعب دوراً مهماً . فالأشياءُ تخرج من رحم بعضها البعض ليستمر التوالد . من هذا المنطلق بدأ علي عبدالحسين يحاور الأنثی و يبشّرها بالإستمرار . نقرأ له في قصيدة « حديقةٌ علی ضفاف کارون (28) لم ينته أمل المشوار لن تهزمنا مشيئة الطغاة ... باقون علی سوح الجدود عبّر جاکوبسن عن علاقتة بجاک لاکان و حوارهِما حول علم النفس الألسني قائلاً کان ذلک خلال إقامتي في نيويورک خلال الحرب ، حين کنت أتردد علی المدرسة الحرة للدراسات العليا حيث التقيت بعضاً من تلاميذ فرويد . ثم عاد هذا الإهتمام بشکل ملح حين التقيت جاک لاکان في باريس سنة 1950 . في الساعة الثانية ليلاً رأيت مورخة و الأيد لوجية تحاصرها من کل مکان سألتني : من أنت ... ماذا تفعلُ ؟ أبحثُ عن وجودي في اللاوجود ( النصاري ، 1391 ،ص27-26) « فالوجود » و « اللاوجود » هما المتناقضان اللذان عاشهما الشاعر کما عاش « الذکريات » و « اللاذکريات » في قصيدة « نامي علی ذراعيَّ » تعّبر الذکريات عن الأحلام و الرؤی التي تنبعث من اللاوعي الفردي و الجمعي: هنا اللغة ... سجنٌ تولدُ فيه الذکريات في زمن اللاذکريات ( المصدر نفسه ، ص 24 ) التشاکل الإيقاعي يعتمد التشاکل الإيقاعي علی الوحدات النغمية و التناسبات اللغوية . و تتواجد هذه النغمات في أربعة عناصر مهمة و هي : التکرار و القوافي الداخلية و التوکيد اللفظي و المشاکلة الحرفية . الف : التکرار يأتي التکرار ليضاعف البنية الجمالية اللغوية وصولاً الی العنصر الموسيقي ، موکداً النظام التعبيري – المضموني . فعندما أراد کمال سلمان أن يصوّر مأساة الحروب و آلة القتل ، استعمل التکرار و تشبث بالمشهد العراقي و ما يحمله من دلالات مجهولة . لا يمکن أين شهادة الميلاد؟ غريبٌ جداً جداً جثة مجهولة و قاتل مجهولٌ و مصيرعراقي مجهول فهذا التکرار اللغوي – في بعض الأحيان – نراه منبعثاً من التکرار المعيشي و روتين الحياة تقول نسرين غبانچي « إن تکرار مفردة « الجمعة » هي صورة لجمود الزمن المعاصر » ( گبانچي ، 1391 ، ص17) نقرأ لجمال النصاري : في أمة محمد اليوم جمعة و غداً جمعة وبعد غد جمعة هذه هي الحياة ( النصاري 1391 ص19) شکّلت الحياة الروتينية تيماً هاماً في الشعر الأثنوي . فکل حياتها تحددّت بعقارب الساعة وتکرار الزمن الرخيص . تقول ماجدة صاحب مهدي : کان الحب سعيداً قبل أن يتحدد في عقارب الساعة ... هل يمکن أن نقول الساعة الخامسة للبحث الساعة السادسة للحب الساعة السابعه للنوم الساعة ... الساعة ؟ ( صاحب مهدي ،2012 ص77) ب : القوافي الداخلية تأتي القوافي الداخلية في الشطر الواحد و تشکل عنصراً ايقاعياً مهماً معتمدةً علی تداعي المعاني . يقول شفيعي کدکني « إن تداعي المعاني من أهم خصائص القافية » ( شفيعي کدکني ، 1381، ص89 ) و يری بعض النقاد « أن القافية طريقةٌ للتجميع و تداعي الخواطر » ( المصدر نفسه ،ص90 ) و يضيف أندره برتون : « إن السريالية تعتمدُ اعتماداً اساسيا علی التداعي الحر للمعاني الذهنية » (المصدر نفسه ،ص91 ) من هذا المنطلق يبدأ الشاعر في رحلة موسيقية من خلال القوافي الداخلية الی منطقة الأحلام و الذکريات . و حاولت ماجدة صاحب مهدي من خلال هذه الاحلام أن تصوّر مأساة المرأة الأهوازية و أخذت تنهض بها لإستيعاب ملامح العشق المفقود . معطيةً السلطة الکاملة لتداعي المعاني التي بدأتها بالمأساة حتی وصلت الی وطن العشق و ثقافته و هويته . أنت يا أيها العشق تصبح موطني ثقافتي و هويتي فأخترتک ( صاحب مهدي ،2012 ،ص115 ) أما رحلة علي عبدالحسين مع الذکريات تتمحور في الجماليات الذاتية للکلمة . يقول شفيعي کدکني« من التأثيرات التي تُحدثها القافية في الذهن هي الأهتمام بالجماليات الذاتية للکلمة » ( شفيعي کدکني ص93) ويری هيغل أن الصورة الفيزيائية للکلمة تلامس القلب علی عکس الصورة المعنوية التي تلامس العقل . ( المصدر نفسه) لذا نری في قصيدة « حديقةٌ علی ضفاف کارون (1) » استعمل الشاعر القوافي الداخلية بشطرين متلاحقين تجسيداً للجماليات الذاتية في الکلمة . لکن توظيف القافية الرابعة في النص نراه توظيفاً ميکانيکياً قريباًمن السطح. ألمي مجرمٌ سارق الرؤی و المدی سارق الفصول و الحصول و بدأ يرجومن حبيبته أن لا تأخذ النهار من ذکرياته الجملية . ليحلّق بها في الأعالي مترنماً بحضورها : أنت الخواطرأحملها منذ ألالف السنين تطيربک عواطفيللجبال ... و الشمال عندما لم تتحقق احلامه عاش ضياع الإنتماء و الهوية . فکل شيء بدأ ضبابياً و غير حقيقياً في حديقته الکارونية الرابعة هنا أقف ... هنا وسط رأسي ... و أبحث وجدت إشباحاً .و أرواحاً ...و رواحاً ج : التوکيد اللفظي يعطي التوکيد اللفظي، للرؤية الشعرية مجالاً إيقاعياً خصبا و تاکيداً معنوياً . فيثري الشاعر به المعنی و المبنی. من هذا المنطلق أکدت ماجدة صحاب مهدي علی ابتسامة الحبيب و ما لها من تاثيرات و بدأت تلمس حضوره بلحظة رومانسية تقع في هامش الشعور ابتسم لي أنت حلمي أنت عمري أنت أشواقي الجملية ابتسم لي ( صاحب مهدي ، 2012 ،ص100 ) أما علي عبدالحسين وظف التوکيد اللفظي الممتد متجهاً نحو کارون بشغفٍ متجاوزاً الفتاة الجميلة قائلاً في قصيدتة « حديقةٌ علی ضفاف کارون (3)» أنا النهر ليس أنت أنا الجمر ليس أنت وأصبحت الأرض غير صالحة للمکوث فالرحيل هو الحل الوحيد بسبب کثرة الموت و تزايد الخطايا في العالم السفلي . نقرأ لعلي عبدالحسين في قصيدة « حديقةٌ علی ضفاف کارون (4)»: تفرُّ المدينة ...للأبعد صبايا تموت صبايا و تنموعلی جدرانکم خطايا ... خطايا د : التشاکل الحرفي : يعتمدُ التشاکل الحرفي علی تکرار الحرف في بنية النص وايجاد نغمات موسيقية ، تبعثُ في ذات المتلقي المتعة والجمال أو الرهبة والمأساة .لذا بدأت ماجدة صاحب مهدي في صياغة الذات و تکرار حرف « النون » و التحلي بنشوة هذا الحرف . نقرأ لها : أنا خلخال من فضة صاغني ... فنان دون عنوان ( صاحب مهدي 2012 ، ص123 ) أبتعدت الصورة المضيئة و النشوة الفائقة من نصوص کمال سلمان و خيمت عليه الصورة المظلمة التي تنبعث من فلسفة ظلامية . فنراه يوظف حرف « الظاء» خمس مرات ليصوّر الحالة السوداوية التي تسيطر علی الفکر الفلسفي المتطرف : الضلال الظلام الظلول الشرقية اللعينية و عالمٌ ظلامي و فلسفة من ظلمة أما يوسف السرخي بدأ يخاف من الصورة الروتينية للماضي الکسول و ولادته علی هذا النمط بالمستقبل القريب . فنراه يوظف حرف « السين » خمس مرات ليصوّر لنا تراجيدية الموقف : کسلٌ يتشمس تحت ظل الجدار ... و ساعة تنبض في مسبحة العد العکسي للغد. *النصوص التي لم يذکر مصدرها أرسلت إليّ من قبل الشعراء الكاتب:
ابتسام حياصات بتاريخ: الجمعة 27-12-2013 11:24 مساء
الزوار: 3907 التعليقات: 0
|