|
عرار:
د. صبحة أحمد علقم ما يميز هذا الكتاب النقدي أنه كتبه مخرج لم يشتغل في الأكاديمية كثيرا، ولكن المخرج ناقد بالضرورة، لأنه يرى النص الذي يخرجه ككل متكاملا، والنص يكون محور اهتمامه، لأنه يدرك أنه أساس نجاح العرض الذي يقدمه. ومن هنا برأيي تأتي أهمية هذا الكتاب الذي أنطق المحمولات الداخلية لنصوص مسرحية كتبها جمال أبو حمدان الذي لو أردنا أن نعدد عشرة من كتاب المسرح في الوطن العربي سيكون من ضمنهم ومن أهمهم أيضا، لأنه أدرك رسالة المسرح في التوعية والمعرفة. والمؤلف المخرج باسم الدلقموني يعرف أهمية المسرح ودوره الريادي في المعرفة الإنسانية، ومن هنا التفت إلى مسرح «جمال أبو حمدان» والمضامين الفكرية التي حملها هذا المسرح. واتفق مع الكاتب أن الكتابة المسرحية ليست سهلة ومحاولة تقييمها والكتابة عنها كذلك، لأننا علينا أن نقرأ النتاج المسرحي وفق السياق المعرفي والدلالي والزمني الذي أنتجه، وهذا يفسر لنا ضعف المكتبة المسرحية إبداعا ونقدا، ففي كل يوم تصدر عشرات الروايات والمجاميع القصصية بينما لا يتحقق ذلك في المسرح. يدرس المؤلف وفق مقدمة كتابه خمس مسرحيات للكاتب المسرحي جمال أبو حمدان كتبها بين أعوام 1969-1992. . ونلاحظ المدة الزمنية بين المسرحيات، وكنت آمل أن أرى في نتائج الدراسة ما يشير إلى تطور الرؤية في النظر إلى الواقع الممتد زمنيا أو إشارة إلى جمودها، فالواقع لم يتغير كثيرا ولكن ربما الرؤية له تغيرت. المسرحيات الخمسة هي: مسرحية المفتاح 1969، مسرحية علبة بسكوت ماري أنطوانت 1971، مسرحية حكاية شهرزاد الأخيرة في الليل الثانية بعد الألف 1974، مسرحية القضبان 1978، مسرحية ليلة دفن ممثلة جيم 1992. ويحاول الكاتب أن يستجلي هذه المسرحيات شكلا ومضمونة حقيقة من خلال فصلين مقسمين إلى مباحث، لأن الفصل الثالث هو خاتمة -كما أعتقد- ويذكر فيها الكاتب ما توصل إليه من نتائج بعد دراسة هذه المسرحيات. في الفصل الأول الذي يغيب عنوانه، وأعتقد أن سبب غيابه، وصعوبة عنونته، تعود إلى أن بعض مباحثه يجب أن تنقل إلى المقدمة أو الفصل الذي يليه، ولكن المباحث الأربعة مهمة لأنها تساعد القارئ في فهم تطور الكتابة المسرحية. ففي المبحث الأول يعاين الكاتب محاولات الكتابة المسرحية ابتداء من الإغريق والرومان الذين استقوا معظم مسرحياتهم من أساطيرهم وملاحمهم مرورا بعصر النهضة ومحاولات شكسبير التي أغنت المسرح العالمي بمضامينها الجديدة وانتهاء بالمسرح الحديث، وإسهامات كورني وراسين وموليير وابسن وغيرهم الذين حاولوا الخروج من دائرة الاسطرة إلى الذات الإنسانية وما فيها من صراعات داخلية نتيجة للتناقضات التي يعيشها الواقع، وتنعكس بالضرورة على النصوص المسرحية، ولا يهمل المؤلف الإشارة إلى مسرح برخت، لتغريب الواقع من أجل تغييره، فالواقع ليس قدرا بل هو صنيعة الإنسان، وهذا مبحث مهم وتأسيسي في قراءة النص المسرحي ليس الخاص بجمال أبو حمدان بل النصوص المسرحية عامة، لأنها تيارات مسرحية لا يتخلص من جموحها الكاتب المسرحي. ويعرض المبحث الثاني لتاريخ المسرح العربي، ويؤكد أن مصر كانت هي الحاضنة له، وأنه في بداياته اعتمد على المسرحيات المنقولة والمعدة عن المسرح الغربي، وأشار إلى محاولات رواد المسرح توفيق الحكيم وأحمد شوقي وعزيز أباظة وعلي أحمد باكثير ... وبين أن التاريخ والتراث العربي كان معينا إستقى منه كتاب المسرحي الكثير من الأحداث والشخصيات في الستينيات من القرن المنصرم وما زالوا إلى الآن فالتاريخ -كما يقال- يعيد نفسه، ومثل على ذلك بأعمال سعد الله ونوس ويوسف العاني وقاسم محمد... وانتقل للحديث عن المسرح الاحتفالي الذي برع فيه كتاب المغرب العربي، وأشار إلى تجارب ياسين بركات وعز الدين المدني وغيرهم... ولم يغفل الإشارة في هذا المبحث إلى حركة تأليف المسرحية الأردني وبداياته في العشرينيات، وتطوره في الستينيات، ويذكر أنه لم تقدم أعمال مسرحية محلية سوى مسرحيات الجراد والمفتاح لجمال أبو حمدان، وخالدة لعبدالرحيم عمر عام 1971. وبين جهود محمود سيف الدين الإيراني والزيودي والجامعات الأردنية والفرق المسرحية في بلورة حركة التأليف المسرحي وزيادة عروضه، ومشاركته المحلية والعربية. أما المبحث الثالث: فيحمل القيم التي حملتها المسرحيات الأردنية منذ ظهورها وهي بداية التسعينيات، وهي قيم عامة اجتماعية، فالمسرح له وظيفة اجتماعية إذ يطرح العلاقات الإنسانية ومنها علاقة الرجل بالمرأة على الخشبة دون قيود، ويمثل على ذلك في البدايات بمسرحيات روكس بن زايد العزيزي، ويشير إلى الجهل والشعوذة وغيرها من القضايا. ولا يفوته التأكيد على أن المسرح الأردني في السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم ابتعد عن المباشرة في طرح قضاياه، وأصبح أكثر عمقا وتغلغلا في الواقع الاجتماعي وطرح قضايا جديدة فرضها الواقع الجديد مثل ما نقرأ في أعمال غنام غنام وخالد الطريفي وجبريل الشيخ. والمسرح سياسي منذ نشأته، ومن الطبيعي أن يتأثر كتاب المسرح في الأردن بالأوضاح السياسية والنكبات التي حدثت وحركات التحرر، وكان التاريخ والتراث العربي قناعا لمناقشة الأوضاح السياسية مثل ما نقرأ في أعمال السعافين والزيودي وعبدالرحيم عمر وجمال أبو حمدان وغيرهم. ويخصص المؤلف المبحث الرابع للحديث عن التأثيرات الفكرية في مسرح جمال أبو حمدان وتأثره بالتعبيرية والرمزية في بناء مسرحياته المنتقاة . والحقيقة كان بالإمكان تجاوز ذلك، ولكن يبدو أن المؤلف أراد للمتلقي الفهم الواعي للمسرحيات فذكر ذلك، وبين مواطن التأثر بالمسرحيات عينة الدراسة، ومواطن التأثر ستظهر جلية في الفصل الثاني الذي قسمه المؤلف الى خمسة مباحث وعنونه بمسرح جمال أبو حمدان، يعرف به بجمال أبو حمدان وحياته ومن ثم يعود للحديث عن الاتجاهات الفكرية في مسرحه ويتناول القانون العام للمسرحيات جميعها والذي ينصب في الهموم الاجتماعية والثقافية والسياسية للمواطن العربي، وبأن الواقع غير طبيعي فمن الطبيعي أن يلجأ إلى مسرح العبث والرمزية للتعبير عنه . ولأن المضمون لا ينفصل عن الشكل فإن الباحث يخصص أربعة مباحث للحديث عن البناء الدرامي، والبناء الدرامي يتطلب حديثا عن الشخصيات واللغة التي تعد أساسا في المسرح للكشف عن الصراعات التي تدور داخل الشخصية وخارجها، وهناك حديث عن الظروف التي أنتجت هذه المسرحيات، ويرى أنه إذا تجاوزنا مسرحية ليلة دفن الممثلة جيم فإن الأحداث في مسرحياته الخمسة تدور وفق المفهوم الأرسطي من حيث البداية والوسط والنهاية. ومعظم الشخصيات المسرحية مستلهمة من التاريخ والتراث الشعبي (ماري انطوانيت، شهرزاد، زرقاء اليمامة...) وتغيب ملامح الشخصيات، وتتحول إلى رموز وضمائر كما نقرا في مسرحيات: القضبان والمفتاح وليلة دفن الممثلة جيم. فيبدو أن الكاتب كان منشغلا بمضامينه الفكرية التي تدعو إلى الحرية والعدالة والمساواة واحترام المرأة وانسانية الانسان عن جوهر الشخصية، لذلك يرى المؤلف أن الصراع كان باهتا في معظم مسرحيات جمال أبو حمدان وهذا موقف نقدي مهم، لأنه لا يحابي ولا يجامل، وهذا ما يحتاجه الدرس النقدي وإن كان المؤلف يشيد في قراءته الجديدة لحكاية شهرزاد وكيف أضاف على النص الحكائي أبعادا جديدة. وفي حديث الكاتب أيضا عن لغة المسرحيات يرى أن لغة المسرحيات في معظمها تميل إلى الشعرية والتكثيف إذا تجاوزنا مسرحية المفتاح التي تميل إلى الخطابية، ويرى أن اللغة الشعرية أضعفت الجانب الدرامي في خط الفعل العام، ويقرر الدلقموني أنه لو تجرد الكاتب من التكرارات والسجع لكانت لغة المسرحيات أجود فهذا يدل على ان الدلقموني لم يكن راصدا للمسرحيات بقدر ما كان يحللها ويقرأ أبعادها وهذه لا تتوافر إلا لناقد حاذق يتملك أدواته النقدية بمهارة واقتدار، ويظهر ذلك في نتائج الدراسة والبحث في مسرح جمال أبو حمدان التي يجعلها الكاتب في فصل ثالث أخير وأهم هذه النتائج وفق ما أعتقد كانت: أن جمال أبو حمدان مسرحي عربي انشغل في قضايا المواطن العربي وهمومه الإنسانية وحقه في العيش الكريم بعيدا عن قوى الظلم التي تستغله، وتقلل من شأنه وقيمته، وأنه قادر على صنع مستقبله بالتخلص من سلبيته وهزائمه الداخلية، واستطاع أن يعبر عن قضاياه مستفيدا من الاتجاهات الرمزية والتعبيرية والتراث الانساني . يمكننا أن نقول إن هذا الكتاب إضافة متميزة لمكتبة النقد المسرحي المحلي والعربي، وأنه جزء من واجب النقاد والمبدعين الاهتمام بالإبداع الأردني وتقييمه من أجل تجويده للوصول به إلى العالمية. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 10-11-2023 09:20 مساء
الزوار: 574 التعليقات: 0
|