|
عرار:
القاص والناقد محمد رمضان الجبور رواية (أبناء الوزارة) من الروايات الصادرة عام 2016، للروائي والصحفي الأردني د. حسين العموش، تقع الرواية في 223 صفحة من الحجم المتوسط، وقد راق للروائي تقسيمها إلى فصول بلغت واحدا وعشرين فصلاً، وكان في هذا التقسيم الراحة للمتلقي في متابعة القراءة والتمتع بأحداث الرواية. عنوان الرواية أو العتبة الأولى للعمل تشد القارئ، فهي من عوامل الجذب، وللوهلة الأولى يذهب المتلقي إلى جانب البعد السياسي في الرواية، رغم أن روايات الروائي د. حسين العموش لا تتجنب هذا البعد وهذا الجانب، فلا بد أن يكون للجانب والبعد السياسي النصيب الأكبر في معظم أعمال الروائي د. حسين العموش. وتأتي اللوحة التي زينت غلاف الرواية لتكشف شيئاً يتعلق في متن العمل الروائي؛ فصورة الطفل الذي تمزقت ملابسه، واغرورقت عيناه بالدموع، وظهر حافياً و التزم الحائط باكياً توضح الكثير من معالم الرواية، ورغم السواد الذي طغى على معظم غلاف الرواية، إلا أن هناك كوة انبعث النور منها، وكأنه خيط الأمل الذي يتعلق به كل مكروب، فهذه المساحة البيضاء في الغلاف شكّلت هذا النور وهذا الأمل. ثم يأتي الإهداء الذي يوضّح ويشرح من هم أبناء الوزارة وأي وزارة قصد الكاتب والروائي «إلى كل «لقيط» ويتيم...فطر قلبه من فرط الحزن، فنسي في غمرة الأسى أن الرفيق حي لا يموت...إلى كل أصحاب القلوب التي فاضت رفقاً....فحقت لهم رفقة المصطفى (صلى الله عليه وسلم )...إلى كل لقيط، أدخل مراكز وزارة التنمية الاجتماعية « فالرواية تتحدث عن جانب اجتماعي إنساني له الكثير من الأهمية في مجتمعاتنا العربية، فلا يوجد في قاموس الحياة الاجتماعية أقسى من مفردة «لقيط «، ولا شك أن اختزال معاناة اللقطاء في عمل أدبي ليس بالسهولة بمكان، ولكن الثقافة التي يمتلكها الصحفي والروائي د. حسين العموش مكنته من سبر أغوار مثل هذه القضية الإنسانية بأسلوب روائي ممتع وفيه الكثير من المفاجآت التي تشد المتلقي للمتابعة لمعرفة المزيد من التفاصيل التي أخفاها الكاتب. فالرواية تبدأ بعنوان قصير (تقرير ضبط): «عند الساعة الخامسة والنصف صباحاً يوم الأربعاء 21/2/1968، تبلغ مركز أمن مدينة إربد عن وجود مولود عمره ساعات في سلة من القش وضعت على باب مسجد اربد الكبير، سلم إلى المركز الأمني الذي نقله فوراً إلى مؤسسة الحسين الاجتماعية التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية». من هنا تبدأ حكاية معاناة «اللقيط « غيث والشخصية الرئيسية التي استطاع الروائي رسمها بعناية شدت المتلقي في كل أجزاء هذا العمل الروائي. ويبدأ غيث رحلة البحث عن أمه، ولكن من أين يجد أمه وهو يتذوق الوان العذاب من المشرفين على هذا المركز، فما كان منه إلا أن يتخذ نجمة في السماء يشكو لها همومه وأحزانه، ثم تظهر في حياته «سارة» الشخصية الرئيسية الثانية في القصة، والتي تبادلت الأدوار هي وغيث في تذوّق أصناف العذاب والإهانات في مركز التنمية الاجتماعية، فقصة سارة لا تختلف كثيرا عن قصة غيث، فقد جمعتهما نفس الظروف، فكلاهما يعاني من عقدة يصعب تجاوزها وحلها، فهما من اللقطاء، ويبدع الروائي في وصف المشهد الداخلي لما يسمى « مركز التنمية الاجتماعية « فيصف ما يجري داخل هذا المركز من بشاعة مع هؤلاء اللقطاء، الذي لا ذنب لهم سوى أنهم استيقظوا فإذا بهم أمام ذئاب بشرية لا تعرف الحلال من الحرام، نفوس بشرية جائعة شرهة، تتحكم بهؤلاء اللقطاء بالسوط إذا استدعى الأمر ذلك، يشبعون رغباتهم ونزواتهم بكل الطرق، هكذا يصف الروائي د. حسين العموش هؤلاء الذين تم تعينهم جلادين على هؤلاء اللقطاء « صحيح أنها فكرت بالهرب وهي التي تستطيع أن تصل إلى مفاتيح الأبواب الموصدة، لكنها كانت تعرف أن الذئاب التي تتربص بها خارج السور العالي الذي تعلوه الأسلاك الشائكة، كانت أكثر ضراوة من ذئاب المركز لذلك سكتت واستبعدت الفكرة». ثم ينتقل بنا الكاتب إلى خارج أسوار مركز التنمية فقد بلغ غيث العمر الذي يسمح له بالخروج من المركز والاعتماد على نفسه، ولكن إلى أين ؟ إلا أن الأقدار تجعله يلتقي ويتعرف على رجل صالح يأخذ بيده – أبو رسمي- ومن بسطة لبعض الأعشاب في سوق الخضار إلى محل صغير، إلى مشاريع تجارية حتى أصبح رجلاً مشهوراً يدير أعمالاً كثيرة واسما معروفا، إلا أن همه الأكبر كان في البحث عن أمه، وسارة أيضاً استطاعت الهرب من المركز بعد استنزاف (نرمين) إحدى المشرفات لها جنسياً ولكنها وقعت في براثن علي) الذي اعتقدت أنه يحبها، ثم سافرت لتنسى عذابها ومصيبتها إلى سوريا. وتتوالى أحداث الرواية، فغيث همه البحث عن أمه، وسارة تحاول نسيان الماضي لتبدأ صفحة جديدة وبيدها طفلها الذي أصرت في داخلها أن يكون أسمه غيث مستذكرة حبها الأول في مركز التنمية الاجتماعية. ومن الجميل في هذا العمل الروائي، أن الروائي بمهارته وثقافته استطاع أن يجذب المتلقي أو القارئ بتجديد العقد الفرعية في العمل، فما أن تنجلي عقدة حتى تظهر عقدة أخرى تشد المتلقي للمتابعة بشغف، فضلا عن اللغة الشعرية التي ترافق الروائي في كل جزء من أجزاء الرواية. الرواية تحتمل أكثر من بُعد وأكثر من جانب فهي تسلط الضوء على الجانب الاجتماعي، وترصد المعاناة لهذه الفئة من المجتمع (اللقطاء) فهم يعيشون في هوان وألم وليس لهم مكان بين الناس، رغم أنهم ليس لهم ذنب فيما وقع عليهم من الأقدار فالروائي يجيد بحرفية فائقة تصوير أوضاع هذه الفئة داخل المراكز الاجتماعية وما يجدون من إهانة ثم يرسم العديد من اللوحات تُظهر المعاناة والتعب عندما يخرجون للحياة. ثم يصوّر لنا الجانب والبعد الإنساني الذي اختفى عند الكثيرين ولكنه بقي عند البعض؛ فصوره الروائي في شخصية (أبو رسمي ) الذي احتضن غيث وجعل منه إنسانا له احترامه بين الناس، ووقف معه يساعده على النهوض كلما كبا. كما أن هذا العمل الأدبي لا يخلو من الجانب والبعد السياسي في كثيرٍ من فصوله، فالروائي لا يفارقه الحس الصحفي، بل نجد له تأثيرا واضحا في تقصي الحقائق ورصد الأحداث بتفاصيل دقيقة، إضافة للجرأة التي لا تفارقه «القوادة هي عنوان المرحلة، ومرحلة العناوين على بياض صفحات الصحف اليومية، رئيس الوزراء يمارس الهبل على المواطنين، ووزير البيئة يلقي بنفايات تصريحاته في وجوه مشاهدي التلفزيون الأردني ووزير الأوقاف يتملق رئيس الوزراء على حساب الدين الحنيف، ووزير التخطيط يخطط لمستقبله السياسي، ووزير الخارجية خارج في نزهة سياحية، ووزير البلديات..». الرواية تطرق أكثر من جانب ولكن يبقى الجانب والبعد الاجتماعي الأكثر وضوحاً؛ فالموضوع الذي تناوله الروائي من المواضيع الهامة التي تعالج موضوعاً إنسانياً قلة من الكتّاب من تناوله بهذا الأسلوب وهذه الموضوعية، وتظل رواية (أبناء الوزارة) من الأعمال التي تركت بصمة واضحة للروائي والدكتور والأديب حسين العموش في الرواية العربية. المصدر: صحيفة الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 20-11-2020 06:27 مساء
الزوار: 1542 التعليقات: 0
|