|
عرار:
عمان - يقول د. جريس نعيم خوري وهو من فلسطين المحتلة في العام 1948، "إنّ الأدب الفلسطينيّ بعد نكبة 1948، هو أدب الهويّة بلا أدنى شكّ، وقد استطاع في هذا المجال أن يبرز الهويّة الفلسطينيّة، ويفرزها ويميّزها، ويساهم في إيصال القضية الفلسطينيّة إلى المحافل العالميّة ربّما أكثر ممّا استطاعت السياسة نفسها أن تفعل ذلك". ويضيف خوري في مقدمة كتابه "هوية الأدب وأدب الهوية-دراسات في الفولكلور والأدب الفلسطيني"، الصادر عن دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان-رام الله، "أن من يتابع تطوّر الفكر الفلسطينيّ منذ بدايات القرن العشرين إلى يومنا هذا، يجد أنّه على الدوام ارتبط بهاجس البحث عن الهويّة، وبلورة السمات المتمايزة للشعب الفلسطينيّ، والحفاظ على التراث الفلسطينيّ الخاصّ بشقّيه الرسميّ والشعبيّ، كنوع من الصراع الغريزيّ على البقاء". ويشير المؤلف الى أنه بعد الهزيمتين سنة 1967-1948، "اتّضح للفلسطينيّين أنّهم أكثر الشعوب العربيّة تضرّرًا، بل أدركوا أنّهم مستهدفون دون غيرهم، وأنّ الحركة الصهيونيّة جعلت من بلادهم دون غيرها هدفًا لمشروعها، ممّا عزّز لديهم الشعور بالعزلة، وهذه المشاعر جعلت الفلسطينيين يحافظون على تراثهم، ويعملون بشكل حثيث على جمعه وتطويره وبحثه، بل وتوظيفه في أعمالهم الفنّية عامّة والأدبيّة خاصّة، خوفًا على هذا التراث من الطمس، وإبادة وطمس هذا التاريخ كما طُمست الكثير من القرى والمعالم، وبدّلت العديد من الأسماء، وصودرت الموارد والمأثورات ونسبت إلى غير أصحابها". ويبيّن المؤلف أن "حركة البحث عن التراث الشعبيّ الفلسطينيّ ودراسته تطوّرت بعد هزيمة 1948، مع بلوغ الشعور الفلسطينيّ بالعزلة أوجَه، والتيقّن من خصوصيّة الهويّة، خاصّة بعد أن بدت الحدود الجغرافيّة الفلسطينيّة أكثر وضوحًا نتيجة الاحتلال، الذي حدّد مناطق نفوذه بشكل واضح، دون أن يتخلّى عن حلم ضمّ كامل فلسطين، وهو الأمر الذي توفّر له سنة 1967". ويرجع خوري هذه النهضة الفكريّة الثقافيّة التي حصلت بعد الهزيمة، والتي بدأت تتّسم بسمات الهويّة الفلسطينيّة، وطالت الفنون والآداب جميعًا، وبدأنا نلحظ أثرها منذ منتصف خمسينات القرن الماضي، إلى صدور المجموعات الشعريّة المتوالية، وظهور صحيفة "الاتّحاد"، ثمّ مجلّة "الجديد الأدبيّة" الصادرة عنها. ويتحدّث المؤلف عن دور هذه المجلات والصحف التي تأسست بعد احتلال فلسطين في العام 1948، مبينًا أنّ "مجلة الجديد كانت المنبر الأدبيّ المثابر والملتزم والمؤثر على بلورة الحركة الشعريّة العربيّة في البلاد، ومن الجديد انطلقت المواهب الأدبيّة والشعريّة الخاصّة، وقد عملت الاتّحاد والجديد على إعادة ربط الفلسطينيّ في الداخل بمسيرة التطوّر الأدبيّة في العالم العربيّ، عن طريق نشر بعض الأعمال الأدبيّة، وفي رأسها الشعريّة، لشعراء عرب كبار، كانوا من روّاد الحداثة العربيّة في الخمسينيات، وفي رأسهم السيّاب (1964-1926) والبياتي (1999-1926). ويزيد خوري بعد نكسة حزيران 1967، التحم الشقّان الفلسطينيّان من جديد، فبدأ أدب الفلسطينيّين في "فلسطين المحتلة 1948" يصل إلى كافّة أنحاء فلسطين بل والوطن العربيّ، ويتلقّفه العرب بحفاوة منقطعة النظير، تخلو في كثير من الأحيان من الموضوعيّة، وتميل إلى المبالغة والتقديس المنساق خلف مشاعر العجز واليأس وجلد الذات. ويشير خوري إلى "أكثر ما يمكن أن نرصده من ملامح هذا الصراع من أجل البقاء، والميل الغريزيّ إلى تمييز سمات الهويّة، هذا التلاقي الصارخ بين التراث الرسميّ والتراث الشعبيّ، ممّا هو دليل لُحمة بين صوت المثقّف وصوت الشعب من جهة، وتعبير عن التوجّه المقاوِم للأدب الفلسطينيّ، الذي يستعين بالذاكرة الشعبيّة الفطريّة من أجل إعادة بناء معالم الوطن المفقود، بعد أن صادر الكيان الصهيونيّ الكثير من مصادر الثقافة الرسميّة، وأغلق المؤسسّات الفكرية والحضارية التي كانت ناشطة في معظم البلاد الفلسطينية عامّة والبلاد التي خضعت للحكم (الإسرائيليّ) منذ ال1948 بشكل خاصّ". ويرى خوري أنه "لا يمكن دراسة التراث الأدبي الفلسطينيّ بعد النكبة 1948، في معزل عن دراسة التراث الشعبيّ؛ كيف نقرأ "المتشائل لإميل حبيبي"، (1996-1921) بعيدًا عن القصّ الشعبيّ؟ أو أغنيات الثورة والغضب لتوفيق زياد (1994-1924) بعيدًا عن الغناء الشعبيّ؟ أو شعر عزّ الدين المناصرة (1946) بعيدًا عن جفرا وعن الحِكم الشعبيّة؟ كيف أقرأ أوراق الزيتون وورد أقلّ وغيرها للشاعر محمود درويش (2008-1941) أو رواية فاطمة لمحمّد نفّاع (1939)، وقصص محمد علي طه (1941-) قاطبة دون أن أكون على دراية بطبيعة البلاد الفلسطينية، ومعاني التعابير الشعبيّة، والقيمة الروحيّة للأدب الشعبيّ في فلسطين؟ يتحدث الكتاب عن "اللغة والهُويّة ودور مجامع اللغة"، أصل اللغة ومعناها، اللغة منتَج جماعيّ، محوتَ لغةً، أبدتَ شعبًا، وبين أدب اللغة ولغة الأدب. كما يشير الى العرس الفلسطينيّ التقليديّ في الجليل- تنقيب عن الجذور، والعرس في الجليل قديمًا، قبل الزفه، والزفة والعرس التقليدي في الجليل في عصرنا الحالة وطريقة اختيار الفتاة وطلب يدها وقطع الحكي والخطبة والشوفة والمهر الأصول، وكل ما يترتب على هذا العرس من تقاليد. كما يشير الى المرأة في مرآة الأغنية الشعبيّة الفلسطينيّة التقليديّة، وأهمية الأغنية الشعبية في دراسة المجتمع، وأثر المثل الشعبيّ على الشعر الفلسطينيّ- فترة الستّينات والسبعينيات، ويتحدث الكتاب أيضا عن مجموعة قصائد مثل قصيدة "أمثال"- عزّ الدين المناصرة، تحليل عامّ وتعقيب على القصيدة، وقصيدة "أمثال" لتوفيق زيّاد، وقصيدة زرقاء اليمامة بين عزّ الدين المناصرة وأمل دنقل- دراسة مقارَنة، زرقاء اليمامة- الحكاية الشعبية، استلهام الحكاية في العصر الحديث- بين المناصرة ودنقل، زرقاء المناصرة- رمز للمقاومة الفلسطينيّة المثقّفة، زرقاء دنقل- رمز المثقّف العربيّ المهمّش، "لو ولدتَ"- قصيدة ضُبطتْ عارية- مقاربة نقديّة لنصٍّ درويشيّ. ويذكر ان د. جريس خوري من مواليد قرية طرعان الجليل الأسفل، فلسطين، حصل على درجة الدكتوراه في الأدب العربي، وهو محاضر مختص بدراسة الأدب الشعبي الفلسطيني والشعر العربي الحديث، صدر له العديد من الدراسات المنشورة في مجلات عالمية محكمة. صدر له حتى ثلاث مجموعات شعرية هي : "جمرات"، "موال في ليل أمي"، "بلا أشرعة"، كما صدر له ثلاثة كتب واحد عن قريته "طرعان وتراثها"، "في الغناء الشعبي الفلسطيني"، واصدر باللغة الإنجليزية كتاب في "تأثير الف ليلة وليلة على الشعر العربي". المصدر: بترا الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 07-09-2020 08:32 مساء
الزوار: 1484 التعليقات: 0
|