|
عرار:
زينب السعود الأدب التركي الحديث يزخر بأجناس أدبية غنية وذلك لأن تركيا الحديثة تمثل امتدادا لحضارة إنسانية ودينية وقومية عريقة ومتجذرة، مع ذلك فما وصلنا من أدب الأتراك يعتبر نزرا يسيرا بالمقارنة مع غزارة الإنتاج الذي يمكن توزيعه على فترات زمنية متعددة. وتنماز كل فترة بخصائص فنية تتحكم فيها الظروف الاجتماعية والسياسة السائدة في ذلك الوقت. ها هو اليوم المترجم أسيد الحوتري يدلو بدلوه في حقل الترجمة في تجربته الأولى، فيختار ويترجم عن اللغة التركية مجموعة قصصية تحمل عنوان «حدث في الآستانة». هذه المختارات القصصية هي من القصة التركية الحديثة: لمجموعة من رواد القصة التركية، وهي منتقاة بعناية فائقة بحيث تتضح فيها خصائص القصة القصيرة التركية. نكاد نرى من خلال هذه المجموعة سمات واضحة للحياة الاجتماعية من خلال تقديم شخصيات تتنقل في بيئات متباينة داخل كل قصة من قصص المجموعة. كما وقد قدم المترجم نبذة عن حياة كل قاص ترجم له، وهذه نقطة تحتسب للحوتري الذي اعتنى بتقصي سيرة مؤلفي مجموعته المترجمة لأنه يقدمها لقارئ ينتمي إلى بيئة مختلفة وإلى أدب مختلف. إن هذه الإضاءات البسيطة على كل قاص تمنح نوعا من الراحة للقارئ، وتنير له فضاءات النص الذي بين يديه. من أهم ما اختاره المترجم في هذه المجموعة قصة (بون بون) التي تحكي قصة طفل أرمني مع والدته، وقصة (تأثير حزام) التي تسرد حكاية شركسي مختلف تماما عن مجتمع الشركس الذي ينتمي إليه، أما قصة (الحب الأعمى) فقد خرجت من رحم الاغتراب المادي والمعنوي للمجتمع التركي فحملت نفسا قوميا واضحا. احتوت المختارات القصصية على مواضيع مختلفة، فبينما تضيء قصة (منديل الحرير) على فكرة الحب والفقر، تصور لنا قصة (السماور) مواضيع الموت والألم والأمل، وعرض قوالب إنسانية يعيشها كل مجتمع. لا تخلو قصص «حدثَ في الآستانة» من الأحداث السياسة التي تناولت أحدها قصة (الربيع) التي صورت ما آلت إليه البلاد من خراب وتبدل مؤلم بعد ربيع عثماني قادم وعدت به جمعية الاتحاد والترقي ولكن حال الدولة كما تصور القصة أصبح يسير في طريق الانهيار والتفكك الاجتماعي. اختار الحوتري في مختاراته إحدى عشر قصة قصيرة مرتبطة بثيمة واحدة، وهذا ما يجعل منها على حد قوله «رواية قص ولصق»، أو ما يسمى بالرواية الكولاجية التي هي شكل من أشكال الرواية الما بعد حداثية. لقد كان الزمن في الرواية يمثل الفترة المفصلية التي تحولت فيها الدولة العثمانية إلى جمهورية التركية، وهذا الزمن شكّل عاملا مشتركا وخيطا متينا ربط بين كل قصص المجموعة حتى أننا نستطيع القول إن الزمن هو بطل هذه القصص والثيمة الجامعة بينها بالإضافة إلى المكان والمتمثل في الأراضي العثمانية/ التركية التي دارت فيها كل الأحداث. ومن الجدير بالإشارة إليه، جهد المترجم في المقاربة في المعنى بين اللغة التركية المعاصرة واللغة التركية القديمة التي كتبت بها معظم القصص وهذا بطبيعة الحال يتطلب إلماما باللغة ومستوياتها ومعانيها. «حدثَ في الأستانة» مجموعة قصصية شيقة وتجربة جديدة لعشاق الأدب المترجم، تفتح أفقا للاطلاع على سمات القص لدى مجموعة من الكتاب الأتراك، وهي تجربة جادة سعى المترجم من خلالها لإثراء القارئ العربي واطلاعه على نتاجات أدبية من بيئة يربط بينها وبين العرب روابط كثيرة منها الدين والدولة: الدولة العثمانية سابقا. «حدث في الآستانة» جهد كبير ومشكور، وإضافة نوعية للمكتبة العربية في مجال الترجمة من اللغة التركية. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الثلاثاء 27-02-2024 06:56 مساء
الزوار: 280 التعليقات: 0
|