|
عرار:
محمد المشايخ يرتبط ديوان (المهاجر) الصادر مؤخرا للشاعر سرحان النمري، بأدب المهجر، ولا سيما الذي أبدع بعضه الشعراء العرب الذين هاجروا من بلاد الشام، إلى أمريكا في مطلع القرن العشرين، وأسسوا هناك الرابطة القلمية عام 1920 على يد جبران خليل جبران، وميخائيل نعيمة، ونسيب عريضة، وإيليا أبو ماضي، وغيرهم، والذي ابدعه أيضا شعراء المهجر الجنوبي، الذين هاجروا إلى البرازيل والأرجنتين والمكسيك وفنزويلا وأسسوا هناك ما سمي بالعصبة الأندلسية، ومن أعضائها: رشيد سليم الخوري، وجورج صيدح، وإلياس فرحات، وميشيل وفوزي وشفيق المعلوف، والذي ابدعه أيضا أدباء المهجر الشمالي الذين هاجروا إلى إلى مناطق أخرى من أمريكا بعامة والشمالية بخاصة، ومنهم:أمين الريحاني. أما الشاعر العربي المغترب سرحان النمري، المولود عام 1944 في صمد الرومانية التي تقع في لواء المزار الشمالي بمحافظة اربد، وصاحب دواوين: حديث اللوز والدفلى، بقايا زمن مضى، البعيد المشتهى، وجع الهديل، دموع مالحة، دلني على وجعي، المهاجر، والذي عاش في أمريكا أكثر من ثلاثين عاما، فتمتاز تجربته، بغناها العاطفي لما تخللها من موجات الاشتياق والحنين للوطن وأهله، وبكثرة وصف المعاناة والألم الناجم عن الاغتراب، ولأن اغترابه لم يكن جسديا فحسب، بل روحيا أيضا، فقد امتلأت بعض قصائده بالمونولوجات الداخلية وما فيها من تداعيات ومناجاة، كما برز في شعره الطابع التأملي، والروحي، والإنساني، والقومي. وثمة ميزة أخرى برزت في تجربة الشاعر سرحان النمري، نجمت عن غدر بعض أبناء وطنه به، والذي لطالما بكى شوقا إليه..غدروا به هنا وهناك، الأمر الذي سبب له الما فظيعا، لم يخفف من شدته، إلا بعض اصدقائه الذين هوّنوا عليه كثيرا، يتقدمهم الوفي والصادق والمخلص محمد داودية على مدى الأيام، والأديب الحنون فخري قعوار (شافاه الله وعافاه) قبل مرضه، وغيرهم، وظلت بصمات الغادرين السوداء تطوّق عنق قصائد سرحان النمري، الأمر الذي جعله يبذل الكثير من الجهود للإنفكاك منها. لم يـُبق لي الناقد الدكتور عمر الربيحات الأستاذ المشارك في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة العلوم الإسلامية العالمية في مقدمته لهذا الديوان، ما يمكنني إضافة حول الاغتراب في شعر سرحان النمري، لذا سأتوقف هنا عند بعض جماليات هذا الديوان، وفي طليعتها الصور الشعرية النابعة من خياله المُحلـّـق، والتي تتجلى فيها المشهدية، هذا عدا عن كونها صورا ملونة ومتحركة، ومرتبطة بالمكان والزمان، ويكفيه شرفا أنه مبدع فيما يعرف بالتصوير المطبوع الذي يمنح الصورة قوتها وخلودها وأهميتها في بناء القصيدة ، والذي يتمثل في اللون والشكل والمعنى والحركة، يقول: (فتحت أكمام زهور اللوز نوافذها/وعلى الشباك انفجرت/ عين الماء بشارعنا الموعود/ وحطت فوق الرأسين حمامة/ رسمت فوق الجسد الممدود/ بحاضرة الحب علامة) ونظرا لشدة تأثره بالغربة، ورغبته العارمة في التأثير بمتلقي شعره، فقد ركز شاعرنا على الموسيقى الداخلية لقصيدته الكاملة والشاملة التي تالف منها هذا الديوان، على اعتبار أن تلك الموسيقى هي النغم الذي يجمع بين الألفاظ والصور، وبين وقع الكلام وحالته النفسية، وباعتبارها المزاوجة التامة بين المعنى والشكل ، وبينه شخصياً وبين قرائه.. واعتنى سرحان النمري كثيرا بالايقاع في قصيدته الطويلة (المهاجر)، والذي تأتى من وقفات متكررة، او من جميع ما في القصيدة من كلام وحركات، وارتبط الايقاع لديه ايضا بالنبر الذي يقوم على مقدار الضغط الذي يوقعه جهاز النطق على مقطع شعري في نمط من أنماط الترتيب، و(بالميلودية ) التي تقوم على التناسب بين النغمات، يقول: (يا سيدتي/ إن جذور الورد دواء/ وجذور الحناء دواء/ والغربة داء ينخر في العظم/ وليس لها بعد ضياع العمر شفاء/ لن تتساوى الأوراق الصفراء/ إذا عبرت أيلول/ بأوراق اللوز بداية آذار/ أشجانك لن ترحم أيام الحزن/ فإن حنينك غدار/ لن يدع الذكرى من غير بكاء). لقد عانى سرحان النمري من الغربتين الروحية والجغرافية في أمريكا، فلجأ إلى الأسطورة، واستنجد بالرب (آدوناي) وقال له شعرا: عشتاري ماتت في سفري/ واحترقت أوراق صباي/ جفت فوق يديّ بحور العشق/ وفي صدري اندثرت كلّ أغاني الليل/ وباتت تنكرها شفتاي..يا واهب في الأنسام الخصب/ أعد نبضات القلب إلى وطني/ وأعد لي ذاكرتي/ لتعود من الظلمات مراسيها/ وتحطّ بشطآن بلادي سفني/ أنقذني/ انجدني/ إني في بحر الغربة مسلوب الفرحة/ مشلولٌ وكسير). الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأربعاء 14-07-2021 09:17 مساء
الزوار: 741 التعليقات: 0
|