|
عرار:
قراءة في قصيدتي حواريّة وهسيس السرّ للشاعر الأردني سعيد يعقوب هدى كريد تونس شاعر يوقف القارئ في مهبّ الأبعاد، يرى القصيدة الخلاص الأوحد المنقذة من الوجود المندحر والخلق المنحدر. الشّعر اكسير الخلود ورؤيا "لي نظرة لمكان السّر نافذة تكاد تهتك سر الغيب والظّلم". يعترف أنه متعلّق بتلابيب الخالد الابديّ الذي قد ينفلت عن اللّفظ والوزن ليكون إيمانا راسخا بكلّ نبيل..وان توهّمنا أن الشّاعر قاصر عن حيل البلغاء ياتيك ردّه "وانا المجاز وأمّه وأبوه عني تلقّف سرّه أهلوه" "لكنّ شعري كالمحيط ..ومن يحط علما به مهما روى راووه والشّعر عندي فكرة ورسالة في عالم ضلّ الطّريق بنوه." هي قدرة الشعر على انقاذنا من وحش الامّحاء ،نوع من العصف والعذاب والضّنى. لا يحدث بالضّرورة الفجوة البلاغيّة ولاهزّة الإطراب يبتعد عن شعوذة اللّفظ. والغواية البيانيّة. المهمّ أن يلوذ بسؤال من تغريبة جواب في رؤية إنسانية رحيبة وانشدادا إلى انسان عربي قوانينه جزر بعد مدّ وانحسار بعد انتصار في زمن الغافلين عن الهدى الراكضين بحلبة الشّيطان. قصيدة حواريّة صوتان او جيب صوت واحد في حواريّة كنواقيس مجلجلة انسلّت من روح الشّاعر .على طريقة جبران في مناجاة أرواح او نزار قباني في تريدين تتجزّا الذّات لتلتقط الماهيّة الإنسانيّة.. لغة تنشأ في حجم لذّة الكتابة وهول الغياب في ذات الوقت، كأنّنا نذهب مع الشّعر الى حتفنا ونروم البعث. بين صوت أنثويّ رامز يقطر عذوبة وانشراحا، خصيب كأن لا يباب وبين آخر هيّاب من الحياة ننحصر بين دفّتي القصيد ..مشروع اكتمال مآله النّقص داخل مصراعي القصيدة تنشأ الملحمة ثم المأساة ويبقى الوجود الجميل مؤمّلا يعتريه القبح وان أبحرنا على متن الكامل.. يأتينا صوتها كهواتف الغيب. تتداعى الأوامر على لسانها نصحا تتوزّع الأقوال بين خبر وانشاء ،فتختزن الحكمة. و تتّخذ طابعا استدلاليّا والحجة الأبلغ الواقع الفرديّ والجماعيّ .شاعر ملأ آفاق الأرض وطوّع الكلمات حتّى دانت له ، صيت ذائع ووجود بهيج يحفل بالملذّات فلا أقّل من أن ينهل منها قبل الغياب، ابقوريّة عهدناها ورغبة في اغتنام الفرص قبل الفوت .بكلّ الحجج العقليّة والواقعيّة ،لا تكون المدائح خارج أهازيج الحياة والاشادة بالذّات الرّامزة إلى الفعل الإنساني وقد بلغت الذّرى وحقّقت المطامح .أمّا الصّوت الذي يعوي داخلنا فيطلّ على مدارات القلق والرّعب. وتتعالى الصّورة الشّعرية عن المعقوليّة دون تعقيد كبير .. فإذا بالتّجسيم وجه الإدراك البسيط في حسّيته، قفل الوجود والجناح قدح الحياة وبقاياها، علاوة على التّشخيص في استعارة المغازلة للأقداح وأنستنها. امّا الصّوت المشائم الرّاضخ إلى الحتميّات الخارجيّة ..فقد عوّل على الرّمز الطبيعيّ الاطلس والأسطورة سيزيف تتزاحم متناوبة كمرايا متناظرة إنارة عن الذّات المفجوعة في وجودها. مشروع الكيان معطّل .يتّصل الرّمز بما ترسّب في أقاصي الذات من عذابات. شعر بدرجة فلسفة يقودنا إلى تشاؤل بلغة اميل حبيبي فنبقى في الما بين على شفتي حلم وإكراهات واقع.. نحمل معه لعنة الشّعر في ارض النّبوءة و كأنّ الشاعر خدين الله اصطفاه لينير الكون ويجوس فيه على ظهر الرّيح فلسفة الأنوثة في قصيدة هسيس السّرّ أرسى السّفن على شاطئ العشق مادام الشّعر يكتسب معناه منه ،فمنه ما به يكون فالمرأة كائن ورمز هي الحياة وكل ماتعني وعمره بالمختصر المفيد ..يدعوها الى أن تسود قلبه حتّى يمتثل الشّعر له ، فلولاها ما طار في الآفاق. تمتلك سرّ الكلمات وسحر اللّغة تداهم أنوثتها الطّاغية فتدكّ العروش .تبتسم الثّغور فتسقط اخر الثّغور. وفي الغزل يحفر الشّاعر كثيرا في ذاكرة الكلمات .فيكثر التّناصّ. يطالعنا في ترانيم ابن زيدون شاكيا جائر الحكم وجر كيف شئت فقلبي صبور.. على حكمك الظّالم الجائر احيانا تسمع ابن الأبّار وهو يخلق صورة القسوة المتنافرة مع الحسن .فلا يعيبها الّا قساوة قلبها . إنّي لأعجب من قساوة قلبه والجسم بضّ والاهاب رهيف.. يلتحم بالنّموذج الاوفى في العشق في وصف العيون والقدود. ويستحضر في ثقافة موسوعيّة والمام بالموروث صور الاقدمين في الجمال والمعاناة وظلم الاحبّة. وليس عجيبا أن يغادر القديم الى الحلم الرّومانسي وعذوبة الطبيعة لترتسم اهازيج النّفس العاشقة ما في السّر صمت مطبق او هكذا يفترض. وفي الهسيس صوت وبعض صخب. يختار الشّاعر بعناية فائقة عتبة النص. فنتوجّل ونشتاق شوقا من النّفس مكين.. ايقاع البيت في انتظام تجانسا مع الجمال وتناغما مع الوجود .يختار صفة الكمال في البحر ورويّا مترعا بالانا مشبعا بشيء من نشيج داخل الأوجاع المقدّسة اوساع الحبّ. فقد تماهت المشاعر مع الذّات وصار الشّعر يكتبها منعتقة حينا رهينة محبسها حينا آخر. وليس الملمح الرّومنطيقي بمنأى عن شاعر البسه قوالب الشّعر وألقمه جوهر الشّعور. انّ الدّلالة تقوم على وحدة التّضاد غيابا و حضورا سعادة وشقاء وبين دفتي المعنى تنساب الكلمات مشكّلة ملامح العالم الأصيل البديل والمتدهور الواقع .جدليّة يحتكم إليها اي نصّ رومنطيقيّ .وحين يموسق العالم الطّبيعي بالرّؤى والأخيلة تنكشف متون الوجود بين الأنا والمكان والهي ملاذ الاحتراق وهدير الحياة ..محرقة بمعجم البكاء وتغريبة تطحن الذّات فتكون القصيدة في جزئها الأوّل إطلالة على الرّعب او القلق أمّا الثّاني فيكبر العشق فيه وفينا وتقبّل عشتار الحاضرة بالقوّة ثغر القصيد. فيكون الانبعاث من الوحدة والاغتراب إلى الانس .وقوّة الشّاعر هي ذاك الدّمج بين املاءات القدم قصّة عشق فيها ماض وحاضر الفناهما وحكاية رومانسيّة حالمة بين ماض فردوسيّ وواقع كابوسيّ. ففي غلمة الرّؤى أو الذّكريات يلامس المدى وان ادماه سخام السنين والكلام مليء بمجازات تعكس قدرة الشاعر على الانزياح سيّما التّشخيص الذي يؤنسن الطبيعة تحتضن وتقبّل وتثور وتغار.. أكمل تجلّيات الاتّجاه الرّومنطيقي. وبمنطق الصّورة الشّعرية يلتحم الشّاعر بعناصرها فالتّشيبه البليغ يبدّد المسافات بين الطّرفين حتى نصل إلى التّوحّد الاستعاري.. ولا أوضح من قانون الاتّساق يحكم البشريّ والطبيعيّ. في هذه القصيدة غابت التزاميّة المقدسيّات ومرارة الجمعيّ لتكون الذّات محور النّص والعالم تنحصر داخل أحلامها ورؤاها وتتّخذ المرأة حضورها الحسيّ وصلا وهجرا وبعدها الرّمزي حين تجلو الحياة الكاملة التي يتوق إليها الشّاعر وينطبع بها الكيان، عشق في فلسفة وجود. وفي لحظة العشق التي تختزن كلّ تجارب العشّاق الفة وشقاقا، تطالعنا الطّبيعة كما في الشّعر الأندلسيّ أنيسا ومسرحا للانعتاق وكائنا يرقى شعورا وإدراكا، كانّنا نستعيد أصوات الأندلسيين لمّا أنسنوها وأسبغوا عليها معالم الحياة ومع ذلك لا يمكن أن يبقى هذا النّصّ حبيس الصّوت الواحد. فترتسم أشواق الرّومنطقيين ،وقد أمعنوا في التّشخيص والذّاتيّة والتّرسّلات بين عناصر الطّبيعة فيما بينها من ناحية وبينها وبين الإنسان من ناحية اخرى. فينعتق في رحابها .وقد يؤول إلى الاغتراب المعتاد متفرّدا بالصّبابة والكآبة. والخيال عنوان ممارسة شعريّة جامحة خلقت من كلّ صورة حيّا، وتعالت على المعقوليّة وذوّبت الحدود بين الذّاتي والموضوعيّ عبر الإسقاط. باح السّرّ بالعشق في كلّ تجلّياته .سرّ غرفة امرأة في مسارب الشّعر و الوجود . الكاتب:
إدارة النشر والتحرير بتاريخ: الإثنين 18-05-2020 09:02 صباحا
الزوار: 742 التعليقات: 0
|