الأديب علي القيسي

بداية ثمة الغلاف وهو العتبة نبدأ من العنوان، فالعنوان يتكون من كلمتين، أسرار، وخزنة، وكمان هو معروف فالسر يبقى سراً ولكن الكاتبة أباحت بهذه الأسرار بالرغم أنها ليست أسرارا كما يظن، وكلمة خزنة هي أسم مؤنث صاحبة الحكايات وبطلة الرواية والشخصية المحورية. ورسومات وصور الغلاف تدل على ما في المحتوى، عدد من الجمال وأشخاص وأعمدة مدينة جرش الأثرية واللون البني أرضية، والسماء مليئة بالغيوم البيضاء والسوداء.

هل هي مجموعة قصصية، أو حكائية (أسرار خزنة) وحكايات امرأة من البادية، لا فرق في الأدب وفي تحديد التجنيس طالما في النهاية والبداية توصل رسالة هادفة وسامية، وتعزز الثقة والمعنوية بالنفس، وأهم من ذلك كله تدهش المتلقي وتجعل القارئ متمسكا في مواصلة القراءة حتى النهاية، هذا ما حدث معي أنا كقارئ وناقد، هذه المجموعة الأدبية البدوية تختلف عما قرأته في السابق، جعلتني أعيش الماضي البعيد وأعود إلى حياة الآباء والأجداد قبل عصر الحداثة والمدنية.

حقا تابعت صفحة صفحة مع خزنة بطلة القصص كلها، خزنة هي الشخصية الروائية المحورية تتحدث عن حياتها وحياة البادية وتفاصيل دقيقة اجتماعية وعشائرية، كانت في باديتنا الأردنية، وكان لهذا التراث علامة ووشما عميق في حياة الأردنيين ممن عاشوا حياة الصحراء وبيوت الشعر وانسجموا مع البيئة الصحراوية القاسية والطيبة معا.

هناك خزنة الفتاة الشابة تتحدث في كل المناسبات التي تمر بها الفتاة البدوية، منذ طفولتها مرورا بصباها حتى شيخوختها، هي حكاية التراث الأصيل، قصص الكفاح والصبر والإيمان، وعنفوان الرجولة والشهامة والكرم، هذه المفردات التي يتميز بها الرجل البدوي وتجعله مختلفا

فثمة الحرية التي يعيشها البدوي والتي يعشقها ولا يتخلى عنها، الحرية التي تمنح أهل البادية الزهد في الحياة، وتنمّي عندهم أسباب عزة النفس والشجاعة والكرامة والرجولة، هي الصحراء والبادية الفضاء الواسع والأفق غير محدود، فخزنة هي المتحدث الرسمي والعفوي عن هذه الحياة البرّية، تجول بنا في محطات الحياة وتأخذنا إلى أجواء وفضاءات متعددة، هناك طقوس اجتماعية كثيرة، تتحدث عنها حياة البوادي، وتتنقل بنا من قصة إلى أخرى، فثمة قصة (الحنة الضائعة) مناسبة العرس والفرح والاستعداد لهذا الاحتفال التاريخي الكبير، وتتحفنا خزنة بالتفاصيل من تحضيرات العرس المبكرة، واجتماع النساء وتجهيز بيت العروس ومساعدة العروس في تجهيز نفسها ومشاركتها الفرحة الكبرى، في اجتماع النساء هناك الزغاريد (والترويدات والمهاها) وهنا يختلف عرس البادية طبعا عن أعراس المدن والصالات والصالونات، فالعادات والتقاليد في البادية، منضبطة ولا يجوز الخروج عنها، ويتمسك بها الجميع، وبالنسبة للحنة، وهي معروفة هذه الأصباغ المعجونة بمواد الحنة، تتحنى العروس وأفراد الأسرة والفتيات ابتهاجا بالعرس والعروس وأهل العروس.

وثمة قصة (الجوع) وهذه القصة درامية تنم عن ما يتعرض له البدو من سنوات القحط وشح الماء، فهذه من أصعب السنوات على أهل الحلال والجمال والمواشي، حيث يشعر الجميع بقساوة سنوات المحل، وانعكاسها على الأفراد في قلة الماء والزاد ونفوق الأغنام، وسنوات القحط تعد من المصاعب الشاقة التي تواجه من يسكنون بيوت الشعر ويعيشون في الصحارى.

وثمة قصص كثيرة في هذا الكتاب، وكل قصة أجمل من القصة التي تسبقها بالحديث الصادق عن كل مناسبة تمر على حياة البداوة، ولكن المقام يجعلني أختصر وأختزل هذه المجموعة القصصية الجميلة والرائعة بالحديث عن الفنية والبلاغة والبيان في هذه القصص ومدى مقدرة الكاتبة في وضع النقاط على الحروف، والتعبير عن المعاني بلغة بسيطة وواضحة سوى بعض المصطلحات البدوية التي ربما لا يفهما سكان المدن مثل (السحلة) وهي من أواني البيت التي يوضع بها الماء والطعام.

أسرار خزنة، من الأدب الذي يؤرخ ويؤرشف لأنه يعبر عن الهوية الأردنية العربية، والتزام البدوي الأردني بتاريخه الشفوي والمكتوب، ليطلع عليه الأجيال ويرسخ الهوية العربية على مدى العصور والأزمان، فالكاتبة القديرة هدى الأحمد كاتبة مبدعة، وبرزت موهبتها في هذه المجموعة، التي تزيد ثقة الكاتبة بنفسها أكثر وفي قدرتها على كتابة المزيد من القصص والروايات في قادم الأيام..