آسيا الأنصاري/ رئيسة نادي أصدقاء الكتاب
سأتناول في هذه القراءة السريعة مجموعة القصص القصيرة جدا، التي تحمل عنوان «ملامح لوجوه عدة» للدكتورة دلال عنبتاوي.
بداية.. نظرا لتسارع التقدم التكنولوجي في عصرنا الحاضر، ونتيجة لتطور الحياة وكثرة مشاغلها وتشعباتها، أصبح الإنسان لا يجد الوقت الكافي لقراءة الموضوعات والمقالات والروايات الطويلة؛ فوجدت القصة القصيرة جدا طريقها إلى قلوب وعقول الناس وما القصة القصيرة جدا إلا نوع جديد يضاف إلى أنواع الأدب السردي الأخرى من رواية، وقصة قصيرة بحبكة وحلة عصرية جديدة تنهل من الأصول الأولى للنثر أولا وللسرد ثانيا، وفتحت لها نمطا جديدا يتقارب ويتباعد مع ما سبقه من تلك الفنون السردية.
في الواقع إن القصة القصيرة جدا تترجم وتعبر بشكل واضح، عما يمر في حياة البشر من وقائع وأحداث وقضايا، قد تكون شائكة في معظم الأحيان وتقدمها بأسلوب وشكل جديد مختصر جدا، بحيث يتقارب مع الإلتقاطة السريعة وهدفها إيصال رسالة إلى القارئ بحلة فنية متكاملة، فكل كلمة وعبارة ترد في هذا النوع من القصص لها قيمتها ووزنها، فإذا حاولنا حذف كلمة أو عبارة بسيطة فإن البناء الفني للقصة يختل. ولقد سعت القصة القصيرة جدا واهتمت أن تقدم حدثا واحدا ضمن زمان ومكان وشخصيات محددة، ولا ننسى أن لهذا النوع من القص ملامح يقوم عليها، فالقصة القصيرة جدا جنس أدبي حديث جدا يمتاز بقصر الحجم والإيحاء المكثف والنزعة القصصية الموجزة والمقصدية الرمزية، فضلا عن خاصية التلميح والاقتضاب والتجريب بالإضافة إلى سمات الحذف والاختزال والإضمار.
لقد قرأت هذه المجموعة «ملامح لوجوه عدة» وخلصت إلى أن الكاتبة نجحت إلى حد كبير في الدخول بعمق إلى نفسية القارئ، وبدون استئذان كما تمكنت من البوح والتعبير عما نعجز أحيانا عن البوح به أو التعبير عنه.
وأنا أقرأ هذه القصص وجدت نفسي بين الكلمات والسطور، وحتى الحروف أي وجدتني داخل الحدث الذي ركزت عليه القصص، وبين ملامح بعض الشخصيات
إن أحداث كل قصة من قصص هذه المجموعة، والتي كتبت باختصار وتكثيف شديد وكلمات محدودة تناولت؛ كل منها حدثا معينا يدور حول شخصية واحدة وبعض الأحيان شخصيات متعددة.
أما لغة القص فقد جاءت في هذه المجموعة سهلة ذات معان متميزة، تمر عبر الزمان والمكان دون أن تغرق في تفاصيل لا قيمة لها، وأتاحت هذه القصص للقارئ أن يتوصل للهدف والمغزى الذي تمركز في القصة، بحيث يصل القارئ إليه بسرعة دون تعقيد ؛ لأن كل القصص في المجموعة كانت تهدف إلى معالجة موضوعات حياتية من واقع الحياة البشرية، بما فيها من مشاكل وصعوبات ومعيقات ولقد عبرت الشخصيات عن ذلك من خلال الحوارات التي دارت بينها، ولقد وجدت في كل قصة قرأتها أن الصراع كان واضحا ويأخذ منحيين صراع داخلي في ذات الشخصية ومع ذاتها، وصراع خارجي بين الشخصيات.
في الحقيقة تخيلت وأنا أقرأ هذه المجموعة أن الكاتبة استعانت بجهاز تسجيل دقيق جدا وحساس أكثر من المعتاد؛ فاستطاعت وبسهولة التسلل إلى أعماق النفس البشرية فسجلت كل مكنوناتها وخفاياها وأحاسيسها ومشاعرها، وتخيلت أيضا أنها استعانت بكاميرا متطورة جدا، لالتقاط ملامح الشخصيات وتصوير تعابير وجهها وقسماتها بدقة متناهية فظهرت ملامحها الداخلية والخارجية.
لقد رأيت أن هذه المجموعة كانت عبارة عن مدونة، جمعت فيها الكاتبة ما بين الصوت والصورة فسردت حكايتنا وقصصنا التي عشناها وتعايشنا معها، فرسمت تلك الملامح بقلم الرصاص تارة وبريشة اللون تارة أخرى، لنبحث عن ملامحنا بين تلك الملامح وننظر في مرآة تلك القصص لعلنا نرى وجوهنا فيها.