|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
نظرات في روايتي «خلق إنسانا» و«أنا مريم» للروائية عنان محروس
عاشقة
الصحراء :
شفيق العطاونة عندما يرتكب الأديب غَواية الكتابة ويسبر كنه الأشياء، ويحيلها إلى تجليات تعبر مكنوناته أو مكنونات الآخرين، يصبح لزاما على المتلقي أن يصيخ السمع ويدرك مرامي هذه الغواية التي تلازم المبدع. الأدب الحقيقي وأركز على الحقيقي هو الذي يأخذنا إلى عوالم ملأى بالتناقضات، حيث نوازع الخير والشر، الحياة والموت، الغنى والفقر، العفاف والرذيلة. وهو يعبر تعبيرا صادقا عن واقعه المعاش، يسبر أغوار النفس البشرية وطبيعتها، فتصبح صورة عن واقعها ومرآة لما يحياه المرء. يتلمس الأديب الواقع والمأمول بحيادية تامة مع عناصر مدعمة لرؤاه وتطلعاته. الكاتب الحق من يمتلك أدواته وينميها ويسقيها بماء عذب فرات، فتنمو، وهذه حال الفكرة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين، فتحيل الغواية إلى متلازمة لا تكاد تفارق صاحبها فتملأ عليه حياته بل يصبح أسيرا لها لا يفارقها ولا تفارقه. «ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها» سورة إبراهيم عنان محروس حالة أدبية استطاعت بهدوئها وصفاء روحها أن تحيلنا إلى تلك العوالم التي تحدثنا عنها آنفا، فاستحال هدوء السمت إلى صخت نقشته بمدادها، فكأنه صراع بين الداخل والخارج. و»شيزوفرينيا» استطاعت باقتدار أن تشركنا تناقضاتها ومآلاتها، وهذه غاية الأدب؛ أن يستطيع المبدعُ إشراكك حالته طوعا أم قسرا. عنان في روايتيها شخصت حال المرأة عندما تفتقد الأمن فتشعر بالوحدة. عندما تتقاذفها الأمواج الهادرة فتقاومها بكل ما أوتيت من عزم. أخبرتني عنان أنها بكت نهاية المطاف وهذا ما قاله الكاتب روبرت فروست: إذا لم يذرف الكاتب العَبَرات فلن يذرفها القارئ، وإن لم يتفاجأ الكاتب فإن القارئ لن يتفاجأ « لا ندري هل صاحبة العمل الروائي كتبته أم هو من قام بهذا الجرم الإبداعي المدهش. مشاعر متناقضة تخالجك عند القراءة، فكيف لامرأة تحمّل كل هذه القسوة. جدلية الحياة والموت، تناقضات العرق والجنس البشري، حقيقة الإنسان وجوهره وتقلب أهوائه، هل المرأة بخير في عالمنا العربي. غريب أن نستشعر الجمال وسط هذا الكم من الحزن والقلق والقسوة. نتعاطف مع امرأة وجل الرجال في العمل الروائي موتورون غارقون في الخطيئة. خلق إنسانا وأنا مريم عملان إبداعيان يمثلان واقعا معاشا فيه الحياة والموت، الجمال والقبح، الأمانة والخيانة، الوفاء والغدر، قبل كل ذلك آدم وحواء. نعم هي دورة الحياة بكل تناقضاتها. ولأجل كل المريميات اللواتي يكتبن سيرتهن على كتف غيمة محملة بالوعود والرعود، يستقيها الألم والأمل والخلود نحن هنا يجمعنا الوفاء لهنّ ولها. قيل:»بعض الروايات تحمل أفكارا عميقة قد لا تجدها في كتب المفكرين» خلق إنسانا وأنا مريم روايتان مكملتان فنيا بعضهما بعضا، رغم استقلالية البناء العضوي والإيقاع السردي لكل منهما مع تنامي الفكرة وتطور الأحداث. هذا ما يحدث بالضبط عندما تتغول الحرب فتصبح وحشا كاسرا ينهش ما تبقى من كرامة وإنسانية وحياة. عندما يلقى الأطفال للعدم وتَفتح حياة البؤس ذراعيها لهم على شكل ملجأ أو أسرة تستنزف إنسانيتهم وتُحملهم ما لا يحتمله عقل أو عرف أو سلوك. عندما تكسر الأعراف والأخلاق على عتبة مارق ينتهك الطفولة أو خضراءَ دمن قذفتها الأمواج لفض عباءة الحياء في صراع البقاء. قدر الله لآدم أن يُكرّم إثر الخطيئة، لكن كثيرا من أبنائه العصاة ورّثوا خطاياهم وأوزارهم واتخذوا الشيطان لهم عضيدا. آدم في الرواية هو ذاك الطفل الذي عايش مخاض الحرب، فعاش في أسرة ظن أنها أسرته ولم يعلم ذلك إلا بعد استنزافه نفسيا وجسديا فهام على وجهه إلى أن احتضنه الشيخ عماد الذي رعاه وآواه وعلّمه وانتقل به من بؤس الشوارع إلى وثير المعاش ودفء الأبوة والحنان. فبذرة الخير موجودة وإن علا صوت الباطل ونوازع الشر. فكما قال جبران: الخير في الناس مصنوع وإن جبروا والشر في الناس لا يفنى وإن قبروا أحداث تتنامى وتتصاعد في نسق ماتع وأسلوب شائق لينتقل صاحبنا من بيروت إلى صيدا؛ فبعض الأماكن تجلب الحظ أو تسحقه. تنمو قصة حب آدمية مريمية، تتجاوز الأعراف فلكل ديانته بينما الحب لغة تؤطرها الديانات والمعتقدات كافة. فرسالة الله إلى الخلق حب. آدم كحال كل المهمشين الساعين إلى الخلاص من ماض لم يصنعوه بل جنته عليهم أيد ملطخة بالعار، أراد التخلص من تفثه والتحلل من ربقه، والبدء بحياة جديدة بعيدة كل البعد عن ماضيه الملبد بالقذارة. ومريم يهمها آدم الذي يصبح زوجها ومع مرور الوقت تتبدل أحواله فكأنه يعيش الانفصام بين الأمس واليوم فيصيبه الرهاب والأرق ونوبات الكآبة واختلال الشخصية، فينتهي به المصير إلى مشفى الأمراض العقلية. وتعود لنا مريم في الرواية الثانية «أنا مريم» بضمير المتكلم الذي يوحي بسبر أغوار النفس البشرية والعمق الوجودي والشعوري واستنهاض ما بقي من هذا الحطام وسط ركام الخوف واغتيال الشخصية والاستخفاف بالإنسانية وسط هذه الوحوش الذكورية. فها هي تنفق كل مالها لرعاية زوجها المختل فتناوشها الذئاب البشرية لتضيف آلاما أخرى إلى آلامها غير مدركين أنها امرأة تعيش لآدم ومن أجله رغم كل ما سببه لها من آلام. يخرج آدم من المشفى معافى فتمرض لما تكتشف أنه شفي منذ أمد بعيد، اكتشفت خداعه وعلاقته مع ممرضة تقوم على رعايته. تنمو الأحداث وتجد مريم أنها تحمل جنينا في أحشائها، يختفي آدم، تموت مريم أثناء الولادة، تتكرر سيرة آدم مع طفله، حيث تلقيه الراهبة كاترين فتلتقطه امرأة من الشارع. فتتجدد دورة الحياة. لذا أنصحكم بسبر أغوار هذين المنتجين الإبداعيين والغوص في أعماقهما رغم قساوة المشهد. جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الثلاثاء 15-08-2023 08:59 مساء الزوار: 389
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
«77 خريفا» للروائية فاطمة هلالات | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 28-07-2023 |
«أنــــا مــريــــم» ثنائية الحب ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 20-11-2022 |
نظرات في كتاب "حوارات مع شمس الأدب ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 21-06-2020 |
اشهار وتوقيع رواية "وقتلت ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 30-03-2019 |