|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
وقفة نقدية مع ديوان «أنا فوق أرصفة جسدي» للشاعرة فيلومين نصار
عاشقة
الصحراء :
الدكتور سعد شاكر شبلي يكاد أمر الفن الأدبي (شعراً ونثراً) لا يخفى عند المشتغلين بهذا المجال الإنساني الروحي والقيمي، وبأن عنصريه الأساسين هما: الشكل والمضمون، وبذات الوقت لا يخفى أن النقد الأدبي يدرس الشعر من خلال عناصر أربعة مهمة هي: المعنى، والعاطفة، اللذان يدخلان تحت إطار المضمون، كما يدرس الخيال والأسلوب، وهما ينضويان تحت إطار الشكل... وهذا مجال نقدنا في هذه الأمسية البهيجة. وعند الولوج في الدروب التي سارت فيها الأديبة فيلومين نصار حماها والحاضرين الرب الرحيم، فإننا نجد بأن حداثة تجربتها الشعرية، لا تحجب عن الناقد الأدبي ما يمكن أن يرصده من تطور عنصري الشكل والمضمون في شعرها الصاعد كنظرة سائح نحو الحافة العليا لشلال ساقط نحو جلمود صخر حطه السيل من علي، لا سيما في ديوانها الموسوم (أنا فوق أرصفة جسدي) حينما تعاملت مع قضية الشكل، وهي قضية تؤرق جميع الشعراء ومنهم شاعرتنا المجدة الطامحة إلى التجديد، خاصةً وهي ترى وكذلك الناقدون والمتذوقون أن القصيدة العربية بصرفها ونحوها وقوافيها باتت لا تفي بغرض التحديث أو تتسع له، ولم تعد في نظر شاعرتنا والآخرين، كما سعت إليها حركة الإحياء الشعري التي أسس لها الشاعر محمود سامي البارودي وأثراها من بعده مجموعة الشعراء الأعلام ضمن الباب الواسع للشعر العمودي (الرصافي وشوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران). أما فيما يتعلق بشعر المدرسة الواقعية والتي تعرف بشعر التفعيلة أو الحر، وعلى وجه الخصوص الشعر الذي جادت به مدرسة المهجر، وهي المدرسة التي نهلت منها السيدة نصار، فجاءت قصائدها مسايرة لهذه المدرسة التي اهتمت بالدفاع عن الوطن والحنين إليه، فكانت قصائدها (نقصد شاعرتنا) ونتاج شعرائها (ونقصد أصحاب مدرسة المهجر) وكأنها اكتوت بنار الغربة التي أبعدتها وهم عن الأوطان، فكانت مليئة بالشوق والعواطف الجيّاشة مع الامتزاج بالطبيعة ومحاورتها وبث الشكوى والقلق والخوف منها. وإلى جانب ذلك تبرز النزعة الإنسانيّة، ورغبة الخير المطلق للجميع، مع الاعتماد على الخطاب المباشر في التعبير؛ ما يجعل المعاني وكأنها تهمس في النفس همس المُحب لمحبوبته، وكذا العناية بالصور الفنية في التعبير عن تشخيص المعاني وتجسيدها، إلى جانب تنوع القوافي في القصيدة، وذلك بالإفادة من الموشحات الأندلسيّة. طوباويات بلا عنوان، قصيدة تنطلق من القمر في تعبير مجازي قال به نصار عن الحبيب الذي قد يكون الوطن أو الزوج أو الأبن فكلهم حبيب، لتقف في نهاية المقطع الأول قائلة، وأنت منارة دربي ونجمي من الوادي إلى الجبل. بذات القصيدة تستفز الشاعرة المتلقي بقولها تدحرج دمعك فوق الخد رقراقا، أتوه بين التقاطه أو أتركه.. وهذه هي عناصر المضمون حيث المعنى والعاطفة، المعنى البعيد عن المضامين التقليديّة كالهجاء والفخر ليحلّ بدلًا منها مضامين إنسانية جديدة، جسدتها شاعرتنا في قولها: «خزفية العينين/ عانقيني واهمي / أنفاسك رانت عنقود حُبٍّ/ تدلى بدوار حقل الغسق/ رسما بيانا يرشدني في بلبلة أشواقي/ يعتق همي من جريمة حبي واشتياقي/ كي من مشنقة الحب انعتق». وبذات البعد الإنساني تأتي قصيدة (زلزال الإنسانية) ذاك الذي ضرب تركيا وسوريا في شباط 2023، تقول: «كوارث حلت بنا وما زلنا/ نراوغ رأياً/ نقترف وننصاع صداً/ نخشى كسرَ القيد المهيب/ بصفعنا قرار قيصر الغضيب/ فالشرق منقسمٌ أصمٌ أبكم». وللوطن ودور المرأة في الحياة (والمقصود هنا الوطن العربي الكبير) وهما من أبرز الأبواب التي سعت إليها حركة الإحياء سالفة الذكر، وما فيهما من شكل ومضمون، وهما طريقان سارت بأزقتهما شاعرتنا المبدعة، ليس وفق شكل من أشكال التعلق الرومانسي بالتراث الشعري، ولا عبر الدعوة إلى التمرد على التراث، تلك الدعوة التي يتحمس ويروج لها أولئك المغالون في الحداثة، شعراء كانوا أم نقاداً. بل عبر البوح بالخبايا، فتقول: «إلى متى يمتطي الأغراب ظهر اغترابنا/ يستقوون بضعفنا/ حتى الزلازل فرَّقتنا/ واحتدمنا في الحروب...». ويبقى الشكل في شعر فيلومين، حيث الخيال والأسلوب، فمن هنا نجد من الضرورة بمكان أن نتعامل مع النتاج الشعري المضيء للسيدة نصار تعاملاً واقعياً وموضوعياً، وبروح انتقائية تمكننا من الاستنارة به، ومن وضع اليد على كنوزه الثمينة، بعيداً عن التغني الرومانسي بها، بطريقة توقيفية ساكنة لا تمكننا من التجديد أو الإضافة تمشياً مع روح العصر وطبيعته المختلفة. إذ لا بد من توظيف المعاني الجمالية توظيفا ديناميكيا فاعلاً ومتفاعلاً مع تحديات الحاضر الراهن، واستشراف لمعالم المستقبل، وهنا يبدو منبع الدافع إلى التجديد وتجلياته المبررة في شعر نوعي نقي يحمل الهم بروح عصرية ذات أبعاد جمالية، لذا فكان ما كان ولا يمكن إلا القول إنه نضج في الخيال الشعري بل الفن الأدبي. جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الجمعة 22-12-2023 08:17 مساء الزوار: 208
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
" أنشودة أخرى للوطن " للشاعرة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 02-11-2024 |
«إيقاع بوح» للشاعرة د. سكينة مطارنة | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 09-04-2024 |
«شذرات نقدية».. إصدار جديد للكاتبة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 09-04-2024 |
قراءة في ديوان «المشكال» | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-12-2023 |
نظرات في روايتي «خلق إنسانا» و«أنا مريم» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 15-08-2023 |
تقنيات التعبير الشعري وأبعادها الجمالية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 09-07-2023 |
دراسة التحليلية لقصيدة أمي للشاعرة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 16-05-2023 |
لمحة عن كتاب ديوان الشاعرة باسمة غنيم ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 10-11-2022 |
ديوان لهدى أبلان يتأمل الحرب واشتعالات ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 21-10-2022 |
قراءة نقدية بمجموعة “أوجاعي كلها” لـ ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 26-09-2022 |
«مداي ألف دهشة» جماليات السرد والحكاية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 14-06-2022 |
قراءة نقدية تطبيقية في «سقيا حرف» للقاصة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 01-04-2022 |
السمات الأسلوبية والمضامين الإنسانية في ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 19-03-2022 |
«سكرة وجع» للشاعرة نـور الـهــدى أبـو ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 10-11-2021 |
نزار قباني ... نرجسية متكئة.. و(الأنا) ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 29-10-2021 |