الناقد محمد المشايخ

حواء طغت آدم، فهبطا معا من الجنة، أما في ديوان (شجرة تحضن ظلي)، فإن حواء (الشاعرة باسمة غنيم)، تسعى جاهدة لإعادته إلى الجنة، ولو مـُـكبلا بسلاسل الشعر.

في هذا الديوان غزل جريء، يحيل المسرح الشعري، إلى حلبة مصارعة، تتشاجر فيها القصيدة، مع الرجل الذي يسهو، أو يغفو، أو يتجاهل، أو لا يتجاوب، أو لا يتحاور، أو لا يستطيع القيام بالواجب، بل إن فيه غابة من القصائد التي تستحيل إلى أشواك حريرية تغرسها الشاعرة في عيني النائم لينهض من سباته ويلبي النداء.

هذا ديوان يمتزج فيه الغزل بالهجاء، فالقصيدة تفرش سجادها الأحمر لكي يعبر منه الرجل إلى قلب المرأة المتلهف، المشتاق، المحتاج، العطشان، الولهان، وعندما يُصاب الرجل بالصمم، يقصفه هذا الديوان، ويؤنبه، ويلومه، ويعاتبه، ويحرضه، ويستـنفره.

هذا الديوان، بستان مليء بالأزهار، وفي كل زهرة، رصاصة، فيها بدل كحل البارود، قطرة عطر مغلفة بالشوق والمحبة، تنتظر المرأة بكل ما فيها من عزة نفس وكبرياء وجمال، الفرصة الملائمة، لتطلق نيرانها الشعرية، عليه، لتستحيل تلك «الطلقة – القطرة» إلى مغناطيس يجذب قلبه وروحه إليها.

قصيدة النثر، عند باسمة غنيم، تتمرد على النثر والشعر معا، فتأتي للقراء العرب، على حصان أبيض، بفستان الزفاف، وبكامل بهائها ومكياجها النحوي والبلاغي والموسيقي.

على الصعيد الجمالي، يلعب الخيال دورا كبيرا في تحويل الأبيات الشعرية إلى «رعد وبرق وريح»، لتمطر السماء شعرا يجمع بين الفصحى والعامية في آن:

«غيمة مسافرة في السما

وغيمة تتهادى بحيا

وغيما قلبي بتحن وبتجن

وبتنده بشوق إلك

ما الو مدى».

وما يلفت الانتباه في هذا الديوان: امتلاؤه بالصور المُحلـّـقة والمـُـتـَحرّكة، المزدانة بالتشبيهات والاستعارات والكنايات والمجازات، عدا عن التشخيص والتجسيد، لدرجة تقول فيها عن شعرها:

«كل من مر على حرفي

ينحني لمجازاته، ويلعن خيوط أوهامه».

يقول لباسمة غنيم كل من يطالع ديوان (شجرة تحضن ظلي) بكل ما فيه من مشهدية، وتكثيف، وانزياح، يقول لها: (رفقا بالبلاغة)، ولنطالع معا، كيف يغدو الخيال ثانويا، أمام غير المتخيـّـل الذي تأمله:

«لي قدر

يعلو فوق الخيال

جامح

كالخيل يصهل

عنيد

يجوب السهول».

باسمة غنيم.. متطرفة في الشعر، وفي الحب، وفي الغزل، وفي الهجاء، وفي النداء، وفي المناجاة،تقول عن نفسها:

«يقولون إنني أكتب بجموح».

وتبشرنا في موقع آخر أنها ستظل في عز الشباب، وأن قلبها سيظل أخضر عامرا بالحب، لا يشيب، ولا تطاله مواصفات كبار السن، فهي التي تتحكم في الزمان، وهي التي توقفه متى تشاء، وفي أي مرحلة من مراحل عمرها الزمنية:

«كم بقي للزمان عمر

في اخضراره

وهو الذي لا يطاله شيب

ولا ينحني ظهره

ولا في الحب يختنق».

باسمة غنيم، شاعرة تجمع الكلمات والمعاني وتـُـولـّـدها من ظل الرجال، وليس كما قال الجاحظ من قارعة الطريق، وبعد أن تجمعها، تضعها على نار الشوق المتوهجة، وتنفخ فيها من روحها، لتخلق لنفسها عالما سحريا تبتكره، محافظة على استقلاليتها، وعلى عدم تأثرها بمن سبقها أو عاصرها من الشعراء، دون أن ننفي أنها في بعض القصائد تقدّم مقاطع من سيرتها الذاتية:

«أنا الباسمة المتوجسة من النور

أحبسني في سلال أحيكها بتعاليم الطريق

أحيل أيامي آهات من حرير

وأجعل من شياطيني تعويذة

أنا مفاتيح شموسها

رياحها.. وطيرها.. ونذور خلاصي».