|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
«مداي ألف دهشة» جماليات السرد والحكاية وتقنية التناص في ديوان تفاحة سابا
عاشقة
الصحراء :
الناقد محمد رمضان الجبور بمفردة الحبّ تغزلُ الشاعرةُ تفاحة سابا ديوانها «مداي ألف دهشة»، بمفردة الحبّ تخاطبُ الحبيبَ الذي لم تجده بعد، تفتحُ الشاعرةُ نوافذ الأملِ والتأمل، وتغوصُ في بحرٍ من الفلسفةِ الجميلة الراقية في اختيار من تُحب، فتطرحُ قصائد عانقت الجمالَ وتوشحت بالدهشةِ، فهي تُحلّق بالمتلقي والقارئ في سماوات زينتها مفرداتُ الشاعرة المجيدة تفاحة سابا. ديوان «مداي ألف دهشة» ضم بين دفتيه ستين قصيدة اختلفت في أطوالها ولكن غلبَ على معظمها القصر والإيجاز، وتعددت عناوينُها رغم اشتراكها في وحدة الموضوع، وعندما يكون الحبّ أو أحدى مفرداته هو المحور الذي تدور حوله جلّ قصائد الديوان، بل قد لا نبالغُ إذا جزمنا أن جميعَ ما ضم الديوان بين دفتيه هي ورود نثرتها الشاعرةُ تفاحة سابا في حديقة أطلقت عليها بحسٍ شعري وفلسفي « مداي ألف دهشة «، وأصبغت عليها من الجمال ما يشدُ المتلقي، فكانت لغتُها تمتاز بالبساطةِ والعذوبةِ والسلاسةِ، فابتعدتْ عن التعابير والمفردات التي قد تُنفّر المتلقي، فكانت مفرداتُها بعيدة عن المفردات القاموسية الصعبة لتصل إلى قلب المتلقي قبل الوصول إلى عقله. والسمات الفنية التي غلبت على قصائد الديوان كثيرة، وقد لا نستطيعُ الوقوف عليها وإعطائها الوقتَ الذي تستحقه، ولكن لا ضير من المرور على بعض هذه السمات التي كان لها الدور الأهم في تكوّن هذه الورود في بستان شاعرتنا. المتأمل لقصائد الديوان يلاحظ أن عنصر السرد أو القص قد استولى على معظم قصائد الديوان، فالشاعرة في الكثير من القصائد نراها تميلُ إلى رسم المشاهد الحركية، والعناية بالتفاصيل أحياناً، وتلجأ إلى الحوار وبعض تقنيات الحوار الداخلي، وهذا ليس بجديد على الشعر العربي، فعنصر القص من العناصر الموجودة والتي لم تكن غائبة عن النصوص الشعرية، سواء كانت هذه النصوص قديمة أم حديثة، والشواهد على ذلك كثيرة، وهذا التداخل منح القصيدة العربية الكثير من الجماليات، كما منح قصائد الشاعرة تفاحة الكثيرَ من الجمال، ففي قصيدة بعنوان « قصيدة لم أنثرها بعد « نرى كيف بدا واضحاً ميل الشاعرة إلى عنصر القص والسرد، فهي تبدأ القصيدة بأفعال ماضية يتخللها الحركة وسمة المشهديّة، فالمتلقي يشعر ويرى ويتابع، فهو أمام مشهد فيه شخوص وفيه حركة وقد يتخلله بداية ونهاية : دقّت الساعةُ/ دقّ قلبي معها/ مُعلناً رهبة الزمن الآتي/ بدّل القمرُ الشمسَ/ عتمة/ تحركت أوجاعي إلى الأمام دقيقة/ ودقيقة وتلتها دقيقة/ وتراجع الحب أميالا/ تقلص مع دوران عقاربِها...من اليمين إلى اليسار/مُبشراً بحتمية الانكسار (ص 151) فتوظيف الشاعرة للقص والسرد لتقنيات القصة ووسائلها التعبيرية في القصيدة أصبغ عليها الجو الخاص بالشاعرة ولِما تكتب، فقد اتكأت الشاعرةُ على مجموعةٍ من العناصر التي تمتلكها القصة، من حركة وشخوص وزمن وأحداث وتشويق وجميع هذه العناصر نراها قد توفرت في النص القصير السابق. وفي قصيدة أخرى بعنوان « عيوننا تختصر كلَّ الحكاية « تقول: نلتقي/ عيوننا تلتقي/ وتختصر كل الحكاية/ نبتسم/ وابتسامتنا تقول :/ نعرف كلَ شيء حتى النهاية/ نتعانق/ وعناقُنا يُذيبُ شوق ألف عامٍ مضى/ ويشعل الألف القادم/ لنسير/ معاً نسير (ص 18) لا شك أن الحكاية الشعبية مادة ثرية عند الكثير من الشعراء عامةً، ولكنها عند الشاعر الفلسطيني أكثر وضوحاً، فكثيراً ما يستفيدُ الشاعرُ في نظمه من الحياة اليومية، فيوظّف ويستخدم ما شاع بين عامة الناس من الألفاظ الشعبية، والحكايات الشعبية، فالشاعرة تفاحة سابا من هؤلاء الشعراء الذين يوظفون الحكاية الشعبية والطرفة والصورة في شعرها، فقد رسمت لنا الشاعرة صورة لفتاة تجلسُ، وتبدأ بقطع أوراق الوردة، وهي تقول بصوتٍ خافت خفيض «بحبني... لا يحبني...» وكأنها تريد أن تستفتي الوردةَ التي بين يديها في معرفة حبّ الحبيب لها. « تحتجب عنّي الرؤية/ وأفيض عن ذاتي حُزناً بين تعاريج الطريق/ فأعود إلى لعبتي وأنا طفلة/ أقتطعُ وريقات الوردة لأستعلم الغيب/ وريقةٌ أولى يُحبني/ تليها أخرى لا يُحبني/ ويكاد قلبي يسقط منّي قبل الوريقة الأخيرة/ ثم أُعيدُ اللعبة/ وريقة أولى سيأتي، تليها أخرى لن يأتي/ وأتابعُ...وأتابعُ...وأتابعُ . (ص 149) فالشاعرة تتواصل مع التراث الشعبي وتوظف هذه اللعبة في شعرها بأسلوب جميل ومقبول يضيفُ جمالاً إلى النص الشعري، وتنتفع من الحكاية، وتوظفها لصالح فكرة نصها الشعري، وتوظيفها للحكاية يجعل النص أكثر واقعية وأكثر قرباً من المتلقي، فهي ترسم لوحة شعبية اجتماعية تزيد من جماليات النص. ويظهر توظيف الحكاية الشعبية في قصائد أخرى كقصيدة بعنوان (في عُمق أحزاني) فهي توظف القصة الشعبية المعروفة علي بابا والأربعين حرامي وقصة خروج المارد أو الخادم من القمقم على شكل دخان فتقول: سأعدُ لك كلّ ما يثيرُ شهيتك/ ويستبقيك/ سأستعين بالجان/ بعلي بابا والأربعين حرامي/سأخرج إليك َ من القمقم/ أتلوى كالدخان/ سألتف حولك كأفعى الجنة/ حتى تنسلُ من ماضيك الذكرى/ كما الخيط من الإبرة (ص 94) ومن التقنيات التي وظفتها الشاعرة في ديوانها « ظاهرة التناص» وأعني هنا التناص الديني، فقد ظهرت تقنية التناص بأشكالٍ عديدة، منها التناص مع المفردة القرآنية كما في توظيف الشاعرة لمفردة جهنم، وخشية، وصلاة....وغيرها من المفردات، و أحيانا يأتي التناص مع المفردة القرآنية والقصة القرآنية كقول الشاعرة في قصيدة بعنوان ( حبات اللؤلؤ ) : ليس رغبةً في استزادة...ولا شهوةً في استثارةٍ/ بل خشية أن ترى عيناك َ/ لهفة السنين لاحتضانك َ/ وحزن السنين لفقدانكَ/ وخوف السنين للقياك/ وخوفاً أكبر/ أن ترتعش حباتُ اللؤلؤِ في عينيّ/ أن تنزلق/ فترى عيناك َ/ كم راودتني في أحلامي عن نفسي/ وكم راودتكَ....(ص 45-46)؟ فالتناص هنا كان مع المفردة القرآنية (راودتك) ومع القصة القرآنية في قصة مراودة امرأة العزيز لسيدنا يوسف عليه السلام، وهذا التناص أضفى المزيد من الجماليات على النص الشعري. وأحياناً تلجأ الشاعرةُ إلى ما يسمى بالتناص الاجتراري ويتمثل في تكرار النص الغائب دون تغير كما في تناص الشاعرة في قصيدة بعنوان (لغة جديدة) تقول: ولا أشبه أيَّ قالبٍ قد تقيم ُ به لاحقاً/ أنا أجيد فن الإرباك/ ولستُ من صنف « إنّ كَيدهُنّ عظيم» (ص 159). فشاعرتنا تفاحة سابا، شاعرة تنهلُ من أنهار المعرفة المتدفقة، صاحبة ثقافة واسعة، تجيدُ سبك الحروف والكلمات، وفق تجربة واعية وعميقة، وكفاءة عالية تنم عن حس شاعري يُحسن اختيار الصور والكلمات، وقد لا يسمحُ لنا المجال بالتجول بين الصور الشعرية التي أضفت المزيد من الجماليات على نظم الشاعرة، وكما أجادت في توظيف تقنية التناص بأنواعه وأشكاله وفي توظيف السرد والحكاية، فقد برعت في توظيف الألوان في الكثير من قصائد الديوان، بالإضافة إلى توظيف الأسطورة، حتى عنونت أحدى القصائد ب(إيزيس). الديوان صادر عن دار جفرا ناشرون وموزعون، في غلاف جميل وملفت، وطباعة أنيقة، قدمت للديوان راوية جرجورة بربارة بمقدمة مفيدة ذكرت فيها بعض السمات الفنية التي ميّزت هذا الديوان. الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الثلاثاء 14-06-2022 09:03 مساء الزوار: 394
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
وقفة نقدية مع ديوان «أنا فوق أرصفة جسدي» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-12-2023 |
قراءة في ديوان «المشكال» | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-12-2023 |
تقنيات التعبير الشعري وأبعادها الجمالية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 09-07-2023 |
لمحة عن كتاب ديوان الشاعرة باسمة غنيم ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 10-11-2022 |
ديوان لهدى أبلان يتأمل الحرب واشتعالات ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 21-10-2022 |
السمات الأسلوبية والمضامين الإنسانية في ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 19-03-2022 |
سيدة الوجع.. الشاعرة التونسية الشريفة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 18-12-2021 |
الحلم في ديوان «مرافئ الغيم» لرفعة يونس | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 18-06-2021 |
«طحين ألماس» ديوان جديد لهناء البواب.. ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 16-03-2021 |
“للعزيز نساء” يدعو المتلقي للبحث ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 05-09-2020 |
(التّحول والتّعرّف وجماليات التلقّي ) ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 20-05-2020 |
قراءة في ديوان (نار حطبها ثلج) للشاعرة ... | النقد والتحليل الادبي | اسرة التحرير | 0 | الخميس 14-05-2020 |
إشهار ديوان «خيوط دخان» لنعمات العزة في ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 22-01-2020 |
قراءة نقدية في ديوان (عتبات الغياب) ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 27-12-2019 |
الشاعرة هنادي الصدر تُشهر ديوانها الجديد ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 22-10-2019 |