|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
" أنشودة أخرى للوطن " للشاعرة مريم الخضراوي
عاشقة
الصحراء :
كان أول من قدم مجموعتي الأولى (أحاول أن أكتب عن السنابل) وكتب عنها بعد الأديب المصري أستاذ سيد صدقي.
وهاهو يكتب أيضا أول دراسة في ديواني الثاني (أنشودة أخرى للمطر)
الأستاذ محمد بن جماعة الشاعر والإعلامي من مدينة صفاقس الزاخرة بالثقافة والأدب ...
شكري وعرفاني واعتزازي أستاذنا القدير والصديق الراقي..
" أنشودة أخرى للوطن " للشاعرة مريم الخضراوي
غزل مزدوج للأرض - الوطن والحبيب
بقلم / محمد بن جماعة
إعلاميّ وشاعر - تونس
على إيقاع التعلّق بالوطن والحبّ والحياة، تستنفر الشاعرة مريم الخضراوي قلمها لنسج نصوصها اعتمادا على تجميع مساحات بصرية طبيعيّة تارة، وعمرانية مرّة أخرى لا تفارقها أوصاف الأرض والسّماء وما يدور بينهما من حركة غير منقطعة وأحداث متوالية بين مدّ وجزر أتونُه صراع بين نور وظلام.. واعتدال وتطرّف وبين ألم وفرح وصفاء وكدر.. الوطن: هذا الذي أرهق القدامى والمجدّدين الذين تدافعوا وتسابقوا في ذكره وتصوير مناقبه سواء بالحنين الوافر أو بالتّعبير عن فقدانه واغتصابه أو حتى ضياعه وهذا الوطن يكون عادة فضاء للحرّية والبحث في الفكر والهوية وأحيانا منفى وغربة.. كما ذهب إليه أدونيس:
" وطن بلا حدود،
أبحث عن وطن في داخلي
لا تحدّه السّماء،
ولا تغلق عليه الأرض،
وطن هو الحلم،
وطن ينساب في دمي.
يا وطني، كم مضيت بعيدا عنك
لأجدك في البعد
أشدّ قربًا. " (أغاني مهيار الدمشقي) أو محمود درويش في قصيد "وطن"
"علّقوني على جدائل نخلة
واشنقوني.. فلن أخون النّخلة
هذه الأرض لي.. وكنت قديما
أحلب النّوق راضيا ومولّه
وكلّ شبر خطى جدّي عليه
خاطت الرّيح ثوبه وظلاله
هذه الأرض جلد عظمي وقلبي
فوق أعشابها يطير كنحلة."
هو الوطن الذي تمسّكت به الشاعرة مريم الخضراوي لتضبط قداسته الموزّعة عند عناوين أحالت على انتظار متواصل يتشوّف لبداية تاريخ جديد ينعم فيه المرء بالحياة والحرّية رمزت فيه بتحليق لطيور مختلفة كالنورس والصّقر واليمام..
" بعد ثلج وألف موت
قد تشرق عيون حبيبي
وتقوم ساعة بلدي
تدقّ موعدها مع الحياة " - أنشودة أخرى للوطن" ساعة بلدي: ص: 15.
ويظلّ القارئ لهذه المجموعة مشدودا إلى ذاكرة الشّاعرة التي لا تغادر المدينة وشارعها الرئيسي والدكاكين وواجهاتها والمقاهي الحديثة وروائح الياسمين سليلة الانتشاء والحرّية والمزاج الحسن حتّى كأن الله يبارك هذا الجمال:
" وما كنت لأرمي خفّاشا إذ رميت
لكنّ الله كان هناك يحرس فجرنا..
على دم واحد تهارقنا
في الشّارع الوحيد...." المجموعة – على دم واحد: ص: 16 . وهو الشارع الرئيسي بالعاصمة، شارع الحبيب بورقيبة المكسوّ بالشجر الأخضر والألوان الضّوئية كأنّها منابع للطّاقة والحبّ الأزليّ.. فهل يكون هذا المكان مناسبا للنّشيد والتغنّي مرّتان الأولى بالوطن والثانية بالحبيب؟... أم أنّنا سنستمع بمواويل مزدوجة لا تفرّق بين العشقين بل تصبّهما في كأس واحدة.. لتدعم الشّاعرة بوعيها اللّفظي هذا الغزل المزدوج للأرض - الوطن والحبيب:
" ... في عينيك
صوّبت قصيدتي
وكتبت
اسم بلدي واسمي حبيبتك
لينمو بماء وجهك الشّعر ويصلّي
ليحفظ الرّبّ بلدي...." المجموعة – للعيون العسليّة: ص: 21 . فلا تقلّص لهذه القوّة الجاذبة ولا تأخّر في امتلاك التّعبير عن هذا الحبّ والاستمرار فيه ولأجله:
" أنا العشق المستمرّ يا ابن عروبتي
لبلدي الطّيّب للعيون العسليّة.. " ص: 22 .
وتبدو الشّاعرة على شغف عميق بالوطن ( البلاد ) والشّارع الكبير الرّمز من حيث مقاهيه ورائحة البنّ وخطى الشّعراء وأدخنة العربات فلا تكفّ عن ذكره ونقل ما فيه من صور وحركة نهاريّة وأخرى ليليّة يتقاسمها المارّون من غرباء وعشّاق للوطن والحبّ.. فهي المتكلّمة باسم كل غريب:
" لا شيء ثابت
في شارع ثابت
غريبٌ على مفترق يستأنس بغريب.../...
في نظرة إلى الآتي
إلى الشارع الجديد
شارعنا رغم تكلّس نتوءاته
أرحم بالمارّين وعجلات القادة العابرين
من الشّارع الموازي.." المجموعة – شارع الغريب: ص: 24 – 25 .
ويتواصل أداء الشّاعرة في تشخيص سقوط سابق للوطن في مطبّات اجتماعيّة وغيرها تسبّبت في سقوط الممتحَن.. وهو الوطن كصديق عزيز وأرض أمّ وحبيب حالمٍ بحياة مكتملة الرّفاه والحقوق وشروط الكرامة بعيدا عن أشكال المزايدات والمناورات الكاذبة:
" ... أنا في حلّ من سقطاتكم
وجدّي وأبي
وامرأة الحقل
وكلّ العشب الذي
نما في عيوني
وأطفالي..
لكم وطنكم ولي هذا الوطن
المضرّج بأحلامي.." المجموعة – سأخون وطني: ص: 29 .
تمضي الشاعرة مريم الخضراوي مصرّة على تأسيس نواة بوحها اللاّمشروط في مخاطبة الحبيب الحاضر في وجدانها والغائب في الوطن، السّاكن في كلّ خواطرها والموزّع في كلّ مكان.. حتّى تبدّلت الصّور بالكلمات المباشرة التي لا تخطئ مرماها كما يمرق السّهم في تفّاحة لتنشطر إلى نصفين من وهج انفلاق.. فهل يكمن هنا أن تتشفّى اللّغة الشّعرية في الكشف عمّا استعصى من وصف للأحاسيس وتمرّدٍ في نقل القول الصّادق لكلّ ما يختلج بين جنبي المحبّ العاشق؟..
" غزالي وأنت السّاقي وكبوة السّاقية
ازرع سجّادتك على مصلّى صدري
دفّئْ ضلعك المعوجّ واستر جنوني
وإذا نالني المسّ دثّرني
وقل ناقصة عقل ودين." المجموعة – ص: 36 .
نعم ينتهي الشعور بالحبّ بآيات الخضوع والتسليم، فإذا بالمتلقّي يتابع بانتباه شديد النّصوص الواصفة والأسطر الملتهبة الموشومة بالنّبض السّريع والرّكض في مساحات طويلة قد لا تسعهما جغرافيا الوطن.. لتكون إعلانا عن دخول لمرحلة المواجهة والخطاب الصّريح لحبيب لا تشاء الأقدار أن تنصفه عدلاً وانتصارًا واستقرارًا في كنف الحبيبة.. فهل هو التّسليم لما هو مقدّر أم فرصة سانحة لنحت صورة واضحة الملامح لامرأة من نور وجمال لا يخبوان..
" هنا انساح عطركَ
وانشقّ ثوب القمر
هنا ركضت في ليلي
كصبح ينبلج
كلّما انهمرت في قلبي
تسيّحت ذكراك
واتسعت بقعة ضوئك في دمي
بدمي أنتَ.. " المجموعة – أنت بدمي: ص: 46 .
وتستوي الحالة العاطفية على كرسيّ الشّغف لتستريح من جهد التعلّق والكبرياء وتستظلّ بشجرة الشّوق إنّه الشغف باكتمال القصّة مع الحبيب:
" يا رشفة الرمّان
لم يكن شرب الشاي
مستحيلا
ولا اكتمالي فيك يقينا
يا قصّتي الكاملة
على نحو اكتمالك في كاساتي..../.....
يا قصّة اشتهائي
كم جاهدت كي أصل نقطة
أبعد ما يكون
من فلسفة ارتوائي.../..." المجموعة – شغف: ص: 47-48 .
وتتواصل رحلة البوح في " أنشودة أخرى للوطن" في تنقّل مهيب بين امتداد الوطن وتعرّج الطّرقات فيه.. بين حركة مسرعة وتحوّلات عميقة شهدها المعاصرون لزمان معيش ومشترك.. غايته تأسيس ذات شاعرة واعية بمحيطها متمسّكة بأصالتها ومستثمرة كلّ التّفاصيل لقنص صور لا يمسك بها إلاّ مبدع تتشظّى على يديه المفردات وتلين بين أنامله الحروف لبلوغ مراتب أعلى في التّواصل الإنساني والتّفاهم البشري..
وتواصل مريم الخضراوي وضع رسومها الشّعريّة التي لا تحيد عن سلوك الأنثى الملكة برأيها وكيانها لتنهل من ينابيع الحبّ الصّافي وتنبعث من جفاف إلى ارتواء ومن سراب إلى يقين ومن جفاء إلى قبول.. موحية بانتصار لا مفرّ منه على من نأى عن النّور والتحف بالظّلام..
" اعصر ليمونك البارد على حمّى المسافة
اختصر الغياب
وانطفئ
كقصيدة حرّى في حظّ كتاب.." المجموعة :إنّي طلّقتك نفسي – ص: 66 ..
إنّ " أنشودة أخرى للوطن "مناسبة تتّسع لها مساحات التأويل والتفسير.. بين كيان منشد وروح عاشقة للحبّ والوطن.. واهتمام جليّ بالمكان والزّمان اللذين احتوتهما زخّات شعريّة أفقيّة وعموديّة لوّحت من خلالها مريم الخضراوي الشاعرة التونسية ببوحها المستمرّ وإسرارها إلى قارئها داخل وخارج الوطن.
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: السبت 02-11-2024 10:10 مساء الزوار: 33
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
"كسرت الأقلام وجفَّت ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 01-11-2024 |
«إيقاع بوح» للشاعرة د. سكينة مطارنة | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 09-04-2024 |
وقفة نقدية مع ديوان «أنا فوق أرصفة جسدي» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-12-2023 |
نظرات في روايتي «خلق إنسانا» و«أنا مريم» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 15-08-2023 |
قراءة في رواية( عشرُ صلواتٍ للجسد) ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 24-07-2023 |
"القدس بالرواية العربية" ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 04-07-2023 |
النسوية العمومية كتاب جديد للدكتورة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 21-06-2023 |
قراءة في كتاب «للأشياء أسماء أخرى» لروند ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 28-05-2023 |
دراسة التحليلية لقصيدة أمي للشاعرة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 16-05-2023 |
قراءة انطباعية في رواية "77 ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 06-04-2023 |
دراسة نقديّة لرواية "مزاد ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 19-02-2023 |
قراءة في رواية "احترَقَتْ ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 31-12-2022 |
"العائلة" كتاب جديد لسمر مصطفى ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 20-09-2022 |
السمات الأسلوبية والمضامين الإنسانية في ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 19-03-2022 |
«سكرة وجع» للشاعرة نـور الـهــدى أبـو ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 10-11-2021 |