|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
قراءة في ديوان (نار حطبها ثلج) للشاعرة والتشكيلية التونسية سماح بني داود اعدها د. مهند الشاوي
عاشقة
الصحراء :
نحاول الرسم بفرشاة ولون، نكاد أن نتعطش لفكرة أو مضمون، لخيال يسير بنا نحو الحنين أو الجنون، حدائق من ياسمين أو طير يطير كما نريد فننجح، ننجز لوحة ونلون اطراف القماش ونرتب إطارها كي تكتمل... نكتب، تترائى أمام اعيننا الصور والأحداث فنصيغها حروفا وكلمات كما هي، فنضع كُحل خبراتنا كي تنسجم مع الحدث، وننجح في السرد قصة أو نصا شعريا. لكن حين نحاول أن نرسم بالحروف فإننا بذلك نحاول أن ندمج الحدث الحَرفي مع اللون، صعب أن يتحد الشكل والمضمون مع الحروف، ومن يفعلها فقد تجاوز المألوف! إن اتحاد اللون مع الحرف مسؤولية انفرادية يتجاوز فيها الكاتب حرفية اللون وإمكانية الكتابة .. وهذا ما فعلته حروف الّوان شاعرتنا التشكيلية سماح بني داود في اصدارها الجميل (نار حطبها ثلج). كنت اقرأ حروفها بهدوء يشبه هدوء الشاعرة ورصانة حركاتها ودقة كلماتها حين تقرأ او تتكلم، قراءة من يعرفها جيدا، (فهي الصديقة المحترمة التي عرفتها عن قرب) كنت اقرأ لوحات تشكيلية إنسانية من حروف وكلمات تستنبط الحدث الفني المرسوم وتصيغه نصا شعريا .. تقول سماح : متيمة انا بسواد الليل في عينيك منفلتة لِأحضان ملاذك مبعثرة بين القطر والرذاذ ألا ايها الريح العطر الملتصق بأجنحة اشتياقي التف بي حتى تقيني لسع الغياب
حين اُدقق في النص أجدني أمام لوحة تشكيلية قد رسمت بعناية كبيرة وبشغف إنسان محب للفن والأدب والإنسانية، فها هو اللون الأسود الداكن في الأعماق الإنسانية يرتسم في عيني من تُحب، تناديه الوانها كريح الخريف التي تجعل الأوراق تذبل، والجلود تحن إلى ما يقيها البرد السماوي الحالم بالأمنيات .. ان كتابات الشاعرة تجعلك تتوه في البحث عنها، ذلك انك لن تستقر على حال، ولن تعرف مرادها بسهولة، فهي تعرف نفسها ومن تكون، وتعرف انها إلهة وملكة متوجة على عرش الجمال اللوني والحروفي، فهي من زمن الاقدمين علّيسة وعِشتار ... تقول سماح بني داود:
إلهة أنا ركعت لها سلاطين الحروف وخلقت على يدها الأبجديات ..
فنحن ملزمون أن نرى تلك اللوحة التي لا تفارقها، فهي ترى انها إلهة تتحد مع الأبجديات، وما الأبجديات إلا حروف عشق لإنسانية رَسمت لوحتها .. ان مكامن القوة في شخصية الشاعرة وجدتُها ويجدها القارئ ما بين حروفها تارة، ومابين خليط الوانها تارة اخرى، مع انها لم تخرج من دائرة انفلاتها الانساني، منفلتة اللون ملتزمة الحرف بجرأة، وكمعادلة رياضية أنيقة وصعبة تحير القراء... مع سر يحتويها لتقول أنا هنا رغم احتراقي .. وفي نص آخر تقول سماح:
اشعر بأناملك تحتل دانتلي الأسود وصهيل أنفاسك يتردد هنا يحتل فضاء غيمتي .. إنها إنسانة جريئة حتى في التزامها في بوح الوانها المكونة من حروف العشق الكبير ومن عتابات تنادي بها محبوبها الافتراضي تارة وربما هي من تريد أن تقول لحبيبها .. انني هنا ما زلت بكامل قوتي وجبروتي ... إذ تقول: إذا كان حبك هكذا يا انت... فأنا أناجيك صرخا يا قلبا يخترق الحب كالحطب يحتاج الحرق أما الشريان فقد غدا كالحديد أدمن الطرق ..
وفي تحديها لمن تحب ولتبيان مدى قوتها كإنسانة خبرت الحياة بتجاربها التي قد اكلت منها سنينا .. تقول:
أشبعتك حبا وعشقا نزفا وشوقا جنونا وطيشا ومع ذلك... مت على باب قلبك .. جوعا ..
ورغم ذلك الوهج الخرافي الذي يحيطها زهوا ولربما غرورا الإ انها تناديه ..
تستفزني انوثتي لشيء اسمه إنحراف أريد يدك فمك والعرق الخاص بك عطرا على جسدي ..
انها ترسم لوحة من حب وعشق ابدي بمناداتها، وهي بجرأتها التي عودتنا عليها في كتابها تقول انني الإنسانة ها هنا ولدت وهاهنا اعيش ما بين ثنايا الارض التي احببتها وعشقتها، سأحيا عاشقة للأرض والحرف وإلى لون الحياة وهي تُحكل عينيها .. إن مجموعة (نار حطبها ثلج) ملحمة ممسرحة كتبت بإتقان وإحساس عال جدا، يمكن للمتمعن أن يراها كلوحة تارة، وكمسرحية تارة اخرى، نعيشها على مسرح الحياة، فهي قد اختصرت مجموعة ارهاصاتنا الحياتية ما بين الحب والعشق والهجر والحرمان والاشتياق مرورا بحاجتنا كبشر إلى أن نكون متحدين دوما مع حبيب نحتاجه ونريده معنا، ننتمي إليه وينتمي إلينا .. لقد وفقت الشاعرة والإنسانة سماح بني داود في أن تجعلنا نعيش قصة النار التي حطبها ثلج، وأن تنجح في رسم لوحاتها الحياتية الكبيرة بخط واضح تماما للمتبصر بحروفها وما بين السطور .. د. مهند الشاوي فنان وكاتب - العراق الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الخميس 14-05-2020 07:12 مساء الزوار: 864
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
قراءة في رحلة (الطّريق إلى كريشنا) لسناء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 14-11-2024 |
" أنشودة أخرى للوطن " للشاعرة ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 02-11-2024 |
قراءة في رواية «النبطي المنشود» لصفاء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 04-10-2024 |
قراءة في كتاب «معاصر السمسم بين الماضي ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 22-09-2024 |
قراءة في بعض رموز رواية «الطنطورية» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 06-09-2024 |
قراءة في بعض رموز رواية «الطنطورية» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 09-06-2024 |
«إيقاع بوح» للشاعرة د. سكينة مطارنة | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 09-04-2024 |
قراءة في رواية صفاء أبو خضرة «اليركون» | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 14-02-2024 |
أدب المقاومة الفلسطينيّة عند سناء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 19-01-2024 |
وقفة نقدية مع ديوان «أنا فوق أرصفة جسدي» ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-12-2023 |
قراءة في ديوان «المشكال» | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-12-2023 |
رائدة الطويل في رواية «عابرو حريق»... ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 17-12-2023 |
قراءة في رواية( عشرُ صلواتٍ للجسد) ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الإثنين 24-07-2023 |
تقنيات التعبير الشعري وأبعادها الجمالية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 09-07-2023 |
قراءة في كتاب «للأشياء أسماء أخرى» لروند ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 28-05-2023 |