|
|
||
|
دراسة تحليلية ذرائعية لقصيدة: بوح للشاعر د. موسى الشيخاني بقلم الأستاذة إبتسام الخميري
ذوبان الذات العاشقة في الحبيبة..
دراسة تحليلية ذرائعية لقصيدة: بوح للشاعر الدكتور موسى الشيخاني من الأردن بقلم الأستاذة إبتسام عبد الرحمن الخميري من تونس
في مشيها
تتمايل كأنها...
امواج بحر
في السماء متلاطمة
وفي ابتسامتها .....
موت بلا رحمة
قاتلة .....قاهرة.....وفاتنة
ان كان حبك ذنب
فذنوبي كثيرة
وان كان سقم...
فلا اريد الشفاء
ماحيلتي؟
وطيفك يلاحقني....
وجمرات عينيك تحرقني
ماحيلتي؟
وحروف شعري
تعلمني
وقلبي يعصيني
ويهرع اليك
ماحيلتي؟
وصمت ليليا
يؤرقني
وضجيج وجداني
يوقظني..
قبلك ماكان للحب معنى
وبعدك......
كل انثى ......هي انت
#موسى_الشيخاني
ذوبان الذات العاشقة في الحبيبة..
دراسة تحليلية ذرائعية لقصيدة: بوح للشاعر الدكتور موسى الشيخاني من الأردن بقلم الأستاذة إبتسام عبد الرحمن الخميري من تونس
ما فتىء الشعر تعبيرا عن المكنونات و خوالج النفس على مرّ العصور و إلى يومنا هذا، ما يزال الشعر بشتّى أنواعه يكشف لنا عن أغوار الذّات الملتاعة.. و لعمرى لقد حافظ هذا الفن من الفنون على تنوّع أغراضه.. هكذا و منذ القديم ، نحت الشعر العربي تمثالا، إن صح الوصف، سعت كل الأقلام إلى الانضواء تحته.. لحدّ هذه الساعة..
فالشعر الغزليّ أقدم و أعظم فنون الشعر العربي لا يزال يحافظ على قداسته و علويته رغم تطوّر الإنسانية و التّقدم العلمي و التكنولوجي.. و الشاعر كذات مرهفة شفّافة هو الرّاسم لمَ يختبىءُ بين جنباته من إحساس و شعور بكلّ أمانة و صدق، فالشعر هو كشف فاضح لمَ يعيشه و يحسّه.. نتقاسمه معه و قد نعيشه معه وفق رسمه الذي قدّمه إلينا..
من هذا المنطلق نتناول بالدّرس قصيدة" بوح" للشّاعر الدكتور موسى محمد الشيخاني لأنها تنضوي تحت هذا النوع من الشعر الغزلي، كما يمكن إدراجها ضمن الغزل العذري لأن صاحبها قد رسم لنا خلجات نفسه تجاه حبيبته و وصفها بعبارات منتقاة ميّزتها عنده، و ذكر لنا أثرها على نفسه بل مرّر لنا مدى تعلّقه بها.. و كشف لنا أيضا معجمه الكلامي عن إيديولوجيته... حيث صرّح لنا عن حبّه المتفرّد السّامي الّذي يختزل الحبّ كقيمة إنسانية خالدة انبنت عليها الشعوب..
سنقوم بدراسة هذه القصيدة وفق النقد الذرائعي كنظرية جديدة لصاحبها عبد الرزّاق عوده الأغلبي، و هي نظرية تحليلية نقديّة علميّة تعتمد على مداخل محدّدة و علوم نفسية و نظريات فلسفية في تحليل النصوص الأدبية، سنأتي على بعض هذه المداخل بإعتبارها مداخل متباينة متعدّدة( 12 مدخلا) في قراءتنا لهذه القصيدة، في البدء نتعرّف على شاعرنا:
- التعريف بالشاعر:
د. موسى محمد الشيخاني هو الدكتور الإعلامي الأردني الأصل، الرئيس التنفيذي لمؤسسة عرار للشعر و الأدب و الثقافة، رئيس مجلس إدارة جماعة عرار، هو عضو في عدة جمعيات خيرية و إنسانية، عني بالطفل و المرأة و الإنسان عموما.. تقلد عدة مهام و مناصب سياسية و إعلامية كان لها تأثير كبير في بلاده و خارجه..
يكتب الشعر بأنواعه الشعبي و الفصيح و النثر و الخاطرة كما يكتب المقالات الأسبوعية..
بإعتباره فاعلا مؤثرا في سماء الإبداع الفكري و الأدبي سنغوص في أغوار نصه لنكشف خبايا ذاته، فإنّ النظرية البراغماتيّة تعطي النصّ الأدبي و الشعري قيمة مختلفة من نوع خاص، مستندة إلى مراحل علمية و نفسية لذلك سنأتي على:
1-البؤرة الثّابتة:
إنّ نص " بوح" يدعونا الإبحار في عالم الرّومنسيات، إن جاز لنا ذلك، إنها رسالة للحبيبة و دعوة للانضمام إلى عالمه الخاص حيث الحبّ اللامتناهي المتسربل مع الذّات، سلاسة اللغة و بساطتها و صور شعرية غاية في الحبكة و الحنكة...
لكأنّه ترتيل منغم في ملكوت العشق السّرمديّ: الجوى و الصّبابة، عسى شاعرنا قد نحا منحى الغزل العذري بإعتباره قد صوّر لنا خلجات نفسه و مدى تعلّقه بحبيبته و عجزه عن المضي دونها.. كما أكّد لنا عن مواطن تميّزها عنده حين وصفها... و قد أصرّ لنا عن ذاته الملتاعة و حرقته كانصهار و ذوبان في ذات حبيبته... معتدا بعض الاستعارات و التشبيه و الاستفهام الاستنكاري.. كما ظهرت لنا كلمات من معجم قانوني( ذنب، ذنوبي) تكشف عن عمق تجربته بأسلوب سلس .. يأخذنا معه في رحلة العشق و الهيام بصدق المشاعر و نبلها...
2-الاحتمالات المتحرّكة في النصّ شكلا ومضمونا:
أول ما يتبادر بالذّهن هو هذا " البوح " عنوان يكشف لنا عن هذه الحقيقة التي ستنكتب و تهمس للحبيبة كما تهمس للقارئ دقات القلب الملتاع الذّائب في حبيبة من طراز مختلف.. لها مميّزاتها عند شاعرنا تجعلنا تسمو عن غيرها من النساء.. فهو العاشق المتعذّب القابل بل هو من اختار هذا الحبّ:
إن كان حبّك ذنب
فذنوبي كثيرة..
و هذا انزياح لغوي، إن كان العشق يحيل على السلام و الطمأنينة فإن الذنب يدل على خلاف ذلك، حين يصبح الحب مصدر الخطيئة و القلق عوضا عن الراحة و السكينة..
الجدير بالذكر أن هذه القصيدة تبدو مسرحية كلاميّة قائمة الذات، الفصول. نشرع في مشهد أول بمشاهدة وصف الحبيبة ، مشيتها، ابتسامتها، طيفها، عينيها،
ليعرج بنا شاعرنا الفذ إلى ذكر مدى تعلقه بها و أثرها على نفسيّته فهو يبوح صراحة بهذا الحب متملّصا من كل عادات وتقاليد عربية قد عرفناها.. ليفوز بهذا التصريح و يخلّد اسمه في معجم الشعراء المتيّمين.. و لن يخجل من وصف حيرته... و تنزل السّتارة بإقرار شاعرنا بهذا الشعور السّامي:
كلّ أنثى ... هي أنتِ.
هي ما يروم وصالا، و يسترسل شاعرنا الدكتور موسى الشيخاني في تمجيد الحبيبة:
" في مشيها
تتمايل كأنّها...
أمواج بحر"
لقد استهلّ الشاعر قصيدته بوصف مشية حبيبته و شبّهها بالبحر هذا العنصر الطبيعيّ الّذي يحيلنا على رحابته و مدى اتساعه و ما يحويه في باطنه من عوالم خفيّة مبهرة، هي مشية الحبيبة المتمايلة و ذلك ما خفق له قلبه و بهره، الأمواج بما هي هيجان و حركة متقلّبة لمياه البحر.. عسى حبيبته متقلّبة مثلها.. بين اللّين و العنف كما للأمواج هذا التّنوّع و الاختلاف، فالأمواج قد تكون هادئة أحيانا و قد تكون في عنفوان غضبها و سخطها أحيانا أخرى...
هي هكذا حبيبة شاعرنا: هدوء و صخب في آن. خاصّة و أنّها :" في السماء متلاطمة" فيبرز لنا هذا الحب الّذي لا يرى، و من العشق ما قتل، شاعرنا يعشق صخب و قوة و عنفوان امرأته المتعالية، الشامخة في السّماء.
ثمّ يسترسل في الوصف، و رسم ما ميّز هذه الحبيبة:
في ابتسامتها
موت بلا رحمة
و تتحوّل الابتسامة بما هي موجات إيجابية و انبعاث للحياة و السّعادة و الأفق الرّحب، تتحوّل إلى موت، فناء، بل هو موت بلا رحمة، و بأسلوب تقريري لما ذكره سابقا، هي كأمواج البحر لا رحمة لها لأنها تفتك بحياة هذا العاشق المتيّم، فترديه قتيلا صريع حبّها.
فهي القاتلة و الفاتنة في ذات الوقت لأن ذلك ما عاشه الشاعر، ذوبان في عشقها.. و يتواصل تأكيده و اصراره على الفناء و الموت الخالد في هذا الحب و يعلن:
" إن كان حبّك ذنب
فذنوبي كثيرة "
من القاموس القانوني انتقى دكتور موسى الشيخاني مصطلحات قانونية( ذنب، ذنوبي) ليدعّم مكانة الحبيبة عنده و يؤكّد التزامه بعلاقته، فحبّها ذنب يستحقّ عليه العقاب؟؟
هل يتحوّل الشعور الجميل إلى جناية؟؟ و هنا نرى و كأنّه يلتقي مع الشاعر المغربي أحمد الشاهدي ارميل الذي اعتبر هو أيضا الحبّ ذنب و هو قابل به:" مذنب أنا إن لوّثه لمسي."
غير عابىء بما حوله، يواصل شاعرنا الإعتراف بحبّه مهما كان، ذنبا كان أم سقما،
و إن كان سقم...
فلا أريد الشفاء"
إنّه يختار السّقم، المرض، العلّة في هذا الشعور على أن يتخلّص منه، و أنّى له ذلك و هو المتيّم، الّذي لا يمكنه الابتعاد و لا الحياة دونها، و طيفها يلاحقه و عيناها تأسره، تحرقه:
" ما حيلتي؟
و طيفك يلاحقني...
ما حيلتي؟؟
و حروف شعري..
تعلمني..
ما حيلتي؟
و صمت ليلي
يؤرّقني.."
لا مهرب له من قضبان هذا الحبّ الشّقيّ المتعب، المميت و الآسر له في آن، فعشقها السّرمديّ خالد بخلود هذه القصيدة و هذه المشاعر التي كشفها لنا معبّرا عن مدى تعلّقه بها إذ لا يمكنه الاستغناء عنها...
و لئن استفاق فهو يعلن لنا إعلانا صريحا:
قبلك ما كان للحبّ معنى
و بعدك...
كلّ أنثى... هي أنت."
هكذا اختزل الشاعر الدكتور موسى وجود كلّ أنثى في ذات الحبيبة، حيث تنصهر كلّ الذّوات الأنثويّة المحيطة به في ذات الحبيبة.
فهل يجوز لنا القول أن الشّاعر قد اختزل الحياة في مصبّ حبيبة يعشقها؟؟ أليست هي الوطن، البلاد، و هو الّذي أمضى عمره في العطاء والبذل ينهل منه النجاح و الخلود في مختلف الميادين التي ولج؟؟؟ فصار هذا الحب حبّا خالدا لن يُمّحى و أنّى له؟؟ و هي " ذنوب كثيرة " عساها اهتمامات متباينة، متفاوتة، مختلفة، نابعة جميعها من صدق المشاعر و أصالته و تجذّره في العطاء.
هو الحبّ الّذي يرسم على الجبين فلا مهرب منه. هو العشق الخالد الأزليّ قد رسمه لنا الشاعر.
حينما نمرّر هذا البوح لنكشف عن التيمة و مقياس الدّقة في الإبداع الشعري، يظهر لنا جليّا مقياس نقد المعنى، وفق النّظريّة الذّرائعية، يظهر قصيد صادقا، بالغ الأهمية إضافة إلى مقياس نقد العاطفة، حيث لا يختلف اثنان أنّ شاعرنا صاحب القيم النّبيلة و الأخلاق الرّفيعة له عاطفة صادقة تربّى و جُبل عليها.
هو فيض من الحبّ اللامتناهي لمحبوبته.. هذا القصيد مرآة تعكس لنا بصدق و أمانة قوة الصّور الشعريّة على بساطة لغتها و سلاستها.
هي انتصار الذات الإنسانية العاشقة على هذا الزّمن الآهل بالتكنولوجيا.. فالبقاء للمشاعر المقدسة.
الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: السبت 12-09-2020 10:23 مساء الزوار: 227 التعليقات: 0
|
|