|
|
||
|
قراءة في ثلاث قصص قصيرة جدا د. حمد الحاجي من تونس بقلم الناقدة سهيلة بن حسين حرم حماد
===== ======= قراءة في ثلاث قصص قصيرة جدا للدّكتور حمد الحاجي من تونس
========= فرجة ====
1- المايسترو امرأة ا========= أفجرنا، هاربين منهم.. لما قطعنا مسافات تيه لمحنا الحراس يربطون رجالا الى أعمدة الخشب.. متضاحكين يرشقونهم بالرصاص... وفيما كانوا یربطون جثث القتلى من خلاف ويرمونوها في عربات، انتبهتُ الى يد أمي تزرع قطرات دمي المتناثرة فسائل… فسائل ..!
ا======ا 2- ركح ا======== العاشقات اللائي خبَّأنني في ضفائر شعورهن، وفي بسمة كل عابرٍ.. وعلَّقنني بقنينة عطرهن حين داهمهنّ البوليس.. لم تَسٓعٓهُنّ صالة العرض السخي للحكومة، ليغنين سنفونية للوطن ..!
ا========== 3- المشهد الرابع ا========== ظلام، فإنارة.. وتصعد أرواحهم.. مثنى مثنى.. على الركح.. واحد فقط.. يمرقُ بقميصٍ أبيض ملتهبٍ.. يتخطى المتفرجين.. كضجيج بداخلي، أفسح له الطريق.. فوق الممشى، مرفوع الهامة يبصق بوجوههم.. يرشقه الجنود.. رصاصات.. رصاصات.. بينما تتساقط الجدران خراطيش.. خراطيش.. متهاوية..مرتجفة..
======== ===========
القراءة
ثلاثُ ققج يربطُ بينهَا: صانعُ ألعابٍ ماهرٍ يُتقنُ الصّّنعةَ إلى حدِّ الإبهارِ والدّهشةِ، لُقِّبَ بعدّةِ ألقابٍ... تَميّز في الثّلاثياتِ بدونِ منازعٍ، برَعَ في نسجِ الحكائيّةِ، فنِّ الغزْلِ، إيقاعِ الاختزالِ، براعةِ الحذفِ والإيجازِ وإحداثِ المفارقةِ، الموازنةِ، والنّغمِ والتّنغيمِ؛ لشدِّ المتلقِّي، بالعملِ على إرباكهِ وإحداثِ الرّجّةِ لإرغامهِ على التّفكيرِ وسحبِهِ إلى حلبتِه، مُعتمِدا فنَّ التّشويقِ والإقناعِ لمصداقيّةِ الرّبطِ بينَ السّببِ والنتيجةِ، لإحكامِ الحبكةِ وإيجادِ المعادلةِ عبرَ تدرّجٍ رصينٍ يؤدِي إلى تلذّذِ اللّغةِ من خلالِ عرضٍ يؤدي إلى نتيجةٍ منطقيّةٍ... تخدمُ الفكرةَ ،والموضوعَ، والرّؤيةَ، فِي مشهديّةٍ عاليةِ الجودةِ تؤكّدُهُ الثُلاثيةُ، التي بينَ أيدينَا و العناوينُ الثّلاثةُ المنتقاةُ بعنايةٍ فائقةٍ. 1-الميسترُو امراةٌ. 2 - ركحٌ. 3--المشهدُ الرّابعُ ساعدَهُ في ذلكَ فكرٌ عميقٌ، زادٌ لغويٌ غنيٌّ، معرفةٌ بالبلاغةِ، حسنُ اختيارِ الفعلِ المحرّكِ؛ والاسمُ الرّامزُ للمدلولِ فيّاضٌ للْمعنَى، المُدرِّ للدّلالاتِ، المولّدِ للصّورِ، الدّافعِ للإيحاءِ... من خلالِ تشييدِ هرمِِ شاهقِ البِنيةِ هيَّأ لهُ كلَّ الظروفِ الملائمةِ للنّجاحِ، بدءاً من الفكرةِ إلى الموضوعِ، واختيارِ الشّخوصِ المؤدّيةِ للأدوارِ الدّاعمةِ للشخصيّةِ الرئيسيّةِ، وتطويرِ الحدثِ من دونِ إسهابٍ ولا ترهّلٍ فِي كلِِ ق ق ج، معَ العملِ على نموّهِ في ذهنِ المتلقِّي وتحريكهِ بتطعيمهِ بقصّتينِ قصيرتينِ جدًّا تعملُ كلٌّ منهُما منْ ناحيتِهَا علَى نموِّ الفكرةِ معَ الحرصِ على الاختزالِ فِي كلِّ المراحلِ من الفكرةِ و الحدثِ والموضوعِ والشّخوصِ لبلوغِ الرّؤيةِ بعدَ الارتواءِ إلى حدِّ الامتلاءِ لتقمّصِ شخوصِهِ الأدوارَ ببراعةٍ في كلِّ جزءٍ من أجل بلوغ الكمالِ عند الانتهاءِ من رسمِ البيئاتِ الثّلاثِ للق ق ج الثلاثةِ ، مع أخذِ الاعتبارِ من الزّمنِ، والأمكنةِ، فجاءتْ ثلاثياتُهُ حيّةً بها أرواحُ أبطالِها، ذاتَ طابعٍ كونيٍ تصلحُ لل(هُنَا) كما لل(هناكَ) ولكلِّ الأزمانِ، الأمسِ واليومِ والغدِ. استحالتْ صورًا متحرِّكةً، في ذهنِ المتلقِّي تغزوهَا الحواسُّ كالسّمعِ والبصرِ والحسِّ واللّمسِ والشمِّ والذّوقِ... كما نلاحظُ، الزّمانَ والمكانَ اتحدَا، وتوحّدَا مع الحدثِ، والذّواتِ المقهورةِ، عبر حبلٍ سِرِّي اسمهُ وطنٌ منكوبٌ، وشعبٌ مقهورٌ، وُلدَ وبيدهِ شهادةُ وفاتهِ، قبلِ استخراجِ شهادةِ ميلادهِ. شاهدٌ وشهيدٌ، روحٌ تصعَّدُ إلِى السّماءِ، معلنَةً الانتصارَ على الأوضاعِ. ساردٌ عليمٌ، رُعبٌ من الحرّاسِّ، والبوليسِ، والجنودِ، خشيةٌ من فقدِ عزيزٍ مجدّدًا، وسلبٌ للحرّياتِ من جديدٍ، علَى أثرِ وشوشاتٍ، ووشاياتٍ، ومؤامراتٍ، تحاكُُ في السرِّ والعلانيةِ. جنودٌ ورّصاصٌ، و قنابلُ، خراطيشُ، يقذِف بهَا سِربٌ من طائراتٍ حربيّةٍ، مذكورةٍ في الققجَ، التسلسلِ الأولِ، (الميسترو امراةٌ)، عبرَ الإيحاءِ ، والأخرَى رصاصاتٌ غيرُ ملفوظةٍ في النصِّ الثّانِي، (ركحٌ)، محمولةٌ في مسدّسِ البوليسِ، الرّمزُ يوصلنَا إليهَا، الإيحاءُ، التّرميزُ، وقاعةُ عرضٍ لأحداثٍ، مكانِ التعذيبِ، يقع على ركحِ الحياةِ، ممسرحةً في المنافِي والمعتقلاتِ والبحارِ والزّنزناتِ وفِي المستعمراتِ، حيثُ تُعزفُ سمفونيَةُ الموتِ، ملوّنةٌ بشتَّى ألوانِ التّعذيبِ، تقودُ الفرقةَ الموسيقيّةَ في ال(هناكَ)، (مايسترو امراةً معرّفَةً) حياةٌ، وطنٌ، وأمٌّ معطاءٌ، تمنحُ الحياةَ، وتهبُ الأرضَ فلذةَ كبدِهَا وتبقَى تتلظّى، وتضخُّ الأرضَ عازفةً سمفونيّةَ الموتِ، بإيقاعِ تكرارِ التّشظِّي وظلالِ النّقاطِ المتتاليةِ، وقصفِ القنابلِ ورميِ الرّصاصِ بالرّشقِ، وبضحكاتٍ، صراخٍ، قهقهاتِ التّعذيبِ، وبقرعِ شظايَا، إرهابُ نغماتٍ،... فسائلُ، بدمٍ سائلٍ... كتقنيّةِ ريٍّ حديثةٍ، كبلاغةٍ في التشبيهِ... كما ترقصُ الرّصاصاتُ والخراطيشُ هي الأخرَى على إيقاعِ التّكرارِ والتّشظِي في احتفاليّةٍ بالموتِ... (رصاصاتٌ... رصاصاتٌ ...) و(خراطيشُ... خراطيشُ...).
اختلفتْ المسمّياتُ، والحقيقةُ واحدةٌ، رُعبٌ فإرهابٌ، قتلٌ وتقتيلٌ، تعذيبٌ جسديٌّ ونفسيٌّ، قصفٌ، ورميٌ بالرّصاصِ لمواطنينّ عُزّلٍ يدفعونَ ضريبةَ حظٍّ سيِّءٍ، أوقَعَهُمْ علَى أرضٍ غنيّةٍ حبَاهَا المولَى بمناجمَ، خيراتٍ، وشمسٍ وطقسٍ جميلٍ في ال(هنَا) وال(هناك)، غيرَ أنّ القدَرَ قذفَ بهمْ وأوقعهُمْ في حسدِ الزّبانيةِ وكيدِ الكائدينَ، فأرّقَ مضاجعَهمْ بمواجِعَ، نتيجةَ فواجِعَ، قصفٌ واغتيالاتٌ، وتعذيبٌ، توالتْ الفواجعُ، والمواجعُ، و الفقدُ، فخابتْ آمالُ بعضِ الشّعوبِ واستبدلتْ أحلامُهمْ بكوابيسَ، فضاقَ المكانُ رغمَ رحابتهِ، نتيجةَ رائحةِ الموتِ المنتشرةِ، وهولِ فظاعةِ ممارساتٍ أرّقتْ مضاجعَهمْ، وحَرمتهُمْ متعةَ الاستمتاعِ،بنعمةِ الحياةِ فرَّ بعضُهمْ إلى البحرِ أمَلا في تغيير واقعهم، امتدتْ إليهمْ الأيادِي من كلِّ مكانٍ مدّعيةً المساعدةَ، كما امتدتْ الأيادِي في الصّورةِ المرافقةِ، ظنَّ الغريقُ أنّها النّّجدةُ وطريقٌ للجنّةِ والنّجاةِ؛ فإذَا بتلكُمْ المنظّماتِ تلقِي بهمْ في العدمِ والعبثِ، قدّمتْ بعضَهم طُعمًا وطعامًا للأسماكِ .... أيادٍ تتحرّكُ من وراءِ البحارِ، وفي الأجوارِ وفوقَ البواخرِ تتفاوضُ وتُراوِدُ من أجلِ ربحِها الخاصِّ على حسابِ أبرياءٍ لفَظتهُم أوطانُهم من أصحابِ الشّهاداتِ وغيرِهِم، الذينَ تقطَّعتْ أنفاسُهُم، لهثًا وراءَ عقودِ عملٍ، ووهمِ عُبورٍ، تتعاملُ معَ (قَبَضيّاتِ) تُجارُ الموتِ فتُوقعُ ببعضِهِمْ، قربانًا لحيتانِ المافِيَا، وتفاوِضُ بآخرينَ... في العَلنِ وفِي السّرِِّ تتلقفُ المساعداتِ... تتوالَى النّكباتُ وتزدادُ خيبةُ أولئِكَ، فيتبدَّدُ كلُّ أملٍ فِي غدٍ أفضلَ، بفضلِ نتيجةِ نكباتٍ وخيباتٍ خيّبتْ واقعَهُمْ، وحاضرَهُمْ فأدارتْ لهمْ الحياةُ ظهرَهَا، تاركةً إياهُم يتخبّّطُونَ وسطَ وهْمٍ، همٍّ وغمٍّ، دمٍ، وغطرسةِ حرّاسٍ لجماعاتٍ تصدّرتْ المواقِعَ والأحداثَ في ال(هنَا) وال(هناكَ) على البسيطةِ في البرِّ والبحرِ، مدّت إليهمْ أيادٍ ملوّثةً، بالحقدِ وبشعاراتٍ مزيّفةٍ، يتشدّقونَ بهَا من علَى المنابرِ، تبدُو إنسانيّةً في الظّاهرِ، تخدِمُ خير البشريّةِ، فتكتّلتْ دولٌ على دولٍ، باسمِ الديمقراطيّةِ الحقِّ، بما فيهِم القدَرُ، فسلبوهُمْ آخِرَ مَا يملكُونَ، لأجلِ حَرقَةٍ كآخرِ فرصَةٍ، وتخلصوا من أولئِكَ المنكوبِينَ الذّينَ أوقعهُم حظُّهُم السَّيّءَ بين أيديهِمْ، فعلِ الاختيارِ، و تركوهُم للقمْع مجبرينَ على تقمُّصِ دورِ المفعولِ به، بعدَ أن تألَّبَ ضِدَّهُم وتَكتَّلَ عليهمْ،القدَرُ، الذّي انتزعَ منهُم فعلَ الاختيارِ وتركهُم للقمعِ و الجبرِ، مجبرينَ على واقِعٍ وقعَ عليهِمْ، منْ دونِِ أن ينتخبُوه، واقعٍ مُرٍّ عجرمٍ، لم يتكفّلْ بجبرِ الأضرارِ...تُزهقُ أرواحٌ... يصوّرُ لنَا الق ق ج روحا تَصّعّدُ إلَى السّماءِ كشهِيدٍ صوَّرهُ لنَا كأنَّهُ الصّادقُ الوحيدُ، يمرُقُ بكفَنِهِ الأبيضِ، كأنَّه ملتحِفٌ بالرّايةِ البيضاءِ، رايةِ سلامٍ كثوبِ عرسٍ، يشعُّ نورُهُ .مخترقًا الجموعَ الغفيرةَ، للجمهورِ، المتجمهرِ الذِي كان حاضِرًا ساعةَ العرضِ كشاهدِ عيانٍ، على معركةٍ غيرِ متكافئةٍ، غلَبَ عليهَا القمعُ والتسلّّطُ، والتَّجبُّرُ، بفعلِ تسلُّطِ السُّلطةِ الأبويّةِ، بحُجّةِ الحمايةِ الأبديّةِ، المؤدّّيةِ إلى العبوديّةِ، هدفُهَا آخرَ المطافِ إسكاتُ أصواتِ الأحرارِ برشقِهِم بالرَصاصِ...
سهيلة بن حسين حرم حماد سوسة جويلية 2020 الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: السبت 12-09-2020 10:36 مساء الزوار: 220 التعليقات: 0
|
|