|
|
||
|
قراءة نقدية معمّقة لقصيدة "نشكو من الحر؟" للشاعر صلاح الورتاني .. إعداد: د. موسى الشيخاني
قراءة نقدية معمّقة لقصيدة "نشكو من الحر؟" للشاعر صلاح صادق الورتاني – تونس....إعداد: د. موسى الشيخاني الرئيس التنفيذي لمؤسسة عرار العربية للإعلام رئيس مركز عرار للدراسات الأدبية والنقدية والنقد المقارن
أولًا: مدخل إلى سيرة الشاعر صلاح الورتاني الشاعر صلاح صادق الورتاني هو صوت تونسي متميّز في فضاء الشعر العربي المعاصر، يجمع بين الحس الوطني والبعد الإنساني والديني في كتاباته. وهو دبلوماسي متقاعد تفرّغ للثقافة والشعر، وقد راكم تجربة ثرية بالمشاركات في الملتقيات المحلية والعربية، وتُوّج بعدد من الجوائز والتكريمات، منها درع مهرجان كنوز الإبداع بشرم الشيخ 2024. أصدر ديوانًا شعريًا بعنوان "مسافر عبر الزمان" طُبع في القاهرة، ويُعدّ من الفاعلين في المشهد الثقافي من خلال عضويته في الجمعيات ومشاركاته الإعلامية، فضلًا عن كونه كبير سفراء جماعة عرار للأدب والثقافة والشعر العربي والنبطي في العالم، وعضوًا بمجلس أمناء مؤسسة عرار العربية للإعلام.
ثانيًا: القراءة النقدية لقصيدة "نشكو من الحر؟"
1. بنية القصيدة ومضامينها: القصيدة تقوم على القصيدة الموقفية أو "شعر الخطاب المباشر"، حيث تتخذ من الاحتجاج الأخلاقي والديني والسياسي بؤرة مركزية. يبدأ الشاعر بملاحظة ساخرة/واقعية: نشكو من الحر؟ قالوا: الدنيا حر ثم يعقّب بتهكم لاهب ومفزع: قلت: نار جهنم أحر
إنه ينقل القارئ من المناخ الحسيّ إلى المناخ الميتافيزيقي الأخروي، حيث يصبح "الحر" المعاش مجرد ذريعة للتنبيه على أشد أنواع العذاب. ويجعل من "نار جهنم" نقطة ارتكاز رمزية لكل التهاون الأخلاقي والاجتماعي والسياسي الذي يشهده العالم العربي.
2. الرؤية الدينية والاجتماعية والسياسية: تحمل القصيدة خطابًا تحذيريًا مزدوجًا: - الأول ديني/وعظي: يدعو الناس إلى الإيمان والعمل الصالح ورفض الظلم والترف والأنانية. - والثاني اجتماعي/سياسي: يدعو إلى التضامن مع الشعوب المقهورة والوقوف ضد الحروب والانقسامات، كما في قوله: فكروا في من يتوسد الحجر فلسطين سوريا العراق اليمن... السودان تشتعل اليوم
يربط الشاعر بين الخذلان الداخلي وانهيار القيم من جهة، والتردي العام في العالم العربي من جهة أخرى، ليؤسس من ذلك دعوة إلى التوبة الجماعية والرجوع إلى الوحدة والعدل والدين.
3. اللغة والأسلوب: اللغة بسيطة واضحة، مباشرة وحادة، خالية من التزويق البلاغي، وهذا يتماشى مع مضمون القصيدة الذي يريد التأثير أكثر من الإبهار. استُخدم أسلوب الخطاب المباشر بصيغتي الأمر والنهي، ما أعطى للقصيدة طابعًا خطابيًا جماهيريًا أقرب للمنشور النثري الشعري، مع نبرة توبيخية وتحريضية واضحة. نجد تكرارًا متعمدًا يخدم الإيقاع والدلالة: لا مفر.. لا مفر.. لا مفر والذي يعمّق الإحساس بالحصار الوجودي والديني والسياسي في آن واحد.
4. التناص الديني والتاريخي: تبرز في القصيدة إشارات قوية إلى: - النص القرآني: العدالة، النذير، المزدجر، شريعة الله. - التراث التاريخي الإسلامي: عبر الإشارة إلى عمر بن الخطاب وصلاح الدين، لتقديم رموز للعدل والنصر والعزة. وهذا التناص يوظف التاريخ كوسيلة توبيخ وتحفيز؛ فحين يقول: صلاح الدين حرركم، بخذلانكم عشتم سقر فهو لا يعيد فقط ذكر البطل، بل يواجه الحاضر المتخاذل بفداحة الفرق بين الماضي والمآل.
ثالثًا: التقييم النقدي الفني: - القوة في هذه القصيدة تكمن في صدق الموقف والتزامه، وفي توظيف الشاعر لصوته كـ"ضمير جمعي" وليس فردًا شاعريًا غنائيًا فقط. - أما الضعف النسبي فيتمثل في أن الطابع الخطابي المباشر قد أفقد النص في بعض مواضعه شيئًا من الشعرية الفنية المعتادة، إذ غلبت الرسالة على الجمالية. - ومع ذلك، فالقيمة التأثيرية للنص عالية، فهو يحفّز القارئ العربي على التأمل في الواقع بوعي أخلاقي وديني وتاريخي.
رابعًا: خاتمة القصيدة "نشكو من الحر؟" هي صرخة ضمير عربي مسلم في وجه التخاذل والتشرذم، تتوسل بالأدب والشعر لتكون وسيلة يقظة لا ترفًا. الشاعر صلاح الورتاني يقدّم نفسه هنا لا كمتأمل جمالي، بل كمثقف منخرط في قضايا أمته، مستلهمًا من الموروث الديني والتاريخي خطابًا توعويًا يناشد القيم، ويستنفر الضمائر.
إنها قصيدة تمثل امتدادًا لخطاب الشعر المقاوم الملتزم، وهي تُحسب لصاحبها في ميزان شعراء الموقف، الذين يرفعون الكلمة من حيز التعبير إلى ميدان التغيير.
القصيدة: نشكو من الحر ؟ قالوا : الدنيا حر ما هذا يا إلهي ؟ قلت : نار جهنم أحر هنالك لا مفر فكروا في الضعيف المهزوم للنجاة من يوم نحس أشد حرا ومضر كونوا عباد الله إخوانا فكروا في من يتوسد الحجر الله أوصى بالعدل والإحسان لا ظلم لا حيف لا قهر قفوا صفا واحدا لتناصروا إخوة لكم ليس لهم مستقر فلسطين سوريا العراق اليمن من يدفعون الثمن عن أرضهم كلا لا وزر السودان تشتعل اليوم شعب لا يستقر حرام تشاهدون عذاباتهم لا ساكن تحركونه تطلبون بعده المطر لن تنعموا برحمة من ربكم إن لم تعودوا لرشدكم إخوة عمر صلاح الدين حرركم بخذلانكم عشتم سقر أقول وأصرخ فيكم لا مفر .. لا مفر .. لا مفر عودوا لدينكم لربكم رب البشر شريعتنا نبراس لنا هناك المزدجر ..
صلاح الورتاني // تونس الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: السبت 05-07-2025 02:20 مساء الزوار: 226 التعليقات: 0
|
|