|
|
||
|
دراسة. بقلم محمد الحراكي ركائز الإبداع في نص (هروب من زمن الرتابة) لنص الكاتب: موسى الشيخاني
ركائز الإبداع في نص (هروب من زمن الرتابة) للكاتب: موسى الشيخاني بقلم: محمد الحراكي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ النص: لن أهديك الورد بعد الآن الورد كاللغة المستهلكة في شعر الغزل عندما أهدى العاشق الأول وردة إلى حبيبته كان صادقًا؛ لأنه ابتكر طريقة التعبير عن حبه... والبقية مقلدون. وأسوأ ما في الحب.. التقليد لذا فإن النظرة الأولى هي التي تخلق الحب وخفقة القلب الأولى هي الأجمل والأصدق اللقاء الأول هو الموغل في العشق والدهشة وهي أشياء مهما تكررت فإنها لن تكون ابتكارًا، وهذا هو السبب أنها تفقد روعتها الأولى. لن أهديكِ الورد بعد الآن... لأن أشكاله وألوانه ورائحته كلها أشياء صارت مألوفة جدًا ولا يليق بكِ الأشياء المألوفة أريد أن أهديك شيئًا مختلفًا، هاربًا من طقوس الرتابة قصيدةً شعريةً؟ لا.. لا أريد أن أضيف إلى ركام الكلمات شيئًا أحاول جاهدًا أن أغادر دائرة الاعتياد أن أكسر رتابة الأشياء أن أتخلص من كل متوقَّع كم يبدو الأمر صعبًا في زمن كل ما فيه صار يسير كأنه صوت عقارب الساعة المعلقة على جدار أرواحنا شيء واحد أحس فيه نبضًا مختلفًا، وريتمًا متميزًا، وإحساسًا فريدًا إنه.. حبي لكِ إذً سأهديكِ.. وردة من قلبي النابض بكِ رائحتها من روحي لونها من تدفق دمي في شريان وجودك زينتها شرائط مذهبة من أحرفي الراقصة فرحًا بعينيكِ أنا لست متفردًا ولا متميزًا لكن... لأنك أنتِ لي فكل شيء مما ذكرته يعادل الدنيا بما فيها يا من كسرت الحزن بابتسامتك وصنعتِ لي عالمًا لا حدود له من الدهشة كم أنا... أحبكِ الدراسة: إن قارئ نص (هروب من زمن الرتابة) للأديب (موسى شيخاني) يجد نفسه أمام نص نثري عميق الشاعرية، فهو لا يتقيد من حيث النوع الأدبي بقوانين القصيدة من وزن وقافية ورويّ، لكنه في الآن ذاته يختزن طاقة شعرية كبيرة من حيث الفكرة والأسلوب وبناء الصورة الفنية. ولنقف على هذه العناصر الثلاثة لنتبين كيف شكلت ركائز الجمال في نصّه. من حيث الفكرة: فإن الكاتب يتمرد على فكرة التعبير عن الحب بتقديم الورد، وهو ما تعارف عليه العشاق منذ أن خُلق الورد على وجه الأرض ربما، فطالما كانت الوردة رمزًا من رموز الحب، على اختلاف أنواعها وألوانها. في هذا النص يبدأ الشاعر فكرة التمرد على العُرف السائد بين العشاق، بعبارة: (لن أهديك الورد بعد الآن). واللافت أن الكاتب ينفي الفعل باستخدام (لن) وهي تفيد النفي في المستقبل، هذا يعني أنه كان يقوم بتقديم الورد لمحبوبته على عادة العشاق، لكنه قرر ألا يفعل بعد الآن. ثم تتدفق شاعرية الفكرة حين راح الكاتب يبين سبب إقلاعه عن اهداء محبوبته الورد.. فهو لا يحب التقليد السائد، والفعل المتداول، ولا يحب أن يكون نسخة من غيره، وما دام إهداء الورد عادة قديمة مكررة وما زالت سائدة متداولة فهو إذًا لن يفعلها. ثم ينتقل بعد ذلك إلى إثراء الفكرة عبر طرح الجانب الآخر الذي يناقض الرتابة والتكرار والاعتياد، فإذا هو إحساس الشاعر بمحبوبته. وهذا ذكاء في إيصال فكرة مفادها أن المشاعر ما تزال في ذروة اتقادها، والأحاسيس لم تفقد دهشتها الأولى، ولذا يراها الكاتب أشياء غير معتادة ولا مكررة. عمد الكاتب في نصه إلى إثارة القارئ وتشويقه في مطلع النص، حين قال: (لن أهديك الورد بعد اليوم)، وفي هذه العبارة ما يدفع القارئ إلى التفكير في السبب الذي دفع الكاتب إلى أن يخاطب أنثى بهذا القول، فهل هناك خلاف بينهما؟ أم وجدها لا تستحق الورد؟ أم ثمة سبب آخر لذلك؟ هذا العصف الذهني جاء في جملة واحدة، ثم تلاه مسوغات هذا القرار. وعبر عن فكرته التي تقوم على رفض المعتاد والمكرر بالإحالة إلى الأشياء المكررة التي تعارف عليها الناس وأهمها اللغة في شعر الغزل، فقد باتت المعاني فيه مكررة مملة لا تحمل جديدًا، وكذلك إهداء الورد. من حيث الأسلوب: من لفتات جمال الأسلوب تأكيد الكاتب على مقته رتابة الأشياء، ونفوره من كل ما هو مألوف، وقد نقل إلينا هذا الإحساس باقتدار كبير، حتى إذا انتقل للتعبير عن مشاعره التي تتصف بالتجدد، أوقد في ذواتنا قناعة كبيرة بعمق هذا الحب وتوهجه وقوته، وهذا دون شك ذكاء شديد وأسلوب لافت. من حيث الصورة الفنية: من يقرأ النص يجد أنه لا يغص بالصور الفنية، ذلك أن الكاتب لا يتعمد حشو النص بالصور كما يفعل كثيرون ظنًا منهم أن كثافة الصور وتزاحمها يضفيان على النص جمالية أكثر. الكاتب يترك لمخيلته أن تأتي بالصورة حين تكون الصورة وحدها قادرة على تعميق الفكرة وإيصالها إلى قارئه بشكل أكثر دقة. ومن هذا قوله: " الورد كاللغة المستهلكة في شعر الغزل" فالوردة على تكرار استخدامها من قِبَل العشاق تشبه اللغة التي يستخدمها الشعراء في قصائد الغزل. صورة جميلة فريدة، وحالة مشابهة عميقة، استطاعت أن تقارب بين طرفي التشبيه بطريقة مدهشة. ثم يعود الكاتب إلى القصيدة الشعرية - في صراع ضمني بين جنسين أدبيين هما النثر والشعر- ليؤكد أن القصيدة لا يمكن أن تكون هديته إلى محبوبته، لأن الشعر ( ويعني به النظم الرتيب) أصبح ركامًا من الكلمات لا روح فيه ولا حياة، فلماذا يضيف إلى هذا الركام ما يزيده حجمًا ومللًا؟ يقول: ( قصيدةً شعريةً؟.. لا.. لا أريد أن أضيف إلى ركام الكلمات شيئًا) وفي صورة جميلة يشبه الكاتب كل الأشياء المكررة المعادة بصوت عقارب الساعة، تلك التي لها صوت راسخ في تصورنا، وهو صوت يكرر في تقسيم زمني متساوٍ فيبعث في النفس الكثير من الملل لا في آذاننا بل في نفوسنا، فكيف إذا كانت هذه الساعة معلقة على جدران الروح.. إنها صورة أكثر من رائعة. يقول: (كم يبدو الأمر صعبًا في زمن كل ما فيه صار يسير كأنه صوت عقارب الساعة المعلقة على جدار أرواحنا) وفي لوحة تصويرية مدهشة يصور الكاتب هديته لمحبوبته، وهي وردة!!! لكنها ليست الوردة التي اعتاد الناس إهداءها لحبيباتهم، بل هي وردة مختلفة يصورها الكاتب بقوله: (وردة من قلبي النابض بكِ رائحتها من روحي لونها من تدفق دمي في شريان وجودك زينتها شرائط مذهبة من أحرفي الراقصة فرحًا بعينيكِ) وردة من قلبه، رائحتها من روحه، لونها من تدفق الدم في شرايين وجوده، وزينتها من فرحه..!! صور تختلف عن كل ما عهدناه في تصوير وردة. إنها وردة مقتطفة بإحساس عميق وحب عظيم. وهكذا استطاع الكاتب (موسى شيخاني) أن ينتج نصًا نثريًا قادرًا على مطاولة القصيدة، فكرة وأسلوبًا وتصويرًا.. فحقق لنصه هذا جمالية متفردة لا يخطئها القارئ. الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الجمعة 24-02-2023 05:48 مساء الزوار: 151 التعليقات: 0
|
|