|
عرار:
صلاح الدين الأيوبي (1193-1138) من الشخصيات الإسلامية التاريخية التي قامت بدور مهم في الأحداث التي شهدتها منطقة شرق المتوسط في أواسط القرن الثاني عشر الميلادي، واقترن اسمه بانتصاره على الصليبيين في معركة حطين، وفتح بيت المقدس وتحريرها منهم عام 1187 م. وإذا كانت شخصية صلاح الدين الأيوبي في التاريخ، كأي شخصية تاريخية أخرى يكتنفها الغموص والالتباس، وتتعدد فيها الأقوال والآراء وتتعرض للتحريف والتزوير، فإن شخصيته في الذاكرة الشعرية العربية واضحة المعالم، تقترب من الحقيقة اقترابًا كبيرًا، وهي شخصية ذات صفات خلقية عظيمة مثيرة للإعجاب، ومحببة للنفس، وآسرة للعقل والوجدان، لهذا كان من الضرورة الاهتمام بهذه الشخصية، وإبرازها كما ظهرت في ذاكرة الشعر قديمه وحديثه. نلاحظ أن كثيرًا من الشعراء الذين عاصروا صلاح الدين الأيوبي، من مختلف الأمصار العربية، قد التفوا حوله، وأشادوا بانتصاراته على الفرنجة، وامتدحوا أخلاقه وعلمه. فهذا الشاعر العماد الكاتب محمد الأصفهاني يقول في قصيدة طويلة يمتدح فيها دوره في هزيمة قادة الفرنجة في معركة حطين، التي كانت مقدمة لفتح بيت المقدس. يا يوم حطين والأبطال عابسة وبالعجاجة وجه الشمس قد عبسا رأيت فيه عظيم الكفر محتقرًا معفرًا خده والأنف قد تعسا يا طهر سيف برى رأس البرنس فقد أصاب أعظم من بالشرك قد نجسا ويقول أبو علي الحسن بن علي الجويني من قصيدة يظهر فيها صلاح الدين مثل نبي على يده فتحت القدس، وعادت إلى أهلها الشرعيين: جُنْدُ السَّماءِ لِهذا المَلْكِ أعوان مَنْ شَكَّ فيهِم فهذا الفَتْحُ عُنْوانُ هذي الفُتُوحُ فُتُوحُ الأنبياءِ، وما لَها سِوى الشُّكرِ بِالأفعالِ أثمانُ ومن المبتهجين بفتح القدس وعودتها إلى الديار الإسلامية الشاعر الرشيد النابلسي الذي قال: هذا الذي كانت الآمال تنتظر فليوف لله أقوام بما نذروا بمثل هذا الفتح – لا والله ما حُكيت في سالف الدهر أخبار ولا سير أما في الشعر الحديث والمعاصر فنرى كثيرًا من الشعراء استهوتهم هذه الشخصية، فوظفوها في أشعارهم. فهذا أمير الشعراء أحمد شوقي يذكر صلاح الدين في قصيدته «نكبة دمشق» التي مطلعها: سلام من صبا بردى أرق ودمع لا يكفكف يا دمشق وهي القصيدة التي ألقاها عام 1926 في حفل أقيم في حديقة الأزبكية لإغاثة المنكوبين في سوريا إثر مهاجمة الفرنسيين دمشق عام 1920، ووقوف القائد الفرنسي غورو على قبر صلاح الدين صارخًا : «قم يا صلاح الدين ها قد عاد الصليبيون». إن شوقي يأبى أن يهان صلاح الدين ويرى أنه رمز للإباء، ورفض الذل حتى وهو في قبره. صلاح الدين تاجك لم يجمل ولم يوسم بأزين منه فرق ثم ها هو خير الدين الزركلي صاحب كتاب «الأعلام» يخاطب القدس، ويستدعي صلاح الدين لإنقاذها، ويدعو إلى تحقيق نصر على الأعداء مثل حطين او قريبًا منه؛ فلا وقت للبكاء بل للمضي في طريق الرفض، ومقاومة الظلم، وتحرير الارض كما فعل صلاح الدين: عين الحمى تبكين والسحب تبكينا هاتي صلاح الدين ثانية فينا الشامخ العرنين عزًا وتمكينًا لكل أمر حين خل البكا حينا وجددي حطين أو شبه حطينا والشاعر نزار قباني يناجي صلاح الدين، ويصرخ داعيًا إلى بعث صلاح آخر؛ لينظر في حال العرب المتردية: وأصرخ يا أرض المروءات احبلي لعل صلاحًا ثانيًا سوف يظهر أما أحمد مطر فيستخدم شخصية صلاح الدين ليلوم العرب، ويعنفهم على الاستنجاد برجل ميت، وينتقد ما هم فيه من فوضى، وما يتصفون به من خذلان حتى إنه لو قام بينهم لقتلوه. أيطلب الأحياء من أمواتهم معونة، دعوا صلاح الدين في ترابه واحترموا سكونه، لأنه لو قام حقا بينكم فسوف تقتلونه. ثم يأتي محمود درويش في قصيدة يوحي عنوانها «كردستان» إلى أن أصل صلاح الدين كردي، ويستنكر فيها ما وصلت إليه حال العرب والمسلمين من ضعف وهوان. هل خر مهرك يا صلاح الدين هل هوت البيارق هل صار سيفك صار مارق؟ يتبين مما قدمناه من شعر عن صلاح الدين أنه شخصية تاريخية خالدة في الذاكرة الشعرية العربية. فقد رأينا كثيرًا من الشعراء القدماء يوظف شخصيته، على تفاوت من الناحية الفنية، في التغني بصفات الشجاعة والذكاء والوفاء التي اقترنت باسمه، كما أجمع الشعراء المحدثون والمعاصرون على افتقادهم إلى مثل هذه الشخصية الفذة للخلاص مما هم فيه من ضياع وانهزام حيث بيت المقدس تحت الاحتلال، والأوطان تسرق من أصحابها. هذه الذاكرة الشعرية العربية التي خلدت صلاح الدين، وتفوقت على التاريخ في تخليدها تضعف دعاوى من يحاول الانتقاص من هذه الشخصية، وإخفاء ما تميزت به من صفات نبيلة، وطمس دورها في مقاومة الظلم والعدوان. مصدر / جريدة الدستور الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 09-06-2017 10:45 مساء
الزوار: 957 التعليقات: 0
|