عرار:

يسلم الكثير منا إلى أن سنوات العمر الطويلة كفيلة بأن تصقل النفس وتغذي العقل وتزيد كل ذي موهبة وحرفة وفن إبداعًا فيما ينتج ويقدم للجمهور، ولكن ليس هذا بضرورة، فغزارة الفكر والإبداع والأصالة والتجديد ما هي إلى نتاج ما يعيشه الإنسان من تجارب بغض النظر عن عدد السنوات التي قضاها. تجارب تتمثل في قراءات ومطالعات والتعرف على ثقافات المجتمعات والحضارات الأخرى والانفتاح وفهم التنوع وغيرها الكثير مما يساعد على توسيع نطاق المعرفة لدى الفرد.
لعل هذه التجارب والعوامل هي ما صنعت الأديب والشاعر الكبير الأستاذ إبراهيم العريض. ولد العريض في مدينة مومباي الهندية عام 1908م وتوفي رحمه الله في البحرين عام 2002م. عاش أول عقد من حياته في مدينة مومباي إلى أن عاد إلى البحرين وهو ابن الرابعة عشرة ليقضي فيها ثمانية أشهر وهي المدة التي التحق فيها للدراسة في مدرسة الهداية الخليفية بالمنامة. ما لبث أن يهنئ العريض بالبقاء في موطن أبيه وأجداده البحرين حتى عاد إلى الهند مستكملاً دراسته للمرحلة الثانوية.
عاد في المرة الثانية إلى البحرين وهو في الثامنة عشرة من عمره، وبدلاً من أن تبعده الثقافة التي نشأ فيها عن الثقافة العربية والتراث البحريني واللغة، زاد شغفًا وولعًا لدراستها، فأخذ ينهل من كتب الشعر والتراث إلى أن نمَّى أدواته الشعرية وعمد على الكتابة. فأصدر أول دواوينه الشعرية بعنوان (الذكرى) في وقت مبكر من حياته.
والجدير بالذكر أن الأديب والشاعر الكبير الأستاذ إبراهيم العريض قد تأسست على يده مدرسة شعرية جديدة لم تكن معهودة لدى الوسط الشعري في البحرين آنذاك، بعد أن كان الشاعر التقليدي ينظم شعره مراعيًا بديع كلماته والأدوات اللغوية المستخدمة وقوتها لإيصال حالته الشعرية، جاء العريض ليعكس المفهوم الذي كان سائدًا قليلاً أو كثيرًا آنذاك، فكان جل اهتمامه في إيصال الحالة العشرية وما يعتريه من مشاعر وأحاسيس ومن ثم استخدام ما يترجمها من كلمات، لذلك لاقت كتاباته الشعرية رواجًا واستحسانًا واسعًا لدى الشعراء ومتذوقي الشعر في البحرين والعالم العربي بأكمله، وأخذ يحذو حذوه العديد من الشعراء.
بدأ العريض حياته المهنية في مجال ليس ببعيد عن الثقافة، فلإتقانه اللغة الإنجليزية تم تعيينه مدرسًا لها في مدرسة الهداية الخليفية بالمنامة عام 1927م، علمًا بأنه يتقن اللغة الهندية والفارسية أيضا. شغل بعدها منصب نائب المدير في المدرسة الجعفرية عام 1930م، إلى أن بادر بافتتاح مدرسة أهلية عام 1932م، وقام بإدارتها لمدة ثلاث سنوات، وتلى ذلك اشتغاله في العديد من المهن في الشركات الخاصة والقطاع العام.
وللظروف التي عاشها العريض من تنقل بين بلدين وثقافتين مختلفتين، ظل في نفسه حب الترحال والانغماس في الثقافات الأخرى ليجذب له منصب سفير متجول عام 1974م، ثم منصب سفير مفوض فوق العادة في وزارة الخارجية حتى وفاته عام 2002م.
حصد الأديب والشاعر الكبير الأستاذ إبراهيم العريض على العديد من الجوائز والتكريمات خلال مسيرته الأدبية ومنها، خنجر ذهب مقدم من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود وزير الدفاع والطيران والمفتش العام بالمملكة العربية السعودية 1973م. جائزة الدولة التقديرية للإنتاج الفكري، البحرين 1988م. وسام التكريم من مجلس التعاون لدول الخليج العربية، مسقط 1989م. خنجر ذهب هدية تذكارية من صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير البلاد الراحل 1993م. تكريمه من قبل الدكتورة سعاد الصباح في بادرة تكريم الرواد الكبار الأحياء 1996م. وسام المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة من الدرجة الأولى البحرين 2001م. أطلق اسمه على أحد شوارع المنامة عاصمة مملكة البحرين 2002م. حصوله على جائزة البابطين للإبداع الشعري 2002م.
كانت مسيرة العريض الأدبية والشعرية حافلة بالأعمال والمؤلفات المتميزة ومنها، الذكرى، الجزء الأول، مطبعة النجاح 1931م. رباعيات الخيام، دار انقلا للنشر 1935م. وامعتصماه، المطبعة التجارية 1935م. العرائس، دار العلم للملايين 1946م. الأساليب الشعرية الجميلة، دار مجلة الأديب 1950م. قبلتان: قصة شعرية، دار العلم للملايين 1951م. الشعر والفنون الجميلة، دار المعارف 1952م. الشعر وقضيته في الأدب العربي الحديث، صوت البحرين 1955م. شموع، دار العلم للملايين 1956م. من الشعر العربي 1900-1950، دار العلم للملايين 1958م. فن المتنبي بعد ألف عام، دار العلم للملايين 1962م. جولة في الشعر العربي المعاصر، دار العلم للملايين 1962م. أرض الشهداء: ملحمة شعرية عن مأساة فلسطين، الشركة العربية للوكالات والتوزيع 1972م. نظرات جديدة في الفن الشعري، مطبعة حكومة الكويت 1974م. ديوان العريض، مطبعة حكومة الكويت 1974م. مذكرات شاعر، وزارة الإعلام 1982م. رباعيات الخيام (152 رباعية)، المكتبة الوطنية 1984م. شواهد مترجمة من كلباري (بالأوردو)، المؤلف 1990م. مجموعة كلام - كلباري، المؤلف 1990م. يا أنت: إطلالة من شرفة الألفية الثالثة 1998م وقبل الختام نترككم مع أبيات رائعة من ديوان الذكرى لشاعرنا الكبير: