|
عرار:
ناظم ناصر القريشي (هل كانت رؤيا؟ أو حلم يقظة؟) جون كيتس يولد الشعر كما يولد الحب في الحياة ويورق في القصيدة، أغصان من الحنين مزهرة في شجرة الحياة، وفي أحيان كثيرة يعبر حدود الكلمات كالأحلام، فيصبح رمز للحياة ذاتها على اعتباره شكلاً من أشكال الوجود الإنساني وليس مجرد وسيلة للتواصل أو التعبير، وكلما ولدت قصيدة يولد الشاعر معها من جديد، وكأنه يقول حياتي هنا في القصيدة، حياة جديدة وأملا جديدا، لذا كلما نقرأ قصيدة فأننا نقرأ حياة الشاعر فيها ومن خلالها ونقرأ الحياة التي شكلها فيها، فهي نسخ روحه بالكلمات، فهل هو العود الأبدي...؟ هذه هي أسطورة الشعر وسحره، في ديوان (ثمالات) والصادر عن المجمع العلمي العراقي، ط1 ،2023 للشاعر الدكتور محمد حسين آل ياسين والذي يقول (الشاعر خلق متخيلاً، متصوراً، حالماً، غارقاً في تشكيل الحياة)، ونضيف أيضا أنه باحث ومكتشف للجمال، ففي مفتتح ديوانه يفاجئنا الشاعر بدهشة الشعر كأنما يلقي تعويذته على المتلقي بقصيدة صيغت عبر عرفانية شعرية قادرة على الافتراض والتنبؤ والوصول، ففي قصيدة (من) يبتكر الشاعر شفرة الإبداع عبر افتراضات مثيرة للدهشة، تخوض في ميتافيزيقيا الشعر ومتحققه في الرؤيا، في سؤال عن الأفكار في مرأي عديدة، والسؤال هنا قصيده داخل قصيده، في مصفوفة الرؤيا الشعرية المدهشة فالشاعر بشر صيغ من رؤى فيقول الشاعر: «كلّما احلَولَك المدى/ وادْلَهمَّ السٌّرى.. رأى/ ظامئاً كانَ.. إذْ سَقى/ وتدلّى فما دَنأ/ أرأى الناسُ قبلَهُ/ واقفاً كانَ.. إِذْ شأى/ وتولّى فما نأى/ بشرًا صيغ من رؤى». كلمات من ضوء وفي قصيدة (قلبان رفّا) سنجد أن كلماتها لا يمكن أن توجد إلا في الضوء، إلى حيث تتجلى، فهذه القصيدة كحديقة غناء يمكنك الوقوف والتأمل بها حيث الكلمات تحتفل بك وسط الضوء عبر متواليات شعرية تماثل موسيقى الصباح الفائق الحضور، وهي تمر عبر الضوء والطبيعة بتناغم إبداعي ساحر ومتميز، قد يراودها موسيقى الماء لهاندل وفي البعيد تلوح ملامح نشيد الفرح لشيلر، ربما هي النغمة نفسها الماره عبر وتر الموسيقي التي وجدت طريقاً بين مفاتن القصيدة وغواية الفكرة، وامتدت وتماوجت على وجه الماء: منْ علَّم البلبلَ المسحورَ حين صَحا/ شَدوَ الهوى فأَثار الوَجدَ والبُرَحا/ مَنْ دَلّهُ للرّعاةِ السُّمرِ يُلهمُهمْ/ لحنَ المراعي وصاغ النّاي واقترحا/ ومَنْ مشى للحقولِ الخُضر يُرقصها/ سنابلاً لم تنَلْ من عرسهنَ رحى/ ومَن أَفاض على الدنيا مباهجها مَن/ يَوم اللقِاء فبثَّ البشر والمرَحا». فكرة الموسيقى في متلهف حضوره صار الشعر يعانق روحه فأشرقت، فأصبح الشعر كيانه، وفي قصيدة (أغنية) سنجد أن الكلمات تندرج في فكرة الموسيقى، وتمتد في الخيال، سموا وعلوا، فيترقرق مقام النهاوند كالماء ويتهادى ويتألف مع الصبا في اشتياق إلى مقام الرست وامتداداته الروحية ليستقر على مقام الحسيني: أيبهرُ الباهرُ في صورةٍ/ وكلُّ ما فيه هو الباهرُ/ سبحان من سوّاك من روحه/ قادرةً يبدعها القادرُ/ وفوق كفّيك سرى مركبٌ/ يُدهشُ فيه لحنك الساحرُ/ شراعهُ عودٌ وأَمواجه/ تغريدةٌ وأُفقُهُ الشاعرُ». ماذا يقول الشعر للحياة ليس على الشعر أن يثبت أي شيء سو ذاته أي أنه شعر، هذا القادم من مكان سري بعيد، وكأنه قادم من أرض النجوم، والذي يحملنا بعيداً إلى آفاق ساحرة، يبتكر الشاعر حضوره والحياة في قصيدة (الحياة): مروركَ كالسحر في روحها/ أفاضَ السَّنا وأَشاعَ الجمالْ/ ولستُ بثغريَ أدعوكَ لي/ ولكن بعيني أقول تَعَالْ». متتالية شعرية وفي متتالية شعرية سنجد أن الشاعر يخطو بساحة الشعر مستهام حائر قصيدة (الشعر) وحيدا ومحتشدا في وحدته قصيدة (الوحيد الحاشد) وقصيدة (وحدة)وعابر سبيل قصيدة (عابر سبيل)، متاعه الشعر، لا يستجيب له إلا الشجر فيستمع إلى نحيبه قصيدة (نحيب شجرة): يا خيمتي يفديك عمريَ شاكرا/ أَن كنتِ حضناً بالأَماني زاخرا/ ولقد حبوتُ أمام بابك قبل أَن/ أخطو بساحكِ مستهاماً حائرا». تجربة الشاعر الناظر إلى تجربة الشاعر د. محمد حسين ال ياسين في ديوانه (ثمالات) سيجد أنه ثمل شعراً فقام بأمره، ولذا تجده دائما في حالة كشف صوفي حتى يبلغ الصفاء غايته مسترشدا بشغف النقاء الذي يحاول الوصول إلى سر الحياة في الماء المدهش والجميل حد الانبهار، وسعادة البياض في المدى، فاغلب نصوصه الشعرية الآسرة تعد امتداداً للعرفان، وتترك أثراً عميقاً في نفس المتلقي كالحنين، وبين دفتي الديوان نجد أنفسنا منغمسين في عالم الشاعر وتكوينه الشعري الواعي، وسنجد إن الحياة مسافة قصيدة والقصيدة حياة في الكلمات. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 24-11-2023 05:44 مساء
الزوار: 700 التعليقات: 0
|