|
عرار:
«كِركْ موبا» رواية عبد الهادي المدادحة والصادرة عن مكتبة الاسرة الأردنية هذا العام 2021 والواقعة في 160 صفحة، هذه السردية الشعرية التي تسكنها روح ميشع المؤابيِّ العظيم الذي يتناسل ويتحول عبر تاريخ هذه المدينة ليصنع منها أسطورةً حيَّةً للتحدي والكبرياء، استندت هذه الرواية في بنائها على الرواة المتعددين (أنجيلا، صخر، توفيق، مصباح، قمر، الكابتن لنش، برهم، والراوي المحايد حيث تم تقسيم الرواية كفصولٍ بأصواتِ هذه الشخصيات التي كان معظمها من فريق العمل للفيلم الذي يخرجه صخرعن ميشع المؤابي بقراءةٍ معاصرةٍ لهذه البطولة الأسطورية، صخر هذا الشاب المؤابي المليء بروح الكرك العظيمة والذي يتقمص ويقرأ روح ميشع وروح قلعة الكرك وروح أهل الكرك، والذي يلتقي أنجيلا الباحثة الفرنسية في الوثائق القديمة والقادمة مع فريق بحث من جامعة فرنسية لدراسة قلعة الكرك والتي تقع بحبِّ الكرك وحبِّ صخر في قصَّةٍ تستعيد قصةَ حبٍّ بين مسلم ومسيحية في الكرك في نهايات القرن التاسع عشر والتي يعمل صخر على توثيقها سينمائياً وبرؤيةٍ معاصرةٍ عميقة،بالإضافة للرواة المتعددين كانت هناك الرسائل المتعددة والمذكرات (رسائل انجيلا، ورسائل صخر، رسائل مصباح، ومذكرات أنتينولا) بالإضافة للوثائق والتاريخ الذي استعاد تاريخ الكرك منذ ميشع موآب وابنه شيحا وانتصاره على ملوك العبرانيين مروراً بالفتح الاسلامي لبلاد الشام ودور الكرك وعشائرها المسلمة والمسيحية وانتمائهم العميق لأرضهم وعروبتهم والتي شكّلت ذلك النسغ العميق الذي يسري في أجزاء هذه الرواية الكركية الموآبية الاردنية العربية الحارة، نقرأ هذا الحوار بين أنجيلا وصخر تعليقاً على رؤيته الجديدة لميشع ص 30، يقول صخر رداً على سؤال لأنجيلا: « أبداً، أنا لديَّرؤيتي الخاصة لتاريخ هذه المنطقة، نابعة من فهمي لطبيعتها التي لم تتغير عبر التاريخ، إن كِرك موبا لم تكن مجرد مدينة وعاصمة لمملكة موآب، بل كانت في الوقتِ نفسه روحاً لا تُرى ولا تُلمس بيد، تسكن أبناءها ولا تغادرهم، روح ميشع الموأبي ما زالت تسري في أجسادنا جميعاً. إن للحبِّ في هذه المدينة معاني أعمق وأكبر مما هو في أيِّ مكانٍ آخر في العالم. نحن نحبُّ المدينةَ ونقدم لها كلَّ شيء، لا ننتظر منها شيئاً، يكفينا فخراً أننا ننتمي إليها وأن روحها تسري مع الدماء في أجسادنا. « في هذه الرواية تأريخ لقلعة الكرك وتاريخها العريق والعميق وتأريخ للغزاة المهزومين الذين حاولوا تركيع الكرك من ارناط الصليبي وحتى سامي الفاروقي العثماني في هية الكرك، حضر شيوخ الكرك الشيخ محمد المجالي وساهر المعايطة وقدر المجالي واسماعيل الشوفي وشيوخ الطراونة والضمور والعمرو والجعافرة والحباشنة وكل من سرت في عروقه محبة الكرك وتاريخ الكرك وأصالة الكرك، انها قصة التحدي والحب والكبرياء والأصالة لكل من يمسُّ هذه الشعلة التي ما زالت وستبقى جذوةً للتحدي والكبرياء الاردني. صخر المخرج المثقف والعاشق للمكان والانسان الكركي والذي يعمل على استعادة تراث وتاريخ وحاضر هذه المدينة بفيلمه عن يوشع المؤابي وكذلك فيلمه عن قصة الحب بين المسلم والمسيحية في نهايات القرن التاسع عشر قصة الحب بين قمر ومصباح، التناص الذي حاولت الرواية إقامته بين قصة مصباح وقمر وبين صخر والباحثة انجيلا التي تشربت روح الكرك وكشفت تآمر جوناثان رئيس بعثة الاستكشاف لقلعة الكرك في عام 1979 والذي رافقته انجيلا كباحثة والذي بينت الرواية تآمره مع الصهاينة لتمرير ودفن قطع أثرية في داخل قلعة الكرك والايحاء والتدليس باكتشافها أثناء الحفريات لبعثته الأكاديمية. الصراع الأرثوذكسي – الكاثوليكي اللاتيني وموقف أهل الكرك وموقف الشيخ محمد المجالي في وجه الفتنة بين الارثوذكس واللاتين وتحذيره لبطرك بيت المقدس بأن هؤلاء المسيحيين الكركيين قبل أن يكونوا مسيحيين هم عربٌ كركيون، نقرأ من سردية الكابتن لنش مبعوث البطرك فاليغرا بطرك بيت المقدس بعد عودة البطريركية عام 1847 م بعد خروجها مع طرد الصليبيين من الساحل الشامي كاملاً عام 1347 م وكيف كان جواب الشيخ محمد على طلبات البطرك المتعالية ص 48 و49: «إسأل البطرك لعل عنده الإجابة: لماذا ترك البطرك هيراكيلوس رعيته في المنطقة طوال 800 عام ولم يسعَ لإرشادهم إلى طريق الدين الصحيح وطريق خلاصهم من الآثام؟ لماذا ترك الصليبيون قبر السيد المسيح سنة 1187م، رغم أنهم لم ينسوا أن يحملوا معهم في طريق عودتهم إلى بلادهم الذهب والسجاد ونفائس المتاع؟ إن البطرك الجديد يسعى لشق الصف المسيحي في الكرك وإشعال نار الفتنة، وليعلم نيافته أن مسيحيي الكرك هم أبناؤها المخلصون لها ولا أحد يتكلم باسمهم غيرهم....، فهم ليسوا يونانا أو لاتينا بل هم عرب من الكرك» وفي فقرة أخرى يبلغ الشيخ محمد المجالي مبعوث البطرك ص50: «أخبر البطرك أنني أنا الشيخ محمد شيخ مشايخ الكرك وزعيمها أرفض كل شروطه وطلباته جملة وتفصيلا» الهية الكركية وابطالها وبطلانها كانت حاضرة، الشهيد احمد المجالي كان حاضراً والبطلة تيريزا هلسة كانت حاضرة، والكرك العظيمة كانت سيدةَ الرواية وستبقى سيدةً الى ان يرث الله الارض وما عليها. في سرديات الرواة المتعددين كانت الأغاني الشعبية والحكايات تتسلل إلى هذه السردية النابضة بالحياة، من سردية مصباح المسلم الكركي الذي عشق قمر المسيحية الكركية عشقاً خالداً، نقرأ هذه المقطوعة الشعرية الشعبية العالية في لغتها ومضمونها ص 40: «مروا عليَّ اثنين قطعوا صلاتي محمد حبيب العين وعيسى حياتي يا طارش قوم بليل بلغ سلامي إلى حبيب الروح شفته في منامي». استمتعت بقراءة هذه الرواية المتماسكة بلغتها العالية وبأغانيها الشعبية وحكاياتها وجبالها ووديانها ومائها وزيتونها وسنديانها ورجالها. تستحق هذه الرواية القراءة والتحليل والنقد الذي سيعطيها بعضَ حقها كعمل روائي ينتمي لنا ولمستقبلنا ولروحنا ضد كل الغزاة. المصدر: جريدة الدستور الاردنية الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 24-12-2021 11:18 مساء
الزوار: 1065 التعليقات: 0
|