|
عرار:
أ.د. نبيل حداد من أهم مزايا فكرة «النموذج» أنها تنطوي على وشائج قوية بين العمل المتخيل ومفردات الحياة، ما يجعل الصيغ الفنية، في السرد بخاصة، أكثر عطاءً على المستوى الموضوعي أي على مستوى استيعاب الواقع وإشكالاته، وأشد سخاء على المستوى الجمالي في مساراته وأساليب تعبيره. والنمذجة كذلك، بهذا الفهم، تؤكد الصلة العضوية بين الفن بعامة، وبين الرواية على نحو خاص، والعلوم الأخرى التي تهتم - بشكل مباشر- بعلاقات الشأن الإنساني؛ بين الفرد والفرد، والفرد والجماعة، والأهم بين الفرد وذاته، والجماعة بجماعة أخرى. وهكذا خرج علينا عام النفس كارل يونغ (Carl Jung) في مطلع العشرينات من القرن الماضي بأربعة «أنماط» نفسية، يمكن أن تنعكس بصورة فنية أو أخرى، بأربعة أخرى سلوكية قد تتطور– فنياً – لتكسب أهلية النمذجة، وهذه «الأنماط» هي: التفكير والشعور والحدس والحس. وغالباً ما يدفع واحد من هذه الأنماط – وربما أكثر من واحد – الشخصية المتحققة أو المتخيلة بطابعه ليغلب عليها، ليكون من ثم أداة، لفهمها وفك العديد من أسرارها. ولكن – من جهة أخرى – وطبقاً للوظيفة الجوهرية للنمذجة، وبصرف النظر عن النمط النسبي السائد، يمكن توزيع النماذج الروائية (حسب يونغ كذلك) بين فئتين: نماذج معقولة، وأخرى غير معقولة، والأولى تضم الشخصيات التأملية والعاطفية في حين تضم الأخرى الحدسية والحسيه، وبتصنيف ثالث يمكن جعل الطاقة النفسية (اللبيدو libedo مؤشراً للدلالة على نموذجين رئيسيين: الانطوائي، والانبساطي. وهذه كلها تقسيمات تستند إلى التكوين الجوهري الذي تمتح منه الشخصية أشكال السلوك وتجليات المواقف، وهي بدورها، أي المواقف تحديداً، قد تعطينا أرضية أخرى لبناء تصنيفات نموذجية أخرى لا حدود لها، لكن أساسها يبقى ثانوياً. -1- تكتسب الشخصية الروائية نمذجتها من كونها موصولة في جوهرها الإنساني بالعوامل الموضوعية التي تحدد بعض ملامح الأساسية في تطور المجتمع؛ فعندما تنبع حقيقة موضوعية اجتماعية ذات قيمة عالية من الأعماق الأصلية لشخصية ما، ينبثق لدينا - أدبياً - نموذج واقعي. وهكذا، كما يقول صلاح فضل، يمكن القول إن المقام الأساسي والفيصل الجوهري في التطور الواقعي للأدب هو تكوين النموذج بوصفه تركيبا خاصا يجمع في مجال الخصائص والمواقف معاً، بين العنصر الفردي والعنصر النوعي بطريقة عضوية، ولذلك يصبح نموذجاً لا لطابعه المتوسط أو لطابعه الفردي البحت؛ مهما كان معمقاً بطبيعة الأمر، بل لما يصب فيه وينصهر فيه من كل اللحظات المحددة إنسانياً واجتماعيا بطريقة جوهرية، لأنه يمثل هذه اللحظات في أقصى فورانها. وفي أشد حالات تحقق إمكاناتها. وهذا يعني- كما يضيف صلاح فضل- أن النموذج قد حل روائياً محل الصورى التقليدية للبطل وأنه هو البطل اللابطولي. ومن الممكن القول إن النمذجة وجدت طريقها إلى الرواية العربية على يدي نجيب محفوظ، ذلك أن النموذج بحكم دلالتة الأولية أو الجوهرية لا يمكن أن يقتصر في الجانب الموضوعي منه على حالة فردية فحسب، بل إن من الضروري أن يحمل خصائص منظومة بشرية أو اجتماعية وربما سمات طبقة بحالها. إن الخصوصية هنا هي من نصيب التشكيل الفني بل قل إنها خصوصية الشخصية المتخيلة بوصفها جانباً فحسب من المكون النموذجي للكيان الإنساني في الرواية. وذلكم هو الإطار الذي تسعى من خلاله هذه المقاربة المبتسرة لمحاورة بعض «الأقانيم» النموذجية في الرواية الأردنية، وهذه المقاربة لا تعد بأكثر من محاورة عابرة نتلمس بها خصوصية الشخصية المتخيلة بوصفها جانباً فحسب من المكون النموذجي الثنائي للكيان الإنساني في الرواية. أما «الجانب الجوهري» فإنه موصول بالضرورة بتقاليد راسخة، بل نابع ومجسد معاً، لمنظومة جوانية وبرانية مشتركة للشخصية النموذجية. و»النموذج» بالمفهوم السابق، وليد رؤية واقعية تأخذ باعتبارها الواقع على أنه مكون فاعل في نسيج الأحداث، يشارك في صنعها بل يملى أحياناً مسار الشخصيات وربما مصايرها، وهكذا يمكن القول إن البداية كانت من لدن نجيب محفوظ في «القاهرة الجديدة» (1945) حين حاولت رؤية الكاتب اختزال الاتجاهات البشرية السائدة في المجتمع المصري في الثلاثينيات وفي صفوف المثقفين بخاصة بأربع شخصيات جاءت الواحدة منها أقرب إلى النمط الثابت منها إلى النموذج المركب، على أن العطاء النموذجي للشخصية أخذ يتعاظم في رواياته اللاحقة فيما عرف بالمرحلة الواقعية الاجتماعية، وهذا ما قدمته «خان الخليلي (1946) و»زقاق المدق» (1947) و»السراب» (1948) و»بداية ونهاية» (1949) ثم جاءت «الثلاثية» (1956– 1957) لتستدرك كل الهفوات النمطية التي لحقت برسم شخصيات (معدلة) كانت لها «أصول» فيما سبقها من روايات، ولا سيما في «القاهرة الجديدة» لتنجز من ثم نماذج تستكمل الشروط الفنية والموضوعية للمفهوم. في المرحلة التالية في مسيرة نجيب الروائية (المرحلة الفلسفية أو التعبيرية أو السياسية، بحسب التوصيفات المتعددة الشائعة) أنجز يراعه نموذجاً أشد نجاعة في دوره الروائي وأكثر عمقاً في مرجعيته الجوهرية. بمعنى أن البطل النموذج في اللص والكلاب (1961) والسمان والخريف (1962) والطريق (1964) والشحاذ (1965) لم يعد فحسب مركزاً للأحداث، تدور حوله (وأحيانا يدور حولها) ولكن لا تقتصر عليه، بل بات محوراً لها، تدور كلها حوله، ويقتصر أفقها الموضوعي على شؤونه. وأكثر من هذا فإن المرجعية الجوهرية لم تعد قضايا اجتماعية تنشغل بالفقر والوجع الطبقي والطموح الثقافي والشاغل العاطفي، وكلها عناصر اتخذت شكلها الخاص (الموضوعي والفني في أعمال المرحلة السابقة (الاجتماعية) بإملاءات الواقع المصري، بل إن المرجعية الجوهرية في المرحلة التالية (التعبيرية) باتت تمتاح من هواجس الوجود الإنساني، وأخذ الأبطال النماذج يواجَهون بأسئلة عسيرة تتصل بجدوى الحياة، وبجوهر بعض القيم الكبرى من مثل الحق والعدالة والخير ودور الإنسان في حركة العجلة الجهنمية للحياة التي بدا لأبطالها أنها تلف الوجود الإنساني بمعزل عن مشيئته. جاءت التجليات الأكثر توهجاً للنموذج إذن على يدي نجيب محفوظ لم تجئ ثمرة لأدوته الفنية المشحوذة فحسب، بل كذلك لرؤيته الواقعية حين وضع إصبعه على المفاصل التي تتحكم بمسيرة المجتمع. إنها الرؤية الواقعية إذن هي التي تنجز النموذج وهو ما يمكن أن ينطبق بجميع الأوجه على مسيرة النموذج في الرواية الأردنية. -2- وإذا انعطفنا إلى مناقشة النموذج في الرواية الأردنية؛ فإن أول ما يمكن أن يجابهنا هو إشكالية منهج التناول؛ نقول إشكالية أي لا حل نهائيا أو شافياً – على ما نرى – ولا نقول مشكلة يمكننا الركون ببعض الاطمئنان إلى أحد المسارات في حلها وتقديم الأجوبة المضية ولا نقول (الشافية) عن أسئلتها. هل نرتكز – مثلاً- على القياس على تجربة نجيب محفوظ لنخلص إلى أن التجليات الأنجع للنمذجة لم تأت ثمرة للأدوات الفنية فحسب؟، بل لما هو أعمق من هذا؛ ولنقل لرؤية واقعية استهدت العوامل التي تقف وراء الحراك الاجتماعي واستوعبت المشهد الاجتماعي بكل خصوصياته وتفصيلاته واستحضرت مساراته والتقطت عينها البصيرة أبرز السمات المحلية لإناسه؟ أم نرتكز إلى مسار آخر يرتسم (بالاتجاهات المستجدة،) مع الأخذ في الاعتبار تفاوت الزمان واختلاف المكان أعنى تيار الرواية الجديدة بما يتوزعها من اتجاهات فنية وبما يتجاذبها من مغامرات تجريبية؟ ومن الممكن أن نتعامل مع تساؤل ثالث: هل يمكن أن نوسع إطار التساؤل الأول، عن التجربة الواقعية إلى التجربة بعامة، بصرف النظر عن نوعها سواء كانت واقعية أم رومانسية، فنتحرك في إطار التتبع التاريخي لنغامر من ثم في تلمس مدارات التجريب ورصد تجلياتها؟ بداية، فإن نضج التجربة الروائية في الأردن يشجع على القول إنه لا يمكن حصر العطاء المذهبي لعمل ناضج ما بهذا الاتجاه أو ذاك حتى نزعم أن هذه الرواية - مثلا - تنتمي بالمطلق إلى الاتجاه الرومانسي، أو الواقعي أو التجريبي أو غير ذلك من الاتجاهات. إن السمة العامة تظل أقرب إلى الترجيح وليس الشمول؛ هل يخلو العمل الواحد من أعمال غالب هلسا مثلا من نماذج بشرية تمثل أكثر من اتجاه واقعي أو الرومانسي... سطحي أو مثقف... انتهازي أو ملتزم..؟... وهل يرتكز الواحد من هذه النماذج على رؤية أحادية فحسب؛ أو يصدر عن مواقف متجانسة بالمطلق؟ فقد تنبني المرتكزات النموذجية للشخصية بحسب الفضاء المكاني الذي تتحرك فيه الشخصية؛ فتصنع من خلالها الأحداث هذا الفضاء ليبرز لدينا في هذا التوجه عدد من الأطر النموذجية: مدينية وانتقالية وقروية، أو بيئة بادية أومخيم. بل تنبثق داخل كل فضاء من هذه الفضاءات بيئات فرعية قد ترتبط بالمهنة أو المستوى التعليمي (الفكري) أو حتى الكثافة السيكلوجية لدى الشخصية وطبيعة ميولها وتوجهاتها لتنعكس من ثم- على سبيل التبسيط- مسميات نموذجية متنوعة وأحيانا متمايزة. وليس الهدف هنا تتبع مسيرة النموذج الرواية الأردنية في سن النضج الحقيقي الذي بلغته بعد رحلة الستين سنة الماضية؛ ولكن حسبنا الوقوف عند بعض العلامات بات من الممكن الاتكاء عليها لتصور منهجية تأخذ في اعتبارها أن المسيرة الجليلة تنتظم ضمن اتجاهات بألوان الطيف. إن الرواية الأردنية -مثلا- انتظمت منذ مطلع الثمانينيات (العقد الذهبي) في اتجاهين رئيسيين على الأقل، شأنها في هذا شأن الرواية العربية بعامة: رواية حديثة بتقاليد القرن التاسع عشر، ورواية جديدة (تجريبية) وتحديدا بإنجازات الستينيات من القرن القضي وما بعدها. -3- واللافت أن عددا من روائيينا الكبار، قد متحوا من بئري الرواية الحديثة والرواية الجديدة، وساروا في التيارين، من هؤلاء- في أعمالهم المبكرة على الأقل- سميحة خريس وليلى الأطرش وهاشم غرايبة وإبراهيم نصرالله وإلياس فركوح وغيرهم، وبعضهم بدأ واستمر في التيار التجريبي وكاد أن يقتصر عليه، من مثل غالب هلسا وتيسير السبول ومؤنس الرزاز وسليمان قوابعة ورمضان الرواشدة وغيرهم بطبيعة الحال. في حين ظل آخرون مخلصين لتيار الرواية الحديثة (وليس الجديدة)، من مثل جمال ناجي وزياد قاسم وغيرهم ... وغيرهم. ومن الممكن، في الرواية الأردنية، أن ينظر إلى النموذج من خلال عدد من الزوايا؛ من مثل أن ننظر من خلال الرؤى بين الواقعية والرومانسية والرواية التاريخية ثم التجريبية. وبدايةً فإن من الصعب القول إن عملاً روائيا ما في الرواية يمكن حصره في هذا الاتجاه أو ذاك، فليس من السهل - وهذا أمر بديهي- أن نقول إن هذه الرواية تنتمي إلى الاتجاه الرومانسي فحسب، وأن هذه الرواية تنتمي إلى الواقعية أو التجريبية أو أنها رواية تاريخية وهكذا.... إننا هنا محكومون بمنطق التغليب وليس بمنطق الشمول، وهذه حقيقة نقدية تكاد تكون مسلما بها. وداخل كل فضاء من هذه الفضاءات تنبثق أشكال متعددة من النماذج وربما الأنماط؛ ففي القرية مثلاً نماذج متنوعة يرسم خصوصيتها واقعها الاجتماعي والنفسي والجسدي، وكذلك الأمر بالنسبة للشخوص التي تحظى بأهلية النمذجة وتنتسب للبيئات الأخرى. وضمن علاقة يحكمها التصوير أو التسجيل أو التأرجح بين التصوير والتسجيل؛ وهي جوانب تحددها في نهاية المطاف رؤية المبدع الروائي ومستوى تمرسه ومدى نضج أدواته. وعلى هذا الأساس فثمة تقسيم عليه أن يستند إلى الشخصية، موقفاً فكرياً وموقعاً اجتماعياً وربما تكويناً سيكولوجياً. وبالنسبة للموقف الفكري هناك موقف المثقف، اتجاهاته التي تبثها حوافز إديولوجية كامنة أو ربما سافرة، أو منطلقات عامة قد تصدر - من جانب المبدع - عن قصد، أو تتسرب في عروق الشخصية دون تقصد. وهنا نلحظ قدراً كبيراً من التفاوت في مستويات الأداء الفني؛ ففي حين نجد بعض الأعمال قد ظل مشدوداً إلى الغاية التوثيقية في تقديم النموذج، وباتت النماذج من ثم في هذه الاعمال أقرب إلى الأنماط المكررة غير المتمايزة، والنمط typeعلى أية حال لا يرتقي إلى مستوى النموذج model؛ لأن النمط يرتهن- في المقام الأول- لتصور ما خارج العمل مرجعيته الصورة النمطية stereotype فهو شخصية ثابتة أو مسطحة flat بخلاف الشخصية النموذجية بتمايزها وخصائصها المتفردة. إنها بالتعبير القديم لفورستر الشخصية النامية أو المتطورة developed وبعضهم يفضل استعمال «المدورة» rounded ... نجد أعمالاً أخرى قد استوعبت الشروط والآليات المستخلصة من مسيرة الرواية بشكل عام، من مثل: البناء السردي للموضوع الروائي وصياغة الشخوص والحرص على تمايزها، ناهيك عن الأحداث الفرعية، والتمهيد للقادمة، ولغة السرد، وموقع الراوي، وتعدد مستويات الحوار، إضافة للنزوع إلى التحليل والتوجيه الدرامي لإنجاز العقدة والانطلاق من الرؤية الفكرية التي تحكم الاختيار وتوحي بالمعنى وتنجز الرسالة ، ثم تصوير النموذج كتعبير أقصى عن ركائز معينة في الحياة والعناية بالأبعاد الخارجية، والنفسية، والعقلية للنماذج البشرية. وضمن هذا التصور أنجز عدد من الروائيين نماذج روائية تحظى بخصائص ذاتية منبثقة عن روح المرحلة ومعبرة عن القوى السائدة فيه، ولها في الوقت نفسه مكوناتها النفسية وربما الجسدية الخاصة بها. ولم يقتصر نجاح هؤلاء على إنجاز النموذج/ الشخصية الرئيسة أو المحورية بل قدموا بوفرة النموذج من خلال الشخصية الثانوية، التي لا تحضر إلا في مشهد واحد فحسب. مجاوزة بذلك دور القرص المضيء الذي ينتقل فحسب بين النجمين (أي البطلين) بحسب تعبير فورستر الشخوص الثواني عند غالب هلسا مثلا وفي «سلطانة» (1987) تحديدا. -4- ولما كان النموذج الروائي- في المقام الأول- انبثاق رؤية واقعية تسعى بأمانة إلى تصوير الواقع بمعطياته كافة، كان من الطبيعي لهذه المعطيات أن تفرض نفسها فتبرز، من ثم، نماذج من وحي المرحلة تجمع عضوياً بين التعميم والسمات الشخصية لبطل المرحلة، وتنطوي على إيماءات دالة، عن بعد، على فلسفة المبدع وموقفه من هذا الواقع بما يضعفه أو يقويه، وهذا ما صرح به نجيب محفوظ نفسه معللا انقطاعه عن الكتابة في معظم سنوات الخمسينيات؛ لأنه شعر - كما يقول- بأنه أدى دوره بوصفه روائيا في فضح مجتمع ما قبل ثورة 1952 ومن ثم إضعافه بغية الإجهاز على مظالمه ومن ثم آن له أن يحلق في سماء واقع جديد. ومنذ الثمانينيات، بخاصة، برزت في الرواية الأردنية نماذج روائية جديدة تمثل القوى الجديدة التي بدأت تهمين – في حقيقة الأمر – على المقدرات المادية للمجتمع الأردني، وهي النماذج التي تجسدت في نماذج رجال الأعمال بصورتهم الجديدة، بعد الطفرة النفطية، مع ما يستتبع النماذج/ الأبطال من نماذج أخرى تمثل الشخوص الثواني من العاملين في الشركات وما يتصل بكل هؤلاء من نماذج تمثل قوى السوق وأخرى قد لا تظهر مباشرة في المشهد ولكنها تسهم في صنع الصورة وتكوين الواقع الجديد. وقد بدأ نفوذ الفئة التي تمثلها هذه النماذج بالاستفحال بدءاً من منتصف السبعينيات، وكان من الطبيعي أن يولي الروائي الأردني لا سيما ذوو الرؤية الواقعية هذه النماذج عنايته، ومن ثم راح يرصد بزوغ نجم النموذج الجديد وصعوده ثم تراجعه قليلاً في السنوات الأخيرة من عقد الثمانينات، إلى أن بلغ درجة الانهيار مع سائر نماذج الطبة الوسطى عقب حرب الخليج الثانية، ومن هؤلاء زياد قاسم في «المدير العام» (1987) ومؤيد العتيلي في «الكومبرادور» (1992) وجمال ناجي في «الحياة على ذمة الموت» (1993) ثم سميحة خريس في «بقعة عمياء» (2019) تحديدا وغيرهم. ومع أن صعود النموذج وتراجعه قد ارتبطا بمرحلة محددة.. أو سنوات بعينها، فإن هذا لم يحل دون تمكن الروائي الأردني من تحقيق الشروط الفنية والموضوعية للنموذج النابض الذي يتحرر فنياً من إسار المرحلة ولا يخبو شعاعه الفني بمجرد انقضائها. وهو ما يستوجب وقفة بل وقفات أخرى بطبيعة الحال. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 17-02-2024 06:21 مساء
الزوار: 327 التعليقات: 0
|