|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
«اليركون» لصفاء أبو خضرة... بناء ملحمي للنكبة الفلسطينية 1948
عاشقة
الصحراء :
مهدي نصير اليركون أو نهر العوجا الفلسطيني الذي يجري من الشرق باتجاه البحر المتوسط على مسارٍ متعرِّجِ يبلغ بحدود 27 كم ويتحرك من وسط شمال فلسطين وحتى مصبه بين حيفا ويافا، هاتين المدينتين الفلسطينيتين اللتين تعرضتا لأبشع صور الإبادة العرقية والتهجير والتدمير والاقتلاع هنَّ وأكثر من أربعمائة مدينة وقرية ومزرعة وتجمع فلسطيني عام 1948 في النكبة التي لم يتم لغاية الآن توثيقها وتوثيق الإبادة العرقية الجماعية والتدمير الممنهج والتهجير والنهب والسرقة الذي تعرضت له الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني على يد عصابات الهاجاناة والأرجون بكل وحشيةٍ وكل جنونٍ وكلِّ صلفٍ ضدَّ كلِّ ما هو فلسطيني من البشر والشجر والحجر واللغة والطعام والشراب والغناء حتى العشب الفلسطيني لم يسلم من السرقة والتدمير والإبادة والتهويد . في هذه الرواية التي توثق روائياً لسرقة نهر العوجا الفلسطيني عبر سرد تهجير عائلة لميس الراوية الرئيسية في هذه الرواية عبر عائلتها الكبيرة الجد والجدات والأعمام والعمات والأخوال والخالات الذين تم تهجيرهم من أرضهم ومزارعهم وبياراتهم في يافا والجريشة وبيار عدس كنموذجٍ للتهجير والتدمير والإبادة التي مورست بكلِّ صلفٍ ووحشيةٍ ومساندةٍ غربيةٍ بريطانيةٍ وفرنسيةٍ وأمريكية بالدرجة الأولى، هذه العائلة وشتاتها والتي ارتبطت حياتها بخيرات نهر العوجا وأسماكه ومياهه وجناته التي كان يرويها هذا النهر الفلسطيني السليب كانت هي التي شكَّلت متن هذه الرواية وأحداثها . سأقرأ هذه الرواية المهمة والعالية في لغتها وتوثيقها وشخصياتها ورواتها وحبكتها واستنادها على وثائق تجعل من هذا السرد الروائي وثيقةً للتاريخ ووثيقةً للمستقبل الفلسطيني الذي لم ولن ينسى طعم ماء نهر العوجا ولن ينسى أرضه ومزارعه ومياهه وبياراته ومساجده وكنائسه ومتاحفه وشواطئه وأطفاله ونسائه وشبابه الذين تم قتلهم وطردهم وتجريدهم من كل ما يمتلكون، هذا الشعب لن ينسى هذه البربرية والهمجية التي مارسها الغرب الاستعماري في استعادةٍ معاصرةٍ تلمودية لحروب الغرب في إبادة شعوب العالم الأصلية في الأمريكيتين واستراليا واجزاء كثيرةٍ من آسيا وأفريقيا في ممارسةٍ تكشف الجذر العنصري الذي قامت عليه هذه الحضارة الغربية الزائفة، سأقرؤها معكم عبر إشاراتٍ لبعض محاور هذا العمل الروائي الذي شكَّل لي في قراءته وعياً عميقاً بأن هذا الشعب الذي تم تهجيره وسرقته وتدمير بنيته البشرية والاقتصادية والتاريخية لا ولن يتم اقتلاعه ولا ولن يتم محوه ولا ولن يتم قتل روح المقاومة عند أجيالهِ لهذا الوحش القادم من سِفاح التلمودية الصهيونية مع الرأسمالية الإستيطانية الغربية المتوحشة والفاقدة عبر تاريخها لأيِّ حسٍّ أخلاقيٍّ: تتكوَّن هذه الرواية من ثلاثة فصولٍ مستقلةٍ ومتشابكةٍ معاً، ويمكن قراءة كلِّ فصلٍ منها كأنه روايةٌ مستقلةٌ كاملة البناء، حيث يشكِّل الفصلان الأول والثالث نصين متداخلين يقوم بدور الراوي الغامض في هذين الفصلين لميس وربما زياد وربما الروائي الذي يتماهى مع كلٍّ من لميس وزياد بحيث أنني شككتُ أثناء قراءة الرواية أن الروائي هو زياد ابن مخيم اربد وأن الروائي هو شبحٌ للراوي العميق في هذه السردية خاصةً أن هناك شواهدَ في الرواية تشير لهذا الغموض الذي يربط زياد بالروائي فهاجر أمُّ زياد هي نفسُها مربية الروائي وحاميته كذلك ينتحر والد الروائي بنفس الطريقة التي ينتحر بها والد زياد وكأن الروائي هو شبحُ زياد وصورته التي تولَّدت من الحاجة العميقة لزياد لكتابة روايته ورواية لميس وما رافقها من أسرٍ وتعذيبٍ واعتقال في سجون الإحتلال الصهيوني وتتماهى هذه الحاجة في تداعيات الروائي مع رواية « أنتَ منذ اليوم « للراحل تيسير سبول ونقرأ هذا التماهي ص32 : « متى ستخرجينَ من سباتِكِ أيتُها الرواية ؟ مصلكَ الوحيدُ للنجاة « أنتَ منذ اليوم «، إما أن تكتب، أو تنتحر»، أما الفصل الثاني فهو سردية لميس ابنة مخيم اربد وبدون التباس والذي أسمته لميس درب الآلام والتي وثَّقت فيه حياة الأسيرات الفلسطينيات مستندةً على قصصٍ حقيقيةٍ للأسرى والأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الصهيوني، وفي هذا الفصل الوثيقة التي توثق بشاعة وقذارة ووحشية هذا الإحتلال الهمجي في تعامله مع أسيراتٍ طفلاتٍ وأسيراتٍ حوامل وأسيرات أمهات وأسيراتٍ صبايا ولكنهن كلَّهن فلسطينياتٌ مؤمنات بأن هذه الأرض الفلسطينية هي بلادهن التي ستتحرر يوماً ما، كنَّ يتعلمن ويعلِّمنَ ويصنعنَ فرحاً وسط هذا الظلام وهذا البطش وهذا القتل التلمودي القادم من أقذر ما أنتجته أوروبا والغرب في غيتوهاتها العنصرية. لغةُ الرواية كانت لغةً عاليةً ومتقَنةً تمتزج فيها اللغة الفصيحة السلسة مع المفردات واللهجة الفلسطينية والتراويد والأهازيج والأمثال والصيغ الشعبية الفلسطينية المتداولة في الحديث اليومي، تم توظيف هذه اللهجة في فصول الرواية بكلِّ ذكاءٍ واحترافٍ بحيث يجعلنا نعيش اللحظة التي قيلت فيها كأننا نسمعها حيَّةً الآن، نقرأ هذا الحوار بين مريم وإبنها البكر محمد الدال على لغة الحوار الواقعية التي تم استخدامها في هذه الرواية: «وبينما هو يلفُّ سيجارته يمررها على شفتيه ليمنحها اللعاب، فيحكم التبغ في الورق بكلِّ برود، ودون أن ينظر إليها قائلاً: كيمي كيامتنا يما... مهي كامت وخلصنا... العصابات بفوتوا عالبيارات بسركوها وبسركوا الجاج والحمام، وبحركوا البيوت، وبخطفوا الولاد الصغار وبكتلوهم... شو بدك يما أكثر من هيك كيامة... شو أكثر من هيك...» ص 182 زمان الرواية يمتد من ثلاثينيات القرن الماضي حتى الآن ومكانها هو نهر العوجا ومخيم اربد وشخوصها هم أبناء وأحفاد عائلة فلسطينية من قرى حوض نهر العوجا الفلسطيني وتشتتهم في كلِّ أصقاع الأرض. شخصية الرواية الرئيسية وراويتها هي لميس - التي سمَّتها بهذا الاسم إحدى عمَّاتها تيمناً بالشهيدة الفلسطينية لميس التي استشهدت بتفجير سيارة خالِها الروائي الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني عام 1972 في بيروت – وهي حفيدة هذه العائلة الفلسطينية التي اقتلعت من ضفاف نهر العوجا وولدت في مخيم اربد ودرست الصحافة والإعلام وهاجرت إلى أمريكا لتعمل في الصحافة على أمل أن هذه المهنة ستعطيها الفرصة لتزور بلادها فلسطين، وزارتها فعلاً ولكن كأسيرةٍ سلَّمتها أمريكا للكيان الصهيوني بعد اغتيال زوجها عالم وأستاذ الآثار الفلسطيني غسَّان ابن يافا لتقضي في الأسرِ عشرة سنواتٍ ولتخرج بعدها لتسكن في بيت غسان القديم في عمَّان ولتلتقي ايضاً بزياد بعد خروجه من معتقل الصهاينة ولتعيد بناء روايتها عن هذه التجربة الفلسطينية التي بدأها الدكتور غسان بتوثيق التراث الشعبي الفلسطيني وتوثيق القرى والبلدات الفلسطينية التي تمَّ تدميرها ومحوها مع سكانها عن وجه الأرض ولذلك تمَّ اغتياله، وتم بناء جزءٍ من حبكة الرواية على الذاكرة بمعنييها الرقمي والمعنوي والتي حاول وعمل الدكتور غسان على توثيق كلِّ هذا التراث وكلَّ هذه الإبادة والتطهير العرقي للجغرافيا والذاكرة الفلسطينية، أما زياد فهو صديق ومعلم لميس والذي أحبته وافتقدته حتى رأته بأمريكا بعد زواجها من الدكتور غسان الذي تبنى زياد وساعده على الخروج من أزمة موت شقيقه وانتحار أبيه وتشرد أمه وتبنى تدريسه في الجامعة في امريكا في علم الآثار، أما ناجي صديق غسان والجاسوس الصهيوني الذي انتحل اسم ناجي فقد كشفه زياد ولميس وكان الدكتور غسان يشكُّ به وهو الذي خطَّط لاغتيال غسان وزوجته لميس وزياد في تفجير سيارتهما في نيويورك، الروائي وهو شخصية مركَّبة تمزج لميس وزياد معاً، هاجر مربية الروائي وام زياد، الجدة مريم والجدة رشيدة والجد حسن ومحمود وجمعة وابو بلال المهندس وقصص وشخصيات الحارة في مخيم اربد وما ضمَّه من حزنٍ وبؤسٍ وخوفٍ وضياعٍ وتحدٍّ، كلُّ هذا كان حاضراً في رواية أبناء مخيم اربد لميس وزياد اللذين امتزجا صوفياً بفلسطين وانتميا صوفياً للإرتقاء نحوها بكلِّ هذا الوله الصوفي الذي عبرت عنه لميس بحلمها الدائم بتغسيل أقدامها ووجهها بمياه نهر العوجا الفلسطيني. في متن الرواية هناك توثيق ومقولاتٌ كانت ترددها لميس كمفاصل زمنية للرواية: خطة دالت الصهيونية قبل النكبة وإقرار التطهير العرقي وتدمير القرى الفلسطينية كقرار لبن غوريون وعصابته في البيت الأحمر الذي وثَّقه للمرة الأولى المؤرخ اليهودي ايلان بابيه في كتابه «التطهير العرقي في فلسطين» والذي طُرد بسبب ذلك وبسبب مواقفه في تأييد الحق الفلسطيني من جامعة حيفا، ووثقت الرواية للانتفاضة الفلسطينية الأولى التي انطلقت شرارتها من جباليا في غزة عام 1987، ووثَّقت كذلك للحرب الأمريكية على العراق 2003، وأرَّخت للمقاومة الفلسطينية من ألثلاثينيات ابتداءً من مجموعة ابو عرب ونضال واستشهاد عبد القادر الحسيني ورفاقه في القسطل، كلُّ ذلك كان حاضراً في هذه السردية الفلسطينية التي تماهت مع أرض فلسطين ومياهها وناسها وجغرافيتها تماهياً صوفياً وطنياً عميق. الإهداء ص5 في الرواية كان يحمل المعنى العميق لهذه الرواية «من النهر للبحر» والذي يحمل المعنى الحقيقي لهذا الصراع مع التلمودية الصهيونية الاستيطانية الغربية: لا حلول مع هذا الجسم السرطاني الغريب الذي تمَّ زرعه في بلادنا وهذه الأرض كلُّها وكلُّها وكلُّها هي فلسطين وفقط فلسطين. هذه الرواية والصادرة هذا العام 2024 عن دار الفينيق للنشر والتوزيع هي ليست الرواية الأولى لصفاء أبو خضرة ولكنها الرواية الأولى التي أقرؤها لهذه المبدعة الفلسطينية كونها تنتمي جذورها لفلسطين والأردنية كونها وُلدت وعاشت وتعلَّمت في وطنها الأردن وفي مخيم ومدينة اربد، هذه روايةٌ تؤشر لروائيةٍ مهمةٍ ومتميزةٍ تمتلك أدواتها الفنية والثقافية والوعي العميق بدور الثقافة في بقاء حسِّ المقاومة لهذا الوحش التلمودي الغربي حتى تعود بلادنا لأهلها وأصحابها الحقيقيين. الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الخميس 04-07-2024 11:13 مساء الزوار: 140
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
قراءة في رواية «النبطي المنشود» لصفاء ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 04-10-2024 |
«النبطي المنشود» لصفاء الحطاب رواية ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | السبت 30-03-2024 |
قراءة في رواية صفاء أبو خضرة «اليركون» | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 14-02-2024 |
رواية «سيدات القمر» لجوخة الحارثي.. ... | النقد والتحليل الادبي | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 14-06-2019 |
رائحة الزّمن العاري" تجسّد بناء ... | النقد والتحليل الادبي | اسرة التحرير | 0 | الثلاثاء 27-10-2015 |
دراسة معمقة لنص الشاعرة الفلسطينية ... | النقد والتحليل الادبي | اسرة التحرير | 0 | الإثنين 22-06-2015 |
قراءة واستعراض في أشعار الشاعرة ... | النقد والتحليل الادبي | اسرة التحرير | 0 | الثلاثاء 26-08-2014 |
قراءة في أشعار، الشاعرة الفلسطينية، ... | النقد والتحليل الادبي | اسرة التحرير | 0 | الجمعة 01-03-2013 |