علي القيسي

من العنوان نبدأ وعند العتبة نقف قليلا نتأمل العنوان الذي يحمل دلالة واضحة، «سحابا ثقالا»، تناص ديني من القرآن الكريم اتكأت عليه الكاتبة الشابة ياسمين، مما يدل على البعد الديني المؤثر في حياتها، اختارت عتبة النصوص بهذا العنوان الجميل الذي يحمل في مضمونه الكثير من الدلالات والإشارات، فالسحاب يعني الكثير في حياة الدنيا والإنسان، فهو يبشر بالخير والغيث والحياة، والأمل والحب والحياة وجعلنا من الماء كل شيء حي، وهذا السحاب الثقيل هو الغيم الذي يحمل الغيث والماء الغزير المنهمر، الذي يروي الأرض والإنسان والحيوان والشجر وكل الكائنات الحية.

بدأت الكاتبة الواعدة ياسمين بالبعد الإنساني الحياتي الحيوي والذي يظلله البعد الديني وهو المرتكز الذي تنطلق منه في سطور كتابها بالعناوين وما تتضمنه من أفكار ومشاعر وعواطف جياشة، ومفردات جميلة هادئة نابضة بمعاني الشغف الروحاني للحياة والكون والوجود، فهذه الخواطر لم تكن عبثية أبدا، أو استعراضية، أو مجرد كلمات وسطور وصفحات، بل إنها مشاعر صادقة وأحاسيس واعية ونبضات قلب طاهر نقي، كقلب طفل لا يرى من الحياة إلا الفرح والبراءة والحب، في صفحات هذا الكتاب هناك الصدق والإحساس، وهناك الفكر والحلم والرؤى.

سحابا ثقالا، يحمل الكثير من الوجه الإنساني والفلسفة الفكرية والقلق المشروع، أمام أسرار الحياة والإنسان، ويسلط الضوء على البعد الروحي والغيبي، ويطرح أسئلة كثيرة، في حوارات داخلية بين الكاتبة وذاتها،

ففي هذه الخواطر الشعرية والوجدانية تكتشف البدايات والاتجاهات والنزعات التي تتشكل في النفس البشرية وبصمت، فهذا الإنسان بشكله العام، يمور في داخله إنسان آخر، لا يفارقه وهي النفس، التي كثيرا ما وردت في السور القرآنية، وتحمل دلالات كثيرة، وتشكل جوهر الإنسان، ففيها الخير والشر والصلاح والفلاح، والاستقامة والانحراف، والإيمان والكفر: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها).

فالدلالة هنا التقوى التي تنير القلب والروح والنفس، وهذه الخواطر الرائعة تعكس نفسا متدينة ومؤمنة ومبدعة، وهذا ما قراءته في مفردات وعبارات وحمل هذا الإصدار المبارك، سحابا ثقالا.

أما دراسة هذا الكتاب من ناحية نقدية أو فنية فلا أستطيع ذلك، فالنصوص والخواطر سهلة ولا يوجد تعقيدات أو غموض في المعاني والمباني، فاللغة سهلة وواضحة، والمعاني مفهومة ودالة وتحمل الكثير من الأسئلة، والكاتبة تكتب ما تجود به قريحتها في الوقت المناسب والظرف المسبب والفكرة المستمدة من فيض المشاعر والتراكمات السابقة، فالكتابة لديها في هذه النصوص لا تعتمد على السرد والشخص والحبكة كما في القصة والرواية أو كما في الشعر، فهي تقدم نفسها ككاتبة جديدة مبتدئة، وأمامها طريق طويلة من الاجتهاد والتعلم والتدريب على التمكن من أدواتها واختيار الطريق الذي يناسب موهبتها، إن كان في الشعر أو في النثر، فهي الآن تبني تجربتها الأولية بهذه الخواطر، مثلها مثل أي كاتب أو كاتبة بدأوا المشوار وهذه البدايات لكل المبدعين الذين واصلوا طريقهم في الكتابة والإبداع وأصبحوا مشاهير ولهم بصماتهم، ولا نريد في هذا المقام تعداد الأسماء الكثيرة.

ومن هنا أقول، الإبداع بحاجة إلى مطالعة وقراءة مستمرة وعميقة وواعية، حتى تصقل الموهبة عند الكاتب، فالقراءة والبحث في الكتب المفيدة ضروري، فالغذاء الفكري للموهوب والمبدع على السواء مهم جدا، فالمزيد من القراءة القصص والروايات وكتب النقد أيضا والشعر وكل ما يتعلق بالفكر والتأليف والمعرفة والثقافة والأدب مطلوب وضروري حتى تقوية التجربة الإبداعية ويتمكن الأديب من أدواته وخبراته وثقافته، ذلك ينعكس على مدى نجاحه وتميزه في الجنس الأدبي الذي سيشتغل عليه ويبدع فيه إن كان شعرا أو نثرا.