|
|
||
|
قراءة نقدية في قصيدة للشاعر التونسي حبيب حاجي" وحيدة الماء" للناقدة منوبية الغضباني
خوض في قصيد للشاعر التونسي حبيب حاجي وحيدة الماء
وحيدة الماء كالموال أعزفها
ترتادني نهما أجتاحها وَلَها
كالليل تهزمني كالحلم أقطفها
كالفجر أحضنها أحيا بها وَ لَها
أشتاقها غيمة تهمي على ظمإي
تسقي حروفا لسانُ القحط كبّلها
هذي المسافات ريح وانصهار دم
جرى على الماء أنفاسا فأشعلها
وهي التي أوقدت نيران فتنتها
حين التشتت مرّ الطيف أوصلها
سالت مع الماء فوق الحلم وانزلقت
كوجه مرمرها الله ارسلها
الروح نابضة والشوق منتشر
اعمى بلا نظر يرتاد منزلها
_________________
وحيدة الماء
عنوان لقصيد للشاعر حبيب حاجي ...قصيدة استوقفتني بصوت ناظمها وهي تتدفّق من عمق وجدانه بروعة الإلقاء بما جعلني ألج النّص الشّعري وعالم الكلمات فيه بشغف
فإلقاء الشاعر لقصيده وتوظيف التقنية الحديثة في هذا يجعل الشعر بصوت ناظمه فضاءا اتصاليّا بكلّ مكوّناته...إلقاء أترع القصيد توهّجا وأشاع في أعطافها مواطن الدلالات ..
طريقة الإلقاء جيّدة تحرّكت بي في جسد النّص بمهارة فائقة فظفرت عند السماع بمسارب المعنى والوعي المرهف بما قذته نبرات الصّوت ونزّلته تموجاتها وتدرجاتها
وحتّى لا أخوض أكثر في هذا المجال فإنّي أكتفي بما قاله البعض "الإلقاء فنّ ومهارة و لا اختلاف بين مهنتي فن إلقاء الشعر والأداء المسرحي، فإلقاء الشعر نوع من التواجد على الخشبة،".
وحيدة الماء
عنوان لهذه القصيدة المكثّفة المختزنة بجمال المعاني
والماء في الشعرله رمزية انعاش عاطفة الحبّ واخصابها بوصل الحبيبة ..
وقد اعتمده الشعرا ء لتوليد الصورة الشعرية وتضمينه دلالات مختلفة ..
وفي تأمّل لهذا العنوان فقد جعل الشاعر صلة الماء بالحبيبة عبر توظيف المضاف والمضاف إليه ليرفع قداسة الحبيبة بما ييسر فهم العلاقة بينهما ...
لتصير "وحيدة الماء"في كيانها نتيجة تفاعل وأيقونة مقدودة من "الماء" فتتفاعل فيها مدركات شاعرنا ..
يقول الشاعر في مستهل قصيدته
وحيدة الماء كالموال أعزفها
ترتادني نهما أجتاحها وَلَها
كالليل تهزمني كالحلم أقطفها
كالفجر أحضنها أحيا بها وَ لَها
نلاحظ غزارة التشابيه وتوزّع استعمالاتها عبر منهج دقيق متنام من بيت الى آخر
والتشبيه الذي استعمله شاعرنا في قوله (كالموال أعزفها ...كالليل تهزمني...كالحلم أقطفها ...كالفجرأحضنها) هي تشابيه خيالية ألحقها البلاغيون بالتشابيه الحسية التي لها وجود حقيقيّ ومدركة بالحسّ،..
على غرار (الموّال...الحلم ...الفجر ...)
أمّا الأفعال المرافقة لها فهي بخصيصتها اللغوية المعجمية قد جعلت تمثلها جليّا في الإفصاح عن المعنى والمقصد وتمكين المتلقي من الأبعاد المجازية والفنية للخطاب الشّعري
فوحيدة الماء التي شبهها بالموال لا يستعصي عزفها ...
هي ترتاده نهما وهو يجتاحها ولها ...وبين النهم والوله تتمايز الصورة وتتباين بسيمات الطرافة ليأخذنا الشاعر في في تداخل طريف بينما...
كالليل تهزمه وكالحلم يقطفها ....فهذه وحيدة الماء توقعه في حبائلها وتهزمه مع الليل لكنها كالماء في انسيابه ...يصوغها بمهارة الشعر والبلاغة "حلما يقطفها "
ثم يستمر في رسم تماس شفيف بين خيبة "ليل يهزمه "الى رجفة لذّة احتضان وصبوة جسد تعلنها قصدية الدلالة في قوله "أحيابها ولها"..
وتتجلى الذات في فضاءات النّص اللّاحقة لتفكّك علنا رغبة شاعرنا في قوله
أشتاقها غيمة تهمي على ظمإي
تسقي حروفا لسانُ القحط كبّلها
يرسمها "غيمة ماطرة" تسيل بغزارتها لتسقي ظمأه ..وقد رأيت هنا لعبارة "ظمأ "معنى آخر تنظمه سياقات انتاج المعنى ..
وليس من الغريب أيضا أن تكون ملهمته وشيطان شعره تسقي الحروف فتخصب بعد قحط والمرأة الحبيبة هي القصيد على فم الشاعر
وفي آخر هذه القصيد يدخلنا الشاعرفي عالمه الشّعوريّ الخلّاب العارم المفعم عشقا وهياما ...
فيشدّنا في قوله
هذي المسافات ريح وانصهار دم
جرى على الماء أنفاسا فأشعلها
تصوير عابق ب"العجائبي " والغير مألوف...فالماء الذي يطفئ الحرائق صار يلهب المسافات بينهما ويشعلها
وكأنّي بشاعرنا يدك عجبنا وحيرتنا فيوضّح ويبرّر
وهي التي أوقدت نيران فتنتها
حين التشتت مرّ الطيف أوصلها
وتحتشد اللغة بصورها ومعانيها برمزها ودلالاتها العميقة لينبئنا عمّن تحرّك المشهد وتمنحه دورة الحبّ وتجدّده (هي التي أوقدت نيران فتنتها...ومرّ طيف أوصلها )
سالت مع الماء فوق الحلم وانزلقت
كوجه مرمرها الله ارسلها
وتنبثق "وحيدة الماء) وقد (سالت مع الماءوانزلقت )
كوجه مرمرها الله...(من مرمرم...والمرمر هو الرخام ...)وأرسلها
سحر الوصف يخترق الحجب ويومئ الى نورانية وحيدة الماء لتنتصب (والروح نابضة والشوق منتشر)
تزرع فيه نسغ الحياةوالبصيرة (اعمى بلا نظر يرتاد منزلها)
قفلة لنص شعريّ تأخذنا الى عالم خارج الزمان والمكان ...تشيع في الروح طقوسا خاصة فتتمأوج على أوتاره
قاصرة حروفي شاعرنا المتميّز في الإمساك بخيوط تميّزلغتك وتفرّد مناخاتها الشّعرية في "وحيدة الماء"التي منحت قصيدتك نضارة وموعدا آخر للشّعر لديك
صديقتك منوبية الغضباني
القصرين في 10.12.2020
الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: السبت 12-12-2020 06:19 مساء الزوار: 285 التعليقات: 0
|
|