صيدة نموذج من صعلكة الشعراء المشاركين في ملتقى غزلان الخيال للشعرالعربي الملتئم أيام 1.2.3سبتمبر 2013 بماجل بن عباس...تونس
.فقد تميّز هذا الملتقى بمشاركات قيّمة ومخصوصة أعادت الى أذواقنا متون الشّعر القديم وترف قصائده واخترقت فضاءاتها المألوفة فكانت انبعاثا من رحم القصيدة الجاهلية ...عبروا بها الزّمن في معارضات نصيّة شعريّة صريحة ...فقفزوا بنا الى الخيال في تحدّ للزّمان والمكان ...وها قد حطّ بنا الناجي النصري عند لامية الشنفرى في معارضة لها ف
هذا الشاعر" الصعلوك" الذي يكتب ولا يؤمن بالكتابة ويؤلّف ولا يؤمن بالتّدوين ......أشعاره المتمرّدة لا تقع على الورق ....تفورمن وجدانه لتحطّ على قلوبنا وأسماعنا مباشرة...هذا الشّاعر الذي يحمل ألف قصيدة لم تُكْتب بعد ...وأن كُتبَتْ فلم تلق بعد طريقها للإنهاء...نقرأ له فنقف على صراعا ت تعكس التّحدي والرّغبة في كسر كلّ قيد...شعره ملتبس بأبعاد سياسية وطنية وجدانية غزلية..لا ينافح من خلاله لتأسيس لكيان شعريّ خاصّ بقدر ماهو يبحث على الإنسجام مع نفسه ...هذا الشاعرالممتلئ بمضامينه وقناعاته وادراكاته...وقد رمت من خلال هذه القراءة الوقوف عند رائعته هذه
______________________________________________
ﺃﻗﻴﻠﻮﺍ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻲ ﻭﻻﺓ ﺃﻣﻮﺭﻛﻢ
ﻓﺈﻥ ﻭﻻﺓ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻋﻤﻰ ﻭ ﺃﺣﻮﻝ
ﺇﺫﺍ ﻣﺎ ﺭﺃﻭﻧﺎ ﻣﺮﺓ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ
ﺭﺃﻭﻧﺎ ﺧﻴﻼﺕ ﺗﺒﻴﻦ ﻭ ﺗﻤﺤﻞ
ﻓﻠﻢ ﻳﺒﺼﺮﻭﺍ ﺍﻟﻬﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ
ﻭﺟﻮﻫﻨﺎ
ﺗﺠﺎﻋﻴﺪﻧﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺘﺸﻜﻞ
ﺣﺮﻭﻓﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻛﺄﻧﻬﺎ
ﺭﺳﺎﺋﻞ ﻋﺸﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﺍﺋﻦ ﺗﺮﺣﻞ
ﺗﻄﻮﻑ ﺑﺄﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻨﻬﻰ ﻋﻠﻬﺎ
ﺍﻟﻨﻬﻰ
ﻟﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺇﻏﻼﻕ ﺍﻟﻤﺪﻯ ﻣﺎ ﺳﺘﻔﻌﻞ
ﺃ ﻧﻀﻤﺄ ﻳﺎ ﻫﺬﺍ ﻭ ﻣﺰﻧﻚ ﺩﺍﻓﻖ
ﻭ ﻧﻌﺮﻯ ﻛﺄﻥ ﻟﻢ ﻳﺮﻗﺺ ﺍﻟﻐﺰﻝ
ﻣﻐﺰﻝ
ﻳﺘﺎﻣﻰ ﻭ ﺃﺳﻮﺍﺭ ﺍﻟﻠﺌﺎﻡ ﻣﻨﻴﻌﺔ
ﻓﺮﺍﺩﻯ ﻭ ﺃﺣﻼﻑ ﺍﻟﻌﺪﻯ ﺗﺘﻜﺘﻞ
ﻭ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻳﺴﺘﺰﻳﺪﻭﻥ ﻣﺨﻠﺒﺎ
ﺧﺒﻴﺮﺍ ﺑﺬﻱ ﺍﻷﻛﺘﺎﻑ ﻣﻦ ﺃﻳﻦ
ﺗﺆﻛﻞ
ﻭ ﻧﻤﻨﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺨﻴﺒﺎﺕ ﺣﻴﻦ ﺭﺃﺕ ﻟﻨﺎ
ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺟﺮﺡ ﻓﺎﺭﺳﺎ ﻳﺘﺮﺟﻞ
ﺃﻫﺬﺍ ﻗﻄﺎﻑ ﺍﻟﺤﺎﻟﻤﻴﻦ ﺑﺜﻮﺭﺓ
ﺗﻘﺎﺫﻓﻬﺎ ﺍﻟﺮﻫﻂ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻭ ﻧﻜﻠﻮﺍ
ﺣﻜﻤﻨﺎ ﺑﺄﺟﺪﺍﺙ ﺗﺤﺮﻙ ﻛﺎﻟﺪﻣﻰ
ﻭ ﺗﺴﺄﻟﻨﺎ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﺗﺴﺄﻝ
ﻳﻐﻨﻲ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﺪﺓ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺭﺍﻫﺐ
ﻳﺴﻤﻲ ﺛﻼﺛﺎ ﺭﺑﻪ ﺛﻢ ﻳﻘﺘﻞ
ﻭ ﻫﺬﺍ ﻟﻌﻤﺮﻱ ﺟﺎﻫﻞ ﻗﺎﺩ ﺟﺎﻫﻼ
ﻭ ﺇﻧﻲ ﻟﻤﻤﻦ ﻳﺪﻋﻲ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﺃﺟﻬﻞ
ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻤﻨﺴﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻨﺒﺮ
ﺃﺻﻠﻲ ﻟﻘﻠﺒﻲ ﻭﺣﺪﻩ ﺣﻴﻦ ﻳﺨﺬﻝ
ﻭ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﺫﺍ ﻧﺒﺾ ﻭ ﺧﺎﻑ
ﻓﺤﺴﺒﻪ
ﺃﻧﺎ ﻟﺴﺖ ﺫﺍ ﻧﺒﺾ ، ﺍﻧﺎ ﺍﻟﻘﻠﺐ
ﻳﺮﻛﻞ
ﺃﻧﺎ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻤﻨﺴﻲ ﻋﻤﺪﺍ ﻭ ﺭﺑﻤﺎ
ﺗﻨﺎﻭﺷﻨﻲ ﺍﻷﺣﻼﻑ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺗﻘﻮﻟﻮﺍ
ﻭ ﻟﻲ ﺭﺣﻠﺔ ﺇﻥ ﺷﺌﺖ ﺃﻋﻠﻦ ﺑﺪﺃﻫﺎ
ﻣﺘﻰ ﺭﺍﻭﺩﺗﻨﻲ ﺭﻳﺤﻬﺎ ﺳﻮﻑ
ﺃﺭﺣﻞ
ﻓﻠﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺪﻯ ﺍﻟﻤﻔﺘﻮﺡ ﺣﻠﻢ ﻭ
ﺧﻴﻤﺔ
ﻭ ﻣﻦ ﻭ ﺳﻠﻮﻯ ﻫﻜﺬﺍ ﺳﻮﻑ ﺗﻨﺰﻝ
ﻭ ﻟﻲ ﻓﻲ ﺍﺗﺴﺎﻉ ﺍﻟﺪﺭﺏ ﺣﺐ
ﻣﻌﺘﻖ
ﻳﺮﺍﻭﺩ ﺃﻧﻐﺎﻣﻲ ﻓﺘﺤﻨﻮ ﻭ ﺗﺤﺒﻞ
ﻭ ﻟﻲ ﻭﻃﻦ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺮﺣﻴﻞ ﻭ ﺑﻌﺪﻩ
ﺟﻤﻴﻞ ﻭ ﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﺃﺟﻤﻞ
فالإختيار في حدّ ذاته موفّق باعتبار أن لامية الشنفرى نموذج من حيث قوّة السّبك
نستشفّ منه فحولة الناجي الشّعريّة وجرأته وثقته بإمكانياته في معارضة قصيدة تعتبر من روائع الشعر الجاهلي ولاغرابة وغطاء الشّعر في هذا الملتقى هو قدرة الإبداع والمجازفة والرّهان على صعلكة الشّعراء المتميّزين .
وإنّ كنت لا أمتلك الدّراية التّامة بمدى تطابق قصيدة الحال مع لامية الشّنفرى من حيث توافقها مع وزنها وقافيتها وحركة رويها، وأن يكون الغرض الشعري واحدًا أو متماثلاً، بما يجعلها معارضة صريحة طبقا لما أطلقه النّقاد والمهتمين بالشأن الأدبي عليها الاّ أنّي أراهن على إلمام الناجي بهذا والتزامه به .......وقد تأكّد لي التزامه بالقافية والتفعيلة الواردة في لامية الشنفرى..(فعول مفاعل فعول مفاعيل)
فالشاعرناجي استحضر الشاعر الشنفرى نصا وتجربة عبر نصه زاجّا بنفسه في منافسة من نوع خاص،فهو لم يتوقّف عند حدود بنية النص المعارض بل أعاد بناءه مضيفا له حياة جديدة.
فبين ما استهل به الشنفرى لاميته بقوله
أقيموا بني أميةصدور مطيكم
فأني الى قوم سواكم لأميل
وبين ما عارض به شاعرنا المطلع بقوله
ﺃﻗﻴﻠﻮﺍ ﺑﻨﻲ ﺃﻣﻲ ﻭﻻﺓ ﺃﻣﻮﺭﻛﻢ
ﻓﺈﻥ ﻭﻻﺓ ﺍﻷﻣﺮ ﺃﻋﻤﻰ ﻭ ﺃﺣﻮل
فالنّسيج النّصي يهادن النّص الغائب ولا يخرّب ايقاعاته ولا يفرغه من مفاهيمه ..فشكذل محاكاة لمعان أخرى رحبة وقد أكد شاعرنا بهذا توقه لتجاوز الاجترار ضاربا بذلك مثلا في المخالفة عند معارضة القصيد دون قطع لعلاقة السّابق باللاّحق بقفز من الماضي الى الحاضر المختلف ...
ويقرّ الجرجاني في علاقة بالمعارضة الشعريّةاستبعاد المحاكاة اللفظية،محددا لإطارها في مستويين،الأول يتم في الإطار الكلي للمعنى من حيث الوصف بالشجاعة أو السخاء أو حسن الوجه...أما المستوى الثاني، فإنه يتأتى بعملية تنظيم صياغي وتوظيف الأدوات البلاغية لإنتاج المعاني الثواني أي الصور والأخيل
وقد ظهر مدى حرص الشاعر المعارض على التميز والمخالفة أو التجاوزفتتوسع في إبراز الجانب الذاتي رغم ما اتفق والتقى فيه مع المعاني والمقاصد التي تناولتها لامية الشنفرى مستندا على واقع شهده بوطنه،و تجربة شخصية ..ولعلّ القريب من هذا الشّاعر يدرك معاناته وما تعرّض له من تعسّف واقصاء ...
ثم هو يصف واقعا لم يتغير عما كان عليه
ﺃ ﻧﻀﻤﺄ ﻳﺎ ﻫﺬﺍ ﻭ ﻣﺰﻧﻚ ﺩﺍﻓﻖ
ﻭ ﻧﻌﺮﻯ ﻛﺄﻥ ﻟﻢ ﻳﺮﻗﺺ ﺍﻟﻐﺰﻝ
ﻣﻐﺰﻝ
ﻳﺘﺎﻣﻰ ﻭ ﺃﺳﻮﺍﺭ ﺍﻟﻠﺌﺎﻡ ﻣﻨﻴﻌﺔ
ﻓﺮﺍﺩﻯ ﻭ ﺃﺣﻼﻑ ﺍﻟﻌﺪﻯ ﺗﺘﻜﺘﻞ
ﻭ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﻳﺴﺘﺰﻳﺪﻭﻥ ﻣﺨﻠﺒﺎ
ﺧﺒﻴﺮﺍ ﺑﺬﻱ ﺍﻷﻛﺘﺎﻑ ﻣﻦ ﺃﻳﻦ
ﺗﺆﻛﻞ
ﻭ ﻧﻤﻨﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺨﻴﺒﺎﺕ ﺣﻴﻦ ﺭﺃﺕ ﻟﻨﺎ
ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺟﺮﺡ ﻓﺎﺭﺳﺎ ﻳﺘﺮﺟﻞ
ﺃﻫﺬﺍ ﻗﻄﺎﻑ ﺍﻟﺤﺎﻟﻤﻴﻦ ﺑﺜﻮﺭﺓ
ﺗﻘﺎﺫﻓﻬﺎ ﺍﻟﺮﻫﻂ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻭ ﻧﻜﻠﻮﺍ
فالقدرة في المجارة واضحة ،والتميز ظاهرومن هنا تأتي المخالفة لتأكيد معنى المنافسة والمباراة الكامن في المعارضات.
وفي أبيات من قصيدته يحاول وفي الكشف عن البعد الحضاري والظروف التاريخية بين النصين الغائب والحاضر
ﺣﻜﻤﻨﺎ ﺑﺄﺟﺪﺍﺙ ﺗﺤﺮﻙ ﻛﺎﻟﺪﻣﻰ
ﻭ ﺗﺴﺄﻟﻨﺎ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻟﻴﺲ ﺗﺴﺄﻝ
ﻳﻐﻨﻲ ﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﺳﺪﺓ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺭﺍﻫﺐ
ﻳﺴﻤﻲ ﺛﻼﺛﺎ ﺭﺑﻪ ﺛﻢ ﻳﻘﺘﻞ
ﻭ ﻫﺬﺍ ﻟﻌﻤﺮﻱ ﺟﺎﻫﻞ ﻗﺎﺩ ﺟﺎﻫﻼ
ﻭ ﺇﻧﻲ ﻟﻤﻤﻦ ﻳﺪﻋﻲ ﺍﻟﺠﻬﻞ ﺃﺟﻬﻞ
)))))))))))))))))))))))))))))
في حين أن الشنفرى يقول شاكيا
وأطوِي على الخُمص الحوايا ، كما انطوتْ
خُيُـوطَـةُ مــاريّ تُـغـارُ وتـفـتـلُ
وأغدو على القـوتِ الزهيـدِ كمـا غـدا
أزلُّ تـهـاداه التَّـنـائِـفُ ، أطـحــلُ
غدا طَاويـاً ، يعـارضُ الرِّيـحَ ، هافيـاً
يخُـوتُ بأذنـاب الشِّعَـاب ، ويعْـسِـلُ
فلمَّـا لـواهُ القُـوتُ مـن حيـث أمَّـهُ
دعــا ؛ فأجابـتـه نظـائـرُ نُـحَّــلُ
مُهَلْهَلَـةٌ ، شِيـبُ الـوجـوهِ ، كأنـهـا
قِــداحٌ بكـفـيَّ يـاسِـرٍ ، تتَقَـلْـقَـل
كما أن ترديد كلمة الظلم والخيبة والجوع وضيق المدي والنسيان والتهميش قد منحت اتساع لدلالات ومنحهاالفاعلية في معارضة القصيدة.
وددت أن أقول أكثر لأفي هذه القصيدة حقّها ولعلي سأتدارك هذا في مداخلة أخرى حول مميزات القصائد المشاركة من حيث المعنى والنّظم
فشكرا للمبدع حبيب حاجي الذي عوّدنا دوما بالمراهنة على الإمتياز والتّفرّد والجدّة ..
وشكرا للناجي الذي منحنا شعرا في المعارضة لقصيدة الشنفرى دون اجترار ولا محاكاة محققا طاقات ابداعية مفجّرا للّغة ...محلّقا بنا في عالم النّظم والشّعر بصعلكة شعراء الجاهلية ...منوبية الغضباني تونس