|
|
||
|
دراسة تحليليّة ذرائعيّة بقلم أ. ابتسام الخميري من تونس
قداسة المكان و تحليق الذّات الملتهبة" في ديوان: "جوازا تقديره هو"
للشّاعرة ماجدة داغر
دراسة تحليليّة ذرائعيّة بقلم أ. ابتسام الخميري من تونس
المقدّمة:
و يستمرّ الشّعر كفنّ من الفنون يعانق الرّوح و يلامس الواقع برسمه لمعالم داخليّة و خارجيّة في آن، بصور ارتآها قائله... هو الشّعر الّذي ما يزال يحافظ على قيمته الإنسانيّة على رغم التّطوّر و التّقدّم العلميّ و التّكنولوجيّ، و لعمري إنّه يتأقلم معه و يواكبه في دفاع مستميت عن بقائه. حيث تطوّرت أشكاله و أساليبه( نثري، حر، قصيد ومضة، هايكو...) محافظا على بعض أغراضه أو كلّها منذ القديم، فالشّعر العربي ترك أغراضا محدّدة سبحت في لجّها الأصوات الشّعريّة على اختلاف مضاربها، من هذه الأغراض الشّعر الغزليّ، الغزل العذريّ، الشّعر الصّوفي... و لأنّ الشّاعر هو مرآة عصره يكشف لنا بعضا من ذلك قد يُجيزُ لنا القول أنّه المؤرّخ من نوع خاصّ، و هو المتنبّي: الحالمُ الرّافضُ الطّامحُ إلى الأجمل و المغاير، و قد يسمح لفكره أن يسافر و يحلّق هناك. بعيدا. سفرة بلا جواز، رحلة أجنحتها حروف و كلمات و صور شعريّة مكتنزة مشاعر متباينة مختلفة، ترافقه في تلك الرّحلة ذوات حاضرة غائبة( أنا/ هو/ هي/ أنتِ/ هما/ هم.)
من هذا المنطلق، سندرس ديوان " جوازا تقديره هو" للشّاعرة اللّبنانيّة "ماجدة داغر" و الّتي تأخذنا معها في رحلة وجوديّة نستمتع بأغنياتها و رقصها و نزفها في آن...
سنقدّم دراسة وفقا للنّقد الذّرائعيّ كنظريّة تحليليّة علميّة تأتي على مداخل محدّدة و نظريّات فلسفيّة...
في البدء، سنتعرّف على شاعرتنا:
التّعريف بالشّاعرة:
-ماجدة داغر هي شاعرة إعلامية من مواليد بيروت، هي معدّة و مقدّمة برامج إذاعة الشّرق الأوسط، هي ناشطة في الحياة الثّقافيّة في لبنان و العالم العربي و قد شاركت في العديد من المهرجانات و الأمسيات الشّعريّة و المؤتمرات و النّدوات الثّقافيّة...الخ
شاعرتنا صدر لها:
-"قصور و متاحف من لبنان" بحث تاريخيّ عمراني. 2008
-"آية الحواس" ديوان شعر. 2009
-"بيت الذّاكرة و القامات العالية" بحث أدبي. 2012
-"جوازا تقديره هو" ديوان شعر. 2015 و هو الدّيوان حيز الدّراسة.
و لأنّ النّظريّة البراغماتيّة تعطي النّصّ الأدبيّ و الشّعريّ قيمة مختلفة و من نوع خاصّ معتمدة على مراحل علميّة و نفسيّة فسنأتي على:
1)البؤرة الثّابتة في النّصّ:
ديوان " جوازا تقديره هو" رحلة وجوديّة تحلّق فيها الذّات الملتهبة، ذات الشّاعرة، بحثا عن الخلود لتعلن قداسة المكان في هذه السّفرة. هو ديوان جمعت فيه صاحبته بين صدق المشاعر تجاه المكان( السّكن/ الغرفة/ الوطن...) و خصوصيّة اللّغة الشّعريّة الباذخة معانٍ و دلالات و استعاراتٍ... تحدو بها منحى جماليّ خاصّ يميّزها عن غيرها من الكتابات الشّعريّة فيصبح التّجديد نبراسها تعلنه الكلمات و الصّور الشّعريّة في حبكة و حنكة في آنٍ. في دعوة للغائب ( هو) كصحوة ضمير ترجوه، فتُجدّف نحوه بحثا عن الموت، الخلاص، حياة أخرى أو هي اللّحظة المنتشية الّتي سيرسمها الشّعراء القادمون، منغمسة في بئر من نوع خاصّ، حفرت الشّاعرة في أغواره لتكشف عن بعض من خبايا روحها المتماوجة بين الأمل و اليأس، بين البياض و السّواد، و هذا البين بين تتركه للآخر، الـ "هو"، هي الذّات المقابلة الّتي تعلن و تعترف بوجودها رغم إحساسها بالوحدة، هذه الذّات الأخرى لها القرار. لها الاختيار.
" هي هذا الجزء من ذاك الكلّ" هي الذّات من ذوات ارتسمت لتكشف لنا عن معالم المكان، الوطن، هو لبنان في تلك الحقبة من الزّمن (2014/2015) و هذه الرّغبة الجامحة من الشّاعرة في السّفر: تراه هروبا؟؟ أم عروجا إلى الملكوت؟؟
الجدير بالذّكر، أنّ الشّاعرة قد ألّفت لها كونا شعريّا خاصّا يقرّبها من الشّعر الصّوفيّ حيث اعتمدت ألفاظا صوفيّة (يصّاعد/ يعلو...) مع بروز علوّ الحسّ و عدم وضوح الدّلالة دائما. عسانا نلحظ أنّ ديوان "جوازا تقديره هو" يحمل في ثناياه المجاهدة بالنّفس و الزّهد في الدّنيا و الفيض الربّاني، إنّه العالم الشّعريّ لماجدة داغر المتّسم بالضيق في صورته الأولى ليتماهى مع الكون الخارجيّ و ترسم أوجاعها كذات متّصلة بما يحيطها ثمّ تعلو و تصّاعد إلى عالم السّموّ و الأمل في الموت و الّذي هو نوم بل هو أرقى مراتب التّجلّي عبورا بالوصال و العشق...
إنّ كلّ هذه العوامل بالإضافة إلى اللّغة المتراوحة بين السّلاسة حينا و الغموض حينا أخرى، والدّلالات و المعاني المؤجّلة، تجعل من الدّيوان كنزا للمكتبة اللّبنانيّة و العربيّة و العالميّة... هي سفرة في عرسات الوجود و الوجد تأمل في الارتقاء و التّغيير من مكان مغلق إلى مكان مفتوح أكثر رحابة.
2)المدخل البصريّ:
"جوازا تقديره هو" ديوان شعري للشّاعرة الإعلامية اللّبنانيّة "ماجدة داغر" من الحجم المتوسّط، عن دار الفارابي بيروت ، جاء في مائة و إحدى عشر صفحة، تضمّن تسعة عشر قصيدة و هي:
1-لا حدوث خلف أبواب المدينة 2-أغنيات بيليتيس 3-مرثيّة النّزق
4-بيت 5-مشرّدون و شعراء و نمل أبيض 6-أنا في عهدة النّقطة
7-ذاكرة لا تأتي 8-لا ماء في الحرملك 9-للشّرفة المستترة جوازا تقديرها هي
10-بارابسيكولوجيا 11-مثنّى في صحراء المفرد(1) 12-مثنّى في صحراء المفرد(2)
13-مثنّى في صحراء المفرد(3) 14-مثنّى في صحراء المفرد (4) 15-وصال
16-و هكذا... 17-قبل أن... 18-قال:" 19-ملامح
وسّمتها صاحبتها بكتابات مائلة كُتبت باللّون الأحمر، يمكننا اعتبارها مراوحة بين القصائد النّثريّة و قصائد الومضة الّتي ظهرت مؤخّرا في مجتمعاتنا العربيّة بإطناب مواكبة للتّقدّم التّكنولوجي و سطو هذه الأخيرة إضافة إلى قدرة الشّاعرة على تكثيف الصّور الشّعريّة...
قبل الولوج إلى محتوى الأثر نتوقّف عند الغلاف و هو لوحة للرسّام "فرانسوا طربيه" هذه اللّوحة حوت مجموعة من الأشكال الهندسيّة: مثلّثات و مكعّبات سوداء باستثناء ثلاث مثلّثات جاءت باللّون الأحمر و شبه منحرف أحمر.كما جاء العنوان باللّون الأحمر، لون الدمّ، يعلو هذه اللّوحة اسم الشّاعرة الّذي جاء باللّون الأسود، لون الحزن، بينما بقيّة الغلاف يكسوه البياض، أشكال تبدو كأنّها امرأة ترقص بأجنحتها أو كحمامة ترفع رأسها للسّماء، للعلاء. هذه المثلّثات تصغر لتصل حجم النّقطة تقريبا، كأنّه الكون بكواكبه قد ارتسم بلون السّواد و بعض البياض، و ما الحياة سوى بعض البياض و كثير من السّواد... هي رحلة أو سفرة تدعونا إليها الشّاعرة الّتي كُتب اسمها باللّون الأسود: فهل الحزن وحده ما يسكن هذه الذّات؟؟ هل الكون يصغر حدّ النّقطة الّتي في أقصى اليمين حقّا؟؟
تساؤلات تروم أجوبة تسكّنها، لكن وجب الوقوف عند هذا العنوان: "جوازا تقديره هو" الّذي جاء مغايرا لمَ هو متعارف عليه من العناوين كأن يرد لفظة واحدة أو لفظتين، لقد ورد العنوان هنا جملة اسميّة بدأت بمصدر لفعل جازَ و تأخّر الضّمير "هو" و هو ضمير الغائب، فمن هو هذا الغائب؟ تراه الحبيب؟ إنّه الفاعل الّذي له مجال فعل التّقدير، قدّر يقدّر أي بيده أن يمنح و يسمح بما يشاء، و هنا تعلن الشّاعرة أنّ الغائب "هو" له القدرة المطلقة و السّماح بالجواز، بالعبور. بالمرور، و جوازا هو مصدر من جاز يجوز إجازة و جوازا و هو جواز سفر يمنحه الغائب "هو" متى أراد و متى شاء، فهل حقّا سنجد هذه السّلطة المطلقة للـ "هو" عندما نغوص في أعماق هذه الكتابات المائلة؟
من توليفة مميّزة قدّمت لنا "ماجدة داغر" ألواحا تعبيريّة مختلفة متباينة و إن انضوت جميعها تحت لواء الذّات المتألّمة، المتوجّعة، تعلن لنا بإصرار و رفض مستميت: " لا حدوث خلف أبواب المدينة." المدينة الّتي هي الإطار المكانيّ و الّتي تمثّل الأمن و الأمان و السّكينة إضافة إلى الانتماء... لا يحدث خلف أبوابها شيئا... فالبيت لا خريطة تؤدّي إليه و تبرز الأنا مكبّلة مقيّدة في عهدة النّقطة ما عادت الأغنيات تعنيها حينما تهرب منها الذّاكرة و تركن للرّثاء و تغادر" أناها" لعالم المشرّدين و الشّعراء، هذه الرّحلة، السّفرة تعمّق فيها الشّعور بالوحدة و الألم فتكون القصائد جملة من التّراتيل أو الإنشاد الصّوفيّ لتخلق جوّا مختلفا تستمدّه من الشّعراء القدامى قد تجد في الصّحراء ملاذها؟ لكنّ الوجع يستمرّ و يتواصل...
و ما الوصال إلّا هدأة لتعود لرقصات سريعة...
إنّ رصدنا للمشهد الظّاهريّ و الشّكليّ للأثر يجعلنا نستمتع بمقطوعة موسيقيّة قسّمت إلى ثلاث مقاطع: ورد المقطع الأوّل طويلا، حزينا، تلاه مقطع ثان بإيقاع سريع (قصائد الومضة) لتختم بعودة إلى البدء: عزف بطيء نسبيّا. هذه الثّلاثيّة جاءت متماسكة المعنى مسترسلة محافظة على ذات الموضوع: تحليق الذّات الملتهبة الباحثة عن خلاص. مترابطة المعنى بحبكة و دراية للشّاعرة، متلائمة الألفاظ و المفردات و السّياقات الشّعريّة. حيث أنّ "ماجدة داغر" قد اعتمدت ضمائر معيّنة بارزة في هذا الأثر: الأنا/ أنتِ/ هو/ هما/ هم، لتكون ختاما قد انتصرت للمجموعة (هم) بعد أن انطلقت من الذّات (أنا) كما اعتمدت أفعال في الأمر ( دع/ دعها/ ارحل/ مدّ...) و أخرى في زمن المضارع ( أختبئ/ أبوحكِ/ أتأوّهكِ/ تقيمين...) كما نشيد باستعمالها للتكرار و التّشبيه و الأسئلة الاستنكاريّة و النّداء المباشر دون أن تتقيّد بقافية معيّنة على غرار أنماط الشّعر المتعارف عليها... ممّا يجعل الدّيوان في مصافي شعر الحداثة و التّجديد. كما نلحظ البياض الّذي عمّر بين سطور الكلمات و المقاطع كفسحة تعمّدت الشّاعرة تركها تُهدينا بها فسحة للتّحليق معها و تدغدغ الخيال فيرتحل حيثما شاء...
إنّها الذّات الّتي تتأمّل الواقع فتحسّ مرارته و تحلّق بعيدا مرتحلة عن المكان المغلق المفتوح القاسي لتلامس اللّا محدود و اللّا مكان... ذلك هو الشّعر الصّادق إن لم يكن جوازا لرحلة تلامس فيها الرّوح الجمال و البهاء و الخلود و الخلاص، فسيكون مجرّد سرد خالٍ من الجماليّة.
3)البيئة الشّعريّة:
"جوازا تقديره هو" ديوان كُتب في حقبة زمنيّة معيّنة ( 2015) و المعلوم أنّها فترة عرفت بعض التّغيّرات و الثّورات ببعض الدّول العربيّة، و كذلك ما عاشته سوريا سنة 2014 ، عندما أعلنت قوّات الدّولة الإسلاميّة في العراق و الشّام السّيطرة على الفلّوجة و أجزاء من مدينة الرّمادي في محافظة الأنبار... و ظهرت عدّة أمراض و كوارث (شلل الأطفال بالعراق و سوريّا) و لم يكن الأمر أفضل في غرب القارّة السّمراء، إفريقيا، و لا في شمالها خاصّة إثر الثّورات العربيّة و ما أحدثته من تغيّرات في الخارطة السّياسيّة... فما كان الوضع آمنا في الجزائر و لا في المغرب أو حتّى توضّحت الخارطة السّياسيّة في تونس ناهيك عن تدهوره في ليبيا إلى اليوم...
في تلك الفترة عاشت لبنان تأزّما سياسيّا... حيث اندلعت الاحتجاجات اللّبنانيّة سنة 2015، و الّتي تعرف باسم "طلعت ريحتكم" في أغسطس 2015، لتراكم النّفايات في الشّوارع أمام عجز السّياسيّين عن معالجة الوضع... و قد سبقتها سنة شديدة الصّعوبة (2014) حيث عرف لبنان شغورا رئاسيّا فهي "سنة المآسي و الأمل أيضا" حسب تعبير الكاتب "خير اللّه خير اللّه"، سنة "داعش" السّنيّة و "داعش" الشّيعيّة التّي هدّدت الوطن الصّغير، لكنّ اللّبنانيين استمرّوا في المقاومة رغم أنّ بلدهم دون رئيس للجمهوريّة، و هو همّ اللّبنايين وحدهم آنذاك. كانت هناك أكثريّة تقاوم ثقافة الموت الّتي يسعى "حزب اللّه" إلى فرضها.. رغم كلّ ذلك ظلّ لبنان صامدا أمام الدّواعش، إنّه دفع ثمن بداية تمدّد الحريق السّوري إليه... و هجمات على طرابلس... هي تضحيات قدّمها اللّبنانيين لإنقاذ بلدهم... 2014هي سنة لانتخاب رئيسا للجمهوريّة.
و لا ننسى نكبة "داعش" و آمال الحكومة الجديدة في العراق، و سيطرة الدّولة الإسلاميّة، 2014هو العام الأسوأ على مستوى الوضع الإنسانيّ في العراق بسبب موجة النّزوح الّتي ضربت عددا كبيرا من المدن بعد سيطرة مسلّحي تنظيم داعش عليها. و تعدّ منطقة سنجار موطن الأقليّة الإيزيديّة الّتي تعرضّت إلى إبادة على يد داعش بحسب الأمم المتّحدة، فقد شهدت قتل المئات من أبنائها و خطف آخرين و سبي النّساء و الفتيات. كان الهجوم على مناطق الإيزيديين و المعاناة الّتي تعرّضوا لها احدى الأسباب المعلنة لتشكيل واشنطن تحالفا دوليّا يقوم بشنّ ضربات جويّة ضدّ مناطق سيطرة التّنظيم. الحدث الإيجابيّ الوحيد في العراق هو اجراء الانتخابات التّشريعيّة...
جملة هذه الظّروف المحيطة بالشّاعرة فجّرت في داخلها الوجع و بدت لنا كرسّام يرسم حقبات تاريخيّة بمصداقيّة كما الحال في قصيدة "مرثيّة النّزق" و قصيدة "لا ماء في الحرملك" و "بيت"... فهي هذه الذّات التّي تحمل همّ الأنا و الآخر تتلبّس به و تأمل في تغييره أو الخلاص منه.
4)الاحتمالات المتحرّكة في النّصّ: شكلا و مضمونا:
انبثق معين الشّاعرة و تسربل الوجد مترعا ألما و نزفا و رقصا في حبور صوفيّ مسكر مدهش، فانفجرت من أعماق خلجاتها و رؤيتها للكون و للحياة، تأوّهات، تراتيل تفرّدت بها و خصّتها و قد نهلت من نهر الذّاكرة حينا و الأسطورة حينا أخرى و الماضي البعيد... و كذلك من المكان القريب أسمى الصّور و المعزوفات لتنبثق ألواح قُدّت بلغة مكثّفة، بإيقاع سريع بدت نوتات لمعزوفة راقية أنيقة بلسان صدق و نقاء...
هذا الدّيوان هو لوحة بديعة غاية في الاتقان عنوانها الذّات المتألّمة السّابحة في "المكان" أو الأمكنة على رغم تنوّعها و اتّساعها، ليصير فضاء شعريّا خالصا، ثمّ ترنو هذه الذّات إلى فضاء مفتوح، ترنو إلى الموت كخلاص أو هو رحلة صفاء و نقاء من " ذاكرة موؤودة". " جوازا تقديره هو" و كأنّ الـ "هو" الغائب له كلّ أدوات السّلطة للتّقدير و وزن العمل حسب قيمته، وفقا لمنظوره الخاصّ، لكنّ الشّاعرة، كإمرأة واعية مثقّفة لها ما لها من اسهامات في الحياة العامّة و لها بفضل اهتماماتها تلك، الشّعور بالفخر و الاعتزاز لكلّ إمرأة عربيّة، شاعرتنا المنحدرة من بيروت بلد الرّقي و التّميّز الذّوّاق الخلّاق، تُراها ستخضع لهذا الغائب، الحبيب أو العدوّ حتّى؟؟؟
هي تتململ على الورق فتنكتب صورا شعريّة أقرب منها لمسرحة الأحداث المحيطة بها في الغالب، مستفيدة بذلك من انشغالها بأمور ممثّلي المسرح و التّلفزيون... مع اتّساع رقعة اهتمامها بالأعمال الخيريّة و بالطّفولة... ها هي تتحوّل إلى مؤرّخة بامتياز حينما ترسم لنا تلك الحقبة الزّمنيّة الصّعبة الّتي مرّت بها أغلب المناطق العربيّة خاصّة لبنان و العراق... فتهدينا مكاشفة فاضحة تنسكب في الأذن بسخاء... و هي الّتي سكنها القلق و تعمّق فيها الإحساس بالوحدة و القنوط، بالحيرة و المتاهة، فتعلن:
قلقُ الرّيحِ سُكنايَ
سُكنايَ نائية
أبعدُ من حواسيّ
أقصى من القفز إلى شعاع،
تنأى كلّما نبتَت طريق. ص 9
و هي تشخّص الرّيح لتتسربل دهشة تُدميها، فلا مسكن يأويها... و هكذا صار المكان قفرا. بعيدا. " لا حدوث خلف أبواب المدينة" اصرار منها على غياب الأمل أو غياب الحافز للتّغيير و المواصلة، نتيجة لوضع مبهم غير بائن المعالم...( وضع مخيف ربّما في لبنان سنة غياب رئيس الجمهوريّة...) و تُكرّر اللّفظ كترتيلة حزن يرتجّ صداه:
لا حدوث خلف أبواب المدينة،
لا مدينة خاف قلقِ الرّيح.
سُكنايَ نائية،
لا تسمعُ قرع الطّبول
للوحيدة النّائمة، في رقادٍ بلا أحلام. ص 11
إذن، لا أحلام، لا حياة تستحقّ الحياة، لا أمل... فالذّات الشّاعرة هي "ذات ناظرة تبصر بالبصيرة و ذات متأمّلة عالمة بالحدس تتحرّك خارج سياقات المكان و الزّمان". (1)
هذه الحالة النّفسية للشّاعرة "ماجدة داغر" تستوطن في أغلب نصوص الدّيوان لتؤكّد أنّ الشّاعر مرآة عصره و هو جزء من ذلك الزّمن رُغما عنه يتأثّر به و لا مناص له منه.
لعلّ استعمالها للفظة "المدينة" تحيلنا إلى نظريّة الفارابي: "نظريّة المدينة و السّعادة" و بذلك يمكننا اكتشاف وضع الإنسان/ الشّاعرة و نطرح سؤالا: هل ما زال لدينا الآن شيئا نأخذه عن القدامى في فلسفة الأخلاق و السّياسة؟ و كأنّ طرح شاعرتنا يحيلنا إلى ذلك عنوة، التّفكير في مسألة المدينة و السّعادة، لعمري " ممّا تشهده المدينة عامّة و المدينة العربيّة تخصيصا من أزمة الإنسان تدقيقا، بعد أن صار الشرّ يدور فيها دورته كنتيجة مباشرة لاستشراء مظاهر الفساد و الاستبداد في شتّى مناحي الجسم السّياسي بلا هوادة و انحراف بعض النّظم السّياسيّة." (2)
و ذلك ما يزيد الشّاعرة نزفا و ضياعا، فبعد أن تنطلق من المكان الضيّق- سكنايَ- و هو السّكن و السّكينة، تتّسع أوجاعها و يزيد عدم وضوح الرّؤيا اتّساعا عندما تقول:
" لا طريق إلى بيتي،
رسالةٌ على ورقة خريفيّة
بريدٌ مضمون." ص 31
إنّها تنبش في خبايا البيت الصّامت الحزين الخالي من السّعادة إذ لا أحد يسكنه أو يترأّسه فلا يطيب فيه العيش و تقول:
" طريق النّمل تقودك إلى قمح العيد
و بيتي لا غناء فيه.
طريق النّحل تقود إلى المملكة
ولا تاج في بيتي.
طريق الفراشات تدلّك إلى ألوان الشّفق
و بيتي يسكنه الغروب." (ص 32)
هو لبنان الّذي قاوم طيلة سنة كاملة و لا رئيس للجمهوريّة...
برزت أهميّة المكان في هذه المجموعة الشّعريّة و قد ألفنا اعتماد المكان في الدّراسات المتّصلة بالسّرد لمَ له من قيمة، و هنا تُظهر لنا الشّاعرة قيمة المكان عندها فهو يكشف عن حالتها النّفسيّة بدرجة أولى، حيث نجده متّصلا بها، قريبا كلّ القرب بل هي القريبة منه، ثمّ يتّسع هذا المكان حتّى يحوي الآخر( بمعناه الإجماليّ) فمن "سكنايَ" إلى "غرفتي" فـ "حولي" إلى " الشّرفة المستترة" ثمّ " الحرملك" حيث تصف معاناة المرأة داخل أسوار ذلك المكان و أين تقمّصت فيه دور المرأة الإيزيديّة... فتتّسع دائرة المكان أكثر لتصل " الغابة البنفسجيّة" ف " البحر"، "هناك" و "الصّحراء" ثمّ "الأرض".
في قصيدة " لا ماء في الحرملك" تتلبّس الذّات الشّاعرة بالنّساء الإيزيديّات في العراق اللّاتي تعرّضن إلى الإنتهاك من طرف الدّواعش، فتصرخ:
" حولي كثير من الصّمت
حولي ضجيج كثير
سبيٌّ أنا...
مخلوق من طين يتشكّل في حدقة السّابي.
سبيٌّ أنا
أحدّق بلا وجَل
في قلبي يلتهمه السّابي." (ص 54)
فالحرملك كلمة تعبّر عن المكان المخصّص للحريم و هي تأتي من الكلمة العربيّة "حرام" أي مكان يتمتّع بالحماية، و هو الشّيء الّذي حُرِّمَ فلا ينتهك، و ارتبطت هذه الكلمة بالجناح الضّخم الملحق بقصر السّلطان إبّان الحكم العثماني، و الّذي يضمّ والدته و زوجاته و جواريه و بناته، والدة السّلطان أو السّلطانة الأمّ هي المسؤولة عن الحرملك، و هو مكان غامض ألهم ما وراءه خيال الأدباء و الرّسّامين.
رغم أنّها تعلن أنّه مكان لا حياة فيه و لا ماء يحييه، فإن ماجدة داغر تعلن رفضها لهذا الوضع:
" آهᵎ يا رَحِمَ أمّي،
يا رحمها المتَشحة بالماء الشرّيرة
لَم يحن بعد زمن الحداد
لمَ كلّ هذا اللّيل؟ " (ص55)
على رغم ظهور الزّمن اصطلاحا بين سطور الدّيوان، نجدها تذكر: في اللّيل/ الغروب/ المساء، فهو زمن في علاقة متينة بحالة الشّاعرة النّفسيّة و بالمكان الّذي يحيطها أم تراه الفضاء الّذي تحلّق روحها فيه مرفرفة كضحيّة تستنجد... و لا يكون له وجودا أصلا سوى رمزيّا؟ و هنا نستحضر ما ذكره هنري لو فيقر عن الفضاء: " لا يوجد في أيّ مكان ، لا مكان له، ذلك أنّه يجمع كلّ الأمكنة و لا يملك إلّا وجودا رمزيّا." (3)
كما بيّن قاستون باشلار في كتابه الشّهير "شعريّة الفضاء" "أنّ الفضاء الأدبي عموما هو هندسة باطنيّة لإعادة توزيع و رسم المسافات و المساحات و تأثيثها بالرّموز حسب منظور إبداعي يقودنا إلى مركز الرّؤية الشّعريّة و تفرّعاتها."
على هذا الأساس، يتوجّب علينا القبول بأنّه لا يمكن التّمييز بين المكان و الفضاء كإطار تنسج فيه الشّاعرة قصائدها و تعيد رسم الواقع مهما كان مريرا... ف "الفضاء تصنعه التّصوّرات و الصّور الشّعريّة باعتباره حيزا من الوجود لإقامة الشّاعر نصّه، و هي مدوّنة الشّعريّة الحديثة إقامة متحرّكة... قلقة... باطنيّة... موغلة في الوحدة..." (4) إقامة تبسطها الشّاعرة من رحم اللّغة و يهندسها بعمارة الكتابة ثمّ تؤثّثها بهواجسها و أحلامها و دهشتها و رغبتها الجامحة إلى الانفصال عن المكان.
في قصيدة "مرثيّة النّزق" يستمرّ ألم الذّات في علاقة وطيدة مع المكان الّذي بات قريبا شديد القرب منها فتقول:
"لك مرثيّةُ النّزق
و غوايةُ النّسيان
في بعض الزّمان.
لك بعضي المغلوب
في منافي المسرّة،
في انسحاق الجسد." (ص28)
لقد تحوّل عويل الرّوح رثاء و غربة ومنفى، فالمكان غير بعيد، فما الّذي يحول بينها و بينه؟؟ و ما هي هذه الغربة؟ هي غربة المشاعر لروح أُسرتْ و هي تحاول البحث عن ولوجه أو عن التّغيير لكن عبثا تحاول، إنّها تصطدم بواقع مغاير، نلمس ذلك في قصيدة " مشرّدون و شعراء و نمل أبيض" إذ تقول:
" تركتُ مظلّتي هناك،
طننتُ أنّكَ الغيمة الأخيرة في نصوص المطر
سقفُ غرفتي مازال رطبا
و وجوهٌ كثيرة تفتات بكائنات لزجة متبسّمة." (ص35)
كأنّها في انتظارها للحبيب هي تنتظر الوطن، أن يركُن للسّلام، فينبجس غيمة أخيرة في نصوص المطر، متاهة في فسحة الأمل، ترى ما عاد للأمل مجال؟؟
ثمّ تظهر الجزيرة فالبحر و ينتصب الاحساس بالهزيمة فتستسلم معلّلة ذلك بجهلها فتعلن:
" لم يقل لي أحدٌ إنّ الغد أزرق
و السّوطَ أزرق
و الساحرةَ الشرّيرة زرقاء." (ص37)
إذن، الغد مجهول و هي تجهله لأنّها بريئة في تصوّراتها و توقّعاتها، قد تحتاج إلى من يخبرها، يحوّل البراءة فيها، فهل الذّات الشّاعرة هنا قد أصابت؟ᵎ ها هي تحوّل اللّون الأزرق بما هو تعبير عن الرّحابة و الاتّساع و مبعث للرّاحة النّفسيّة إلى خلاف ذلك، تحوّله من معناه الإيجابيّ إلى معنى سلبيّ عندما تقرنه بمفردة السّوط، باعتباره أداة للعقاب، و كذلك بمفردة السّاحرة كعنوان لانتشار الشرّ... في تأكيد لذاتها البريئة المسالمة الخيّرة. فتطلب مجيء الحبيب فقدومه خلاصا لها من هذا الكمّ من الشرّ و الضّياع و الضّبابيّة... و هي تحمل طاقة للتّغيير و العودة إلى زمن البراءة و البداية الخالصة حيث تعلن:
"تعال،
لِتخرُجَ الوجوهُ الصّغيرة،
لِتُغلَق المظلّة.
تعال،
لأتذكّر بأي لونٍ كُتب رقم النعش.
مُدّ يدَك إلى قعر العينين الزرقاوين.
أعدني إلى ما قبل الشّاطئ،
إلى ما قبل المرفأ،
و إلى ما قبل المدينة الذئبة." (ص38)
الشّاعرة، ماجدة داغر، تطلب العودة إلى ما قبل "المدينة الذّئبة" في إشارة منها إلى الذّئب بما هو حيوان عُرف بمكره و دهائه... فمدينتها المحيطة بها هي مدينة المكر و الدّهاء و الغشّ و هي بذلك ترفض البقاء فيها، لا تحتملها، و هي بذلك تكتب سيرتها: مدينة الحزن و الألم.
هكذا، يتواصل المدّ الشّعوري لهذه الذّات الملتهبة على مدى الصّور الشّعريّة الّتي ترسمها لنا صاحبتها في هذا الأثر، فنستشفُّ أنّ المكان يحمل ذكرى جميلة و حزينة في آنٍ. هو مكان للذّكريات ببهائها و قبحها... لا مهرب منها سوى إليها: " إنّه وجهي الّذي لا أراه."
بل لا تقف الشّاعرة عند هذا الحدّ إنّما تواصل رحلة الألم و الأنين و رفض العبوديّة فيصرخ البيت في الغابة في حيرة دافقة: " أين أزرع صغاري؟".
" أنا في عهدة النّقطة": في هذه القصيدة ترسم لنا الشّاعرة جملة من التأوّهات و الأنين تتقاسمها مع ما يحيط بها، لكنّها تصرّ على استمراريّتها معلنة إنّ المستقبل ستشكّله دون حاجة منها للأمّ (الأصل) و لا حاجة لها برعاية أبويّة فتقول:
" سأصغرُ بلا ثدي أمّي،" (ص45)
و تقول: " سأصغر بلا أزرق عينَي أبي
و بلا طلّه بِلون الموج." (ص46)
و تؤكّد على قدرتها على التّخلّص من الأتعاب و المعاناة بالرّجوع إلى مرحلة البداية الكونيّة:
"سأصغر بعد أكثرَ
فتسقط عنّي الأحمالُ، يسقطُ الغشاء،
و لن تقوى على التقاطي
...
أنا في عهدة النّقطة
أنا في صفر التّكوين." (ص47)
و كذلك في قصيدة " ذاكرة لا تأتي" ذات ملتهبة، رغم ما تحمل في أغوارها المتناقضات: الأمل و اليأس، يسكنها الحلم و الأمل اللّامتناهي حيث يظهر الشّعور الصّوفي في أبهى تجلّياته: بوح و رقص و نبيذ، صخب و نور، هو اشراق الرّوح حيث لا فضاء يكبّله و حدود... وحده الوَلَهُ و الشّبق:
" دعها ترقص بقدمَيها الطّريّتين على دهشتي
فيسيل النّبيذ.
دعني أمرّر أطراف انتظاري على سكينتك
فيولد الصَّخب. " (ص51)
هذا هو الشّعر الصّوفي حيث استخدمت رمز الخمر (النّبيذ) و يعني عند شعراء التّصوّف سكر الأرواح و عشقها للخالق كوسيلة خلاص و جوازا للارتفاع أو العلوّ عن الواقع المتّشح بالخيبات و المآسي...
" للشّرفة المستترة جوازا تقديرها هو" مواصلة في طلب الخلاص، تفتح ذراعيها محلّقة مرفرفة فيعيدنا المشهد إلى صورة الغلاف حيث تبرز لنا إمرأة فاتحة ذراعيها تشكّلت من مكعّبات و بعض المثلّثات... هي الشّاعرة إذن، تصبو إلى الأمل و التّغيير و التّحليق هناك... هروبا، ربّما؟ كرقصة على موسيقى صاخبة تصمّ الآذان و تهزّ الأوصال ترسمها لنا فنحلّق معها... إذ تقول:
"انبسطت ذراعاها
قاعدتين،
شريعتين،
سُنّتين،
خرافتين كجناحي عنقاء،
شمسين كقلب التّبريزيّ.
أيّتها الشّمسة
« يا إلهة الحرائق »
أضمري نارَك في الذّاكرة
لكي يمضي ما مضى." (ص63)
ها هي الشّرفة كمكان مغلق، تسمح لروحها بالتّحليق بعيدا حتّى تصل " الأرض الجديدة " فتصبح الشّرفة هي تذكرة السّفر و الإلزام... تقول:
" في الأرض الجديدة
لا جنود فيها". (ص66)
تذكر الشّاعرة الصّحراء كفضاء لا حدود له، أو حدوده غاية في الإتّساع، قد استعملته كتأكيد على تنقّل حال الآخر: رحيل أو ذهاب، هو الحبيب، تبعده عن عالمها و تحتقره رغم الحنين و بعض الصّور الغائمة، الضّبابيّة في الذّاكرة، هي لا تُبقي عليه نظرا لغروره و كبريائه، إنّها تحتقره حدّ محو ذاكرته الجميلة، بل لا جمال في ذاكرته أصلا فتعلن قائلة:
" جفَّ وِردُك
يبستْ في كفّيك خطوطٌ أندلسيّة.
أنبأَتني دومًا تلك الخطوط
بعلامات اليوم الأخير." (ص76)
" مثنّى في صحراء المفرد" قصائد تبدو كتراتيل أو إنشاد صوفيّ في ولهٍ تقيمه الشّاعرة حيث يظهر ضمير الأنتَ ( الحبيب) بيد أنّه يبدو بلا معنى، ممدّدا، مستسلما لذلك هي تبعده عن عالمها... فهو الموت و الفناء و لا حياة تنبعث معه... بقي خارج كونها: "خارجا بقيت." لأنّها تحمل في باطنها مفهوما مغايرا، مختلفا عن الرّجل لا ضميرا مستترا، و هي إمرأة مهاجرة باحثة عن معنى آخر لا يستوعبه هو، ذات لا تملك سترة نجاة و لا مدى مفتوح لكنّ لها حرائق كثيرة تدميها: " في معصميها أصفادٌ للرّيح". (ص82)
شاعرتنا تعلن أوان الوصال المنتشي، أوان انتشاء الرّوح و حبورها، و من جديد نلمس الشّعر الصّوفي حيث الشّاعر يصف الوصال و اللّوعة و كلّ ما يمرّ به من أحوال و مقامات و يحمل في طيّاته المجاهدة بالنّفس و الزّهد في الدّنيا و الإلهام القلبيّ و الفيض الربّاني، فتقول:
" أعددتُ وصالًا على آهٍ ممدودة
بين النّشوة و الدّوالي.
بين عطرك الحميم و الكرمة،
وقفنا متعانقَين: أَلِفُك و أنا
و وجه الهاء كوجهَينا
موصولٌ بالسّارية،
بِلام الكلام." (ص85)
رقصها المنتشي بالفعل المستقبليّ يبيح لها أن تخيط لوحة ممسرحة غاية في الإبداع ، كتسبيح في الكون اللّا محدود:
" في الأرض بعضُ التّلاقي
في وجهك كلُّ الوصال." (ص86)
و يمتدّ حبل الوصال، و الرّقص الصّوفي عندما تقدّم لنا سبع قصائد ومضة تحت عنوان يضمّها: "هكذا..." تُجيزُ فيها الحبّ و العشق و النّشوة، إنّها تطلب الحبيب، فتنتصب الرّغبة و يرتسم المكان مجهولا: "أين؟" تنشد شاعرتنا:
" أعثُر على النّجمة
في قبضة المجوس
أطفئ الغابة
الظِّلال نيام." (ص90)
فالأرض، المكان، بلا قرار، غير مستقرّة، لا حياة و لا ولادة فيحدث ارتطام الحلم، في قصيدتها "انتحار" تقول بكلّ شجن:
" ارتطم
أرضي بلا قرار
أشجارها حافية
جذورك نائمة،
أيقِظها
على حلم ارتطام." (ص94)
يستمرّ رفض الشّاعرة للآخر( الحبيب) في قصيدة: " قبل أن..." فهي قد ملّت الانتظار: " عد من حيث كفّنتك بالانتظار" (ص96)
و يتجلّى المكان فضاء وجع: " عد من نقائك المحبوس." (ص 98)
هكذا، يتبلور المكان، الفضاء، مرتعا لانتصارات الذّات الشّاعرة على الحبيب، و هي في الآن نفسه مرتعا للهزائم و الأوجاع ... فتنتفض و تبحث عن سبيل للخلاص، تُراها "أغنيات بيليتيس" تستعيد بهجة الحياة و رونقها؟
تستخدم الشّاعرة الأسطورة كفضاء للمخيال البوحي عندها إذ "بيليتيس" هي الشّاعرة السّوريّة المعروفة باسم "بيلتي" و الّتي عاشت في قرية جبليّة شمال الحدود السّوريّة التّركيّة، قضت طفولتها في الحقول و الجبال و رعي القطعان قبل أن تغادر إلى "ميتيلينا" ... أغاني بيلتي" هي مجموعة تكوّنت من مائة و ثلاثة و أربعين قصيدة من الأشعار الإيروتيكيّة و ثلاث منقوشات ضريحيّة في رثاء الذّات، ترجمها الشّاعر السّوري " أدونيس" إلى العربيّة، "بيلتي" تتميّز بالتّفرّد في أشعارها و التّميّز الخاصّ لحياتها و سيرتها و تفاصيل الحياة الرّعويّة في ذلك الزّمن( القرن السّادس قبل الميلاد).
تتلبّس شاعرتنا الفذّة بالشّاعرة " بيلتي" لتعلو الذّات و ترسم لنا لوحة عن حياتها أو رحيلها الّذي تكرّره:
" و هي ترحل،
أنشد لكتفيها "أغنيات بيليتيس"،
دعها تتلو الرّيح:
آه يا حبيبي
لا أزال جميلةً في اللّيل
و خريفي
أكثر دفئا من ربيع النّساء". (ص16)
"بارا بسيكولوجيا": تستحضر الشّاعرة علم النّفس، حيث يشير المعجم إلى أنّ هذه المفردة تتألّف من شقّين: أحدهما البرا و يعني قرب أو جانب أو وراء، و الشقّ الثّاني: سيكولوجي يعني علم النّفس، و هناك من أطلق عليه اسم الخارقيّة/ علم القابليّات الرّوحيّة أو علم النّفس الحاسّة السّادسة، استخدمه الفيلسوف الألماني "ماكس ديسوار" عام 1889 ليشير خلاله إلى الدّراسة العلميّة للإدراك فوق الحسّي و التّحريك النّفسي ( الرّوحي). "بارا بسيكولوجيا" تكشف قدرات الإنسان الكامنة، و هنا "ماجدة داغر" ترنو إلى كشف عالم الماورائيّات حيث تستدعي الموت بإطناب و تجعله خلاصا من واقع منحدر متردّي فيصبح رغبة و شهوة إذ تقول:
" لأنّنا نموت
يكتئب القاتل كبابٍ مغلق
يخاف كنافذةٍ تُطلُّ على منحدر." (ص69)
الموت إذن، مشتهى و هو نوم جميل، و لقد حضر الموت في الأدب " باعتباره تجربة خاصّة و حضورا جديدا يواجهه الشّاعر، يقلقه ما يكتنفه من أسرار و لكنّه يغريه لا باعتباره نهاية بل بداية." (5)
و شاعرتنا تنظر إليه كسفرة رائقة جميلة تشبّهه بنوم الغزلان" كأنّه راحة من تعب أو هو تماهي مع الذّات الإلهيّة... هو مفهوم جديد باعتباره المجال الّذي تحتمي به الشّاعرة من غربة الواقع و عذاباته و هو الخلاص، تجربة تريد اقتحامها فيتحوّل إلى قوّة بنّاءة تغيّر عالمها فالحياة تصفو بالموت... و هي تلتقي مع مجموعة من الأدباء قد سبقوها نذكر مثلا على سبيل الذّكر لا الحصر: "شاتوبريون" في ما وراء القبر، "جون ميلتون" في الفرودس المفقود، "بودلير" في أزهار الشرّ، أبو القاسم الشّابيّ" في قصيدته " في ظلّ وادي الموت" الّتي يختتمها بقوله: " هيّا نجرّب الموت هيّا."
" جوارا تقديره هو" هو رحلة الذّات عبر عرصات الوجد سكنها القلق حينا و السّكينة و الهدوء أحيانا أخرى، مخضّبة بالمكان الّذي إليه تركن و إن رفضته، و على إنشاد صوفي ترقص لتحلّق يعيدا و قد علت ذاكرة الصّمت و شهوة الذّاكرة، تقدّس للوصال و النّشوة فتُعلي الذّات الشّاعرة المتلبّسة ببعض من أساطير... فترفعها هناك حيث الموت بداية أخرى مشتهاة.
5)التّيمة و مقياس الدّقة في الإبداع الشّعري:
ذات ملتهبة تشرّبت ألما و متاهة، حملت جراحا غائرة متّصلة بواقع مرير، واقع بلدها و ما يحيط به، و قد تغلغل عشق الوطن حدّ العوس، مبدعتنا "ماجدة داغر" مرهفة الحسّ تدرك العوامل الّتي تحيط بها فتنزف على الورق أنغاما على ناي حزين لذات متوجّعة متعلّقة بالمكان متأثّرة به... و تحلّق بأجنحة قدّت من أغنيات مميّزة و شطحات روحيّة تسمو بها عن المكان/ الفضاء، قد تعانق استفاقة إنسانيّةᵎ؟
صور واقعيّة غاية في القتامة و الحزن خدشت القلب فانفجر ديوان " جوازا تقديره هو" سفرة صوفيّة تَذكِرتها بعض الأغنيات و الّتي كشفت عن رؤية و إيديولوجيّة الشّاعرة.
أ-مقياس نقد المعنى:
ديوان " جوازا تقديره هو" هي ذات الشّاعرة و أغوارها جاءت غاية في الصّدق عندما نخضعها لمقياس نقد المعنى وفق النّظريّة الذّرائعيّة، و عليه نجد مقاييس تابعة لها علاقة متينة ببعضها البعض:
*مقياس الصحّة و الخطأ:
لا بدّ أنّ شاعرتنا قد نسجت لنا حبائل واقع قد أحاطها بكلّ أمانة و صدق في تلك الفترة الزّمنيّة، و هي بذلك تعانق الصّدق و كأنّها تحوّلت إلى مؤرّخ نقل أحداثا فعلا مرّت بها و عاشتها الإنسانيّة أيضا..
*مقياس الجدّة و الإبتكار:
يبدو الإبتكار و الجدّة من خلال العنوان الّذي جاء مميّزا، مدهشا، إضافة إلى العناصر الّتي ركنت إليها شاعرتنا بين ثنايا الدّيوان، حيث نجد الأسطورة، الماضي البعيد ( بيليتيس) و نجد علم النّفس، كما نجد التّكرار كإنشاد للرّوح السّابحة في الملكوت، هي مشاهد مسرحيّة ميّزت قصائد الإثر فكان خالصا خاصّا للشّاعرة، كلّ هذه العوامل جعلت منه ابتكارا في عالم الشّعر خاصّة شعر الومضة الّذي يشهد بذلك.
*مقياس العمق و السّطحيّة:
المؤكّد أنّ القصائد كلّها ذات عمق و دقّة حيث المواضيع، فهي رسمت الذّات بألمها و وجعها فكانت موغلة في العمق خاصّة إنّها نقلت لنا واقعا عربيّا علمناه جميعا، دون زيف كشف عن إيديولوجيّة الشّاعرة، و كأنّها تنير دربنا و تعرّفنا بما حدث في ذلك الزّمان، بكلّ تفاصيله و أمكنته، فكان الأمل (الموت) هو الخلاص من ذلك الواقع... هي رسالة تبعث بها إلينا.
ب-مقياس نقد العاطفة:
لا يختلف إثنان إنّ شاعرتنا الإعلاميّة المميّزة ذات القيم و الأخلاق الرّاقية قد كشفت عن عاطفتها، مشاعرها الباطنة بكلّ صدق و أمانة و حرفيّة، جعلتها تتميّز بهذا الأثر أكثر. هو أبداع خاصّ بها دون سواها و هو فضاؤها الخاصّ و الّذي قدّمته لنا بين ماض مرير و حاضر غامض و غد غاية في الغموض بيد أنّ الأمل و الطّموح في التّغيير لمسناه من قصائدها.
*مقياس الصّدق و الكذب:
إنّه لا مجال سوى للصّدق و الّذي لمسناه على كامل الدّيوان، فرغم الحَزن و الشّجن فإنّ ذات الشّاعرة ركنت إلى الحلم، التّحليق في فضاء هناك، حيث الخلود و السّلام، مكتنزة نشوة و عشقا، فكانت اللّغة و الرّقص الصّوفي و التّعبير الرّمزيّ كشعر صوفيّ شديد الصّدق و المصداقيّة بلا زيف.
*مقياس الضّعف و القوّة:
بدء من عنوان الدّيوان الشّعري و لوحة غلافه المركّبة من البياض و السّواد و بعض الأحمر نستنتج قوّة لا محدودة تجذب إليها المتلقّي و تجعله يغوص بين سطوره سابحا غائصّا في أعماق صوره الّتي هي تنمّ عن قوّة شخصيّة الشّاعرة و جرأتها في فضح واقع مرير صعب عاشته الإنسانيّة( في العراق...) بلغة خاصّة جعلت لها قاموسها المتفرّد إضافة إلى رموزها الخاصّة و انزياحاتها و إيقاعها.
6)المدخل الجماليّ:
هو مدخل مهمّ في النّظريّة الذّرائعيّة، حيث يجب رصد الموسيقى الشّعريّة (أ) و الصّور الشّعريّة (ب) و درجة الانزياح نحو العاطفة (ج) ثمّ التّجربة الإبداعيّة (د).
أ-الموسيقى الشّعريّة:
على إيقاع موسيقى داخليّة و خارجيّة رفلنا مع الشّاعرة في ما قدّمته لنا، عزف على نوتات ذاتٍ ملتهبة متعلّقة بالمكان/ الفضاء شديد التّعلّق، فكان غوصا في عمق تجربة إنسانيّة من نوع خاصّ، تُهدينا عدّة صور في آن واحد، تُعطي فسحة للخيال أن يرقص رغم أنين الذّات، فهي تخلُص إلى الأمل: فلولا الأمل ما تواصلت الحياة. و لتأكيد الموسيقى نجد عدّة استعمالات خدمت هذا العزف/ الإيقاع ليبرُز.
-استعملت أفعال في زمن المضارع: دلالة على الاستمراريّة و التّواصل الزّمني في الفعل، انتصارا للغد، تصرّ على تواصل الحياة عنوة: أتأوّهكَ- أبوحكَ- أختبئُ- أنجبُ- تبتعدُ – تنأى – تترقّبُ – ترقص – تفتح – تسجد – تغتسل – أستلقي – تجيءُ – تهزّ – يتصاعد – يعلو – يسري – تدُلّكَ – يقتاتون – ترحل – تُعبّئُ – تتقن – يُرمّمُ – تعيران – تغنّيان – يعودون – تسقطُ – يسقطُ – يولد – أغمضُ – تُشرق – أنزع – يصير- يتشكّل – أتوق – أغسل – أتشكّل – تسجد – تشتهي – أقتلع – أخبّئُها – أنجب – تقيمين – تتّسع – ينسلخان – نموت – يكتئب – يخاف – يمضغ – يقتطع – أبدأ – أهوي...
-استعملت أفعال في زمن الماضي: بقيتُ – قال – قالوا – بقي – تراءى – تمتمَ – استدار – تلاشى – سقطا – جفّ – يبستْ – عمّدتُكَ – أدخلتُكَ – دخلتَ – بقيتَ – كنتَ – كنتُ – أعددتُ – وقفنا – سبّحتُكَ – اقتبستُ – سقطت.
-استعملت صيغة الأمر: تدلّ على الرّغبة الشّديدة في التّغيير و الثّورة: دع – ارحل – تعال – مدّ – أرهف – دعها – عودوا – عرّوا – سلّموا – أنشدْ – أعدْني – دعني – أضرمي – ارتكبْ – إمضِ – ارتطم – أيقظها – عدْ.
-استعملت الضّمائر صراحة: هيمن في الديّوان استعمال ضمير المتكلّم المفرد ( أنا) فحضوره كان طاغيا، ثمّ ضمير الغائب المفرد المؤنّث و المذكّر ( هي / هو) و الغائب المثنّى (هما) و كذلك الجمع الغائب ( هم).
-استعملت التّشبيه: رنّ للشّاعرة استعماله في عدّة مواطن قصد خلق إيقاع إنشاديّ حزين: كلحظة شعر – كخطيئة – كقصيدة مائيّة – كعطر مسموم – كباب مغلق – كنافذة – كالقبضة – كجزيرة لقيطة – كالميم في المجاز – كالقمر – كجناحيْ عنقاء – كقلب التّبريزيّ – كوجه منهزم – كقافلة – كوجهينا – كالعائد – كوسادة – كالوهاد.
-أسلوب نداء: استعملت الشّاعرة " ماجدة داغر" النّداء المباشر في بعض المواطن: يا حبيبها – يا حبيبي – يا عزلة البنفسج – يا رحم أمّي – يا بيتي – يا صخور سنجار – يا بنت البنفسج – يا بنت سنجار – يا إلهة الحرائق – يا سنجار – أيّها الصّمت – أيّها الموج – أيّها المو...
-استعملت صيغة النّهي: لا تسمعُ – لا تعر – لا تبحث – لا تُدرْ – لا تمض – لا تمدَّ – لا تنظر – لا يايقُ – لا تطلْ – لا يحفظ – لا تغسلها – يطفئُ – لا تبدأُ – لا تُشرْ – لا تقفْ.
-استعملت صيغة النّفي: لتأكيد معاني معيّنة اعتمدت الشّاعرة النّفي: لا حدوث – لا نوم – لا آثام – لا مدينة – لا طريق – لا غناء – لا تاج – لا جنود – لا إبر و كذلك: بلا سترة – بلا شبابيك – بلا ماض – بلا أحلام.
-استعملت زمن المستقبل: للحلم مكان رغم الجراح فكان المستقبل فسحة بين سطور الأثر: سأسكتُ – سأقضمُ – سأصغرُ – سأصير
هذا، و كان للتّكرار حضورا هيمن بين الجمل الشّعريّة كعزف و إيقاع مميّز و إثبات...
-استعملت الأسئلة الاستنكاريّة: رغم المتاهة و الحيرة الّتي عاشتها الشّاعرة فإنّ الأسئلة الاستنكاريّة الاستفهاميّة كانت نادرة باستثناء ثلاث أسئلة كأنّها تملك الإجابة بل لا حاجة لها بذلك و لتعلن لنا أنّ ذلك لا فائدة منه: أين عصفك و مديح الغربة؟ - أين أزرع صغاري؟ -لمَ يبكي الأحبّة؟
لا يفوتنا الإشارة إلى ظهور أساليب أخرى من حين لآخر على غرار الحصر( لا... إلّا...) و التّأكيد (إنّ...) –لا يتمّ إلّا بتائي/ -لا تهوين إلّا في صوتي/ - إنّ الغد أزرق/ إنّ للمدينة شاربين/ إنّ الظلّ وجع/ إنّه وجهي/ إنّنا نموت...
مع بروز بعض المفردات من المعجم الدّيني ( تسجد/ سبّحتك/ وردُك...) و أخرى تُحيل إلى الشّعر الصّوفي...
ب-الصّورة الشعريّة:
تفرّد الدّيوان " جوازا تقديره هو" حيث الإيقاع المختلف و الصّور الشّعريّة الجميلة رغم الألم المرتسم فيه، فكانت مقطوعة موسيقيّة ذات ثلاث قطع متفاوتة في توزيعها الزّمني توقض الاحساس و تدعونا إلى صحوة...
ج-درجة الانزياح نحو العاطفة:
المؤكّد إنّه انزياح عال النّسبة، فالموسيقى و الصّورة الشّعريّة تدلّ على درجة عالية من الإبداع، هو ابتكار بلغة خاصّة رغم سلاستها تحمل بعض الغموض... مرتكزة على إيديولوجيّة الشّاعرة، هي صاحبة العاطفة الجيّاشة في أرقى درجاتها.
د- التّجربة الإبداعيّة في الدّيوان:
لعَمري هي تجربة خاصّة جدّا بصاحبتها تطرح أمامنا ثقافة الشّاعرة و تبسُط لنا نبل مشاعرها متماهية مع التّجديد الشّعريّ الّذي وسّم الدّيوان ( قصيدة الومضة).
7)المدخل الرّقمي:
إنّنا ملزمون بولوج هذا المدخل لمدى أهميّته، باعتبارنا نطبّق النّظريّة الذّرائعيّة في دراستنا لديوان: " جوازا تقديره هو" لصاحبته " ماجدة داغر". فهو تحليل رقميّ علمي قويّ يجعلنا نأتي على حقول دلاليّة مترابطة فيما بينها اعتمدتها الشّاعرة و هي:
-الحقل الدالّ على الطّبيعة: الرّيح –البحر – المحيط – غيمة – سماء - مطر – نهر – البركان – النّار – العاصفة – الماء – الموج – الغابة – عرش النّبات – نخلة – أقمار – نارك – الشّمسة – الغيوم – الصّحراء – الأرض – الكون – الغبار – طين – حديقته –عشب الجدار – الهواء - أسراب – أرضي – أشجارها – جذورك – غصن – رياح – أنهارا – الوهاد – موجة - الإعصار
-الحقل الدّال على الزّمن: منتصف الرّغبة – اللّيل – خريفي – ربيع النّساء – أوان المطر – اللّحظة الثّابتة – الغروب – أقمار المساء – أوان التّشكيل – يوم القيامة – الشّفق – ما قبل المدينة الذّئبة – وقت النّداء – الأمس – زمن الحداد – اللّحظات المأهولة – كلّ غسق – زمن لا يتزامن – اليوم الأخير – منتصف الخيبة – الفجر – المساء – الزّمن المضارع – ساعة الرّمل – الوقت – الشّتاء – عدّاد الزّمن – عرّافات الوقت – ماض – عمر الموج
-الحقل الدّال التّديّن و التّصوّف: سماء الملحدين – تسجد – المرأة المصليّة – تناجي – السّادي الأكبر – ملائكة – اللّه – وردُك – سبّحتُك – آيات بيّنات – اللّحظة المنتشية – نشوة – وصال – يسري – يتصاعد – يعلو – مولانا ينشد - عمّدتك
-الحقل الدّال على الموسيقى: قرع الطّبول – تغنّيان – أناشيد مالدورو – ترقص – النّشيج الموزون – لا غناء فيه – أصوات المطرقة – مديح - أنشد
-الحقل الدّال على الأمل: الشّعراء القادمون – اللّحظة المنتشية – لا أزال جميلة – لا سقوط – أوان المطر
-الحقل الدّال على اليأس و الألم: بلا أحلام – الوحيدة – الإحساس بالهاوية – الغربة – حطامي – وحيدتان – رقاد – أزمة الجسر – إيماءة منكسرة – البكاء الأسير – صراخ – ندوب – موت – مرثيّة – منافي – بيتي أصمّ – دائرة الخواء – قلق – سلّموا – عودوا – عرّوا – ضيّقة – المفجوع – ترحل – العدم المُرائي – موت يطول – الغروب – الجرح – وجعٌ – الصّمت – المساكين – مضجرة – يردمون – تقعين – موتي – تنحدرين – خيبة الأرض – بكاء المنامات – أختبئُ – يصرخ – صراخ – ندوب – العراء – منهزم – يكتئب – يخاف – الخيبة – بلا سترة نجاة
-الحقل الدّال على الفناء: ترحل – الجثّة – النّهر العظيم – موت يطول – المسافة الفاصلة – العدم – الهاوية – يوم القيامة – حطامي – نعش – أرق الموت –موتنا – انسحاق الجسد - القاتل – موت مشتهى – موتي
-الحقل الدّال على الألوان: الأسود – بيضاء – أحمر – أزرق – ألوان الشّفق
-الحقل الدّال على الحيوان: السّلحفاة – فراشات – فراشة – الجوارح – العصافير – النّمل – الدّيوك – الغزلان – الأفعى – النّحل
-استعملت التّشبيه و النّداء المباشر إضافة إلى الصّيغ النّحويّة كالأمر و النّهي و الأسئلة الاستنكاريّة...
كلّ ذلك يجعل الدّيوان غاية في الرّصانة و الإبتكار من لدُن شاعرة متمرّسة في اللّغة.
الخاتمة:
سفرة عبر مقامات الوجد المؤتلق نزفا يؤرّقه على مدى الأمكنة... فارتحل عبر ثنايا الرّوح و خلجاتها يصنع أجنحة للخلاص و إن كان عبر الموت نافضا عنه عباءة الذّاكرة الموجعة فيصّاعد هناك...
سفرة قدّمتها لنا الشّاعرة الفذّة "ماجدة داغر" في إصرار جميل معلنة إنّه " جوازا تقديره هو" قدّ متناغما مع الصّورة الحداثيّة للشّعر حيث كان التّصوّف و علم النّفس و الماضي التّليد البعيد و ومضات بدت رقصات روح منبعها الحلم ... هي مشاعر صادقة انكتبت فعنّ لها أن تنضاف إلى المكتبة العربيّة و أن تسجّل بصمتها عن جدارة.
المراجع:
1)عثمان بن طالب –باحث تونسي – المسار 2018
2)سعيد الجابلي- جامعة تونس
3)هنري لوفافر : مقدّمة الفضاء ص 273
4)عثمان بن طالب: مدخل إلى شعريّة الفضاء
5)رفيقة البحوري –جامعة تونس
الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: السبت 07-11-2020 07:51 مساء الزوار: 190 التعليقات: 0
|
|