|
|
||
|
قراءة تحليليّة بقلمي: أكثم جهاد، للومضة القصصيّة (ثورة) للكاتبة: غادة محمد.
قراءة تحليليّة بقلمي: أكثم جهاد، للومضة القصصيّة (ثورة) للكاتبة: غادة محمد.
======النص(ومضة قصصيّة)========
ثورة
زرعها الفقراء؛ حصدها العملاء.
بقلم: غادة محمد/اليمن
============================
ممّا لا شكّ فيه أنّ المعيارين الفنّي والأدبي للومضة القصصيّة ينحصران في بوتقة الإتقان في الصياغة الأدبيّة والمنهجيّة للومضة، فكلّما كانت الومضة ذات بريقٍ عالٍ، ازداد وهجها لعقل القارئ، فتصيبه الدهشة في نهاية الفهم العميق لتلك المشهدية الجميلة ذات الرّتم السّريع...وهذا كلّه يعتمد على قيمة الومضة الفكرية والطرح الإيجابي لموضوعها.
وكما نعلم أنّ النص الأدبي بكافة أشكاله وألوانه هو قريحة الكاتب لقضاياه المعاصرة، ومن تلك القضايا التي شهدتها معظم بلدان الوطن العربي، الثورات المتعدّدة الاتجاهات والأبعاد السياسيّة والاجتماعية والاقتصادية، فمنها ما نجحت إلى حدّ ما ومنها وهي الأكثر قد باءت محاولاتها بالفشل لأسباب كثيرة يطول شرحها، ولكنّنا في سياق ترجمتنا للومضة الماثلة أمامنا سنتحدث عن بعض الجوانب الحيوية الهامة التي حصلت فعلاً على أرض الواقع.
-العنوان:
ثورة: جمع ثورات ومصدر ثار، بمعنى الاندفاع العنيف إلى تغيير وضعية ما (سياسيّة أو اجتماعيّة) تغييراً أساسيّاً.
إذاً العنوان هنا هو مفتاح الومضة ورمز دلالتها والحدث الواقع لأسبابٍ أدّت إلى حتميّة وقوعه.
لاسيّما أنّ واقع الحالة السياسيّة ساهم في نمو الحدث الذي شهدته مجتمعات البلدان العربيّة في الآونة الأخيرة ليترجم هذا الحدث مفهوم (الربيع العربي).
فالثورة هنا حمم بركانية مكبوتة منذ زمن بعيد، إلى أن أتى الوقت المناسب للانفجار تعبيراً عن غصّب الجماهير من أوضاعها الاقتصاديّة والاجتماعية والسياسية أيضاً.
كل ذلك لأجل تحقيق الحلم العربي المنشود والتي لطالما طمحت إليه الجماهير ، وهي أحلاماً مشروعة من حيث التحقيق لتحسين الحالة الاقتصادية المتردية وانفتاح في التعبير عن مطالب الحريات وممارسة الحقوق الدستورية الموكلة والواجبات المطلوبة، ليستطيع المواطن العربي بعد ذلك إثبات هويّته الوطنيّة بكل أريحيّة، ودون عناء من كدر العيش وكبت الحريّات المشروعة وقيد للآراء الفكرية وبالتالي الازدهار في كلّ مناحي الحياة، وعليه فإن هذه المطالب الشرعية المهملة قد حوّلت الجماهير الكادحة إلى بركان غاضب لم يعد يحتمل تلك الحمم التي خلّفتها الأنظمة القمعية في بلدانها.
-(زرعها الفقراء):
هنا تبدأ الفقرة الاستهلاليّة للومضة وكما نلاحظ هي فقرة تكميليّة للعنوان، فمطلع الومضة هو السبب الذي أدّى لحدوث الحدث (الثورة) فالسبب إذاً توضيحي واستهلالي للحدث الذي ذُكر أصلاً في متن الومضة ( ضمير الغائب الهاء في كلمة زرعها) أي زرع الفقراء الثورة، ومن ذلك نستنتج أنّ صنّاع القرار هم الفقراء (الكادحون في أوطانهم) وعليه فإنّ عملية الزرع لا يقوم بها الأغنياء بأيديهم، إنّما الفقراء العاملون هم الذين يزرعون ليأتي غيرهم فيما بعد ويجني الحصاد، وهذه من السنن الكونيّة في الأرض...إذاً فالتعبير المجازي هنا يشير إلى أنّ الثورة ما قام بها الفقراء إلا ليجنوا الخير منها، وهذا مطلب شرعيّ للفقراء في كل مكان (العيش الكريم والحرية والمساواة ونيل الحقوق بعد قيامهم بأكثر من الواجب المطلوب منهم) لكن عند فقدان ذلك كلّه، سيكون الموت أهون عليهم من الذلّ والهوان، وبالتالي فما السبيل لهم إلا إعلان الثورة ضد الظلم والاستبداد.
-(حصدها العملاء):
هنا تكمن الفقرة المدهشة (النتيجة) الحاصلة بعد قيام الثورة، فبدلا من أن يحصد نتاحها الفقراء الذين أشعلوا ثورة الكرامة والحريّة، أتى من وراء الستار من له القدرة على استغلال الفرص، وقد عبّرت القاصة عن هذه الفئة بكلمة العملاء.
نعم هذا هو سبيل العملاء على مرّ التاريخ...استغلال الفرص المواتية والبحث عن الثغرات لينفذوا منها مآربهم الخاصة ولو على حساب الثورة وأهدافها النبيلة للوصول إلى المكان الذي يبحثون عنه وفي الغالب (الحكم) هو مبتغاهم ليجنوا كل خيرات الثورة لهم وحدهم ولتذهب بعد ذلك طموحات الفقراء سدى وتصبح هباءً منثورا...وكما قيل في المثل السّائد (أتتهم على طبق من ذهب) دون تعب أو عناء، ليكونوا بعدها عبيداً لأسيادهم في الخارج، ولا همّ لهم بمعاناة الفقراء ولا اكتراثٍ للطاقات المبذولة والدماء التي نزفت وسالت لأجل الحرية والكرامة، وبالتالي فإنّ نتيجة هذه الثورة في نهاية المطاف النزيف الدائم لشريان الأمّة وهدر لطاقات الشعوب وانفكاك للمصالح الوطنيّة، وللأسف الضحيّة الكبرى في هذا المعترك السياسي هم الفقراء الذين قدّموا أرواحهم فداءً لأوطانهم ولكرامة الإنسان الحرّ.
وفي خاتمة القول: الومضة رائعة جدّاً تستحق القراءة والمتابعة...كل التقدير للأستاذة غادة محمد، مع خالص الأمنيات بالتوفيق في أعمالها القادمة.
قراءة وتحليل: أكثم جهاد/الأردن
الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الجمعة 11-09-2020 02:22 مساء الزوار: 188 التعليقات: 0
|
|