|
|
||
|
قراءة نقدية مقدمة من الاستاذ أكثم جهاد لنص (تتميم) المتوج بالمركز الأول في مسابقة القصة القصيرة جدا
قراءة نقدية مقدمة من الأستاذ: أكثم جهاد لنص (تتميم) المتوّج بالمركز الأول في مسابقة القصّة القصيرة جدّاً والحائز على لقب ملك الققج في مجموعة أقلام تتحدى الصمت عن شهر آب 2020/8 للكاتب: أسامة الحواتمة Osama Hawatma
=========النص(ق.ق.ج)===========
تَتمِيم
طَوَّقُوا بِأَلسِنَتِهِم حُرُوفَ النُّور، حَطَّمَ شُعَاعُهَا الأَنيَابَ، أَجْمَعُوا وَأدَهَا وَسْطَ اليَمِّ... وَلَمَّا نَفَد؛ رَسَتْ وُجُوهُهُم عَلَى سَعِيرِ الرِّمَال.
بقلم: أسامة الحواتمة/الأردن
=============================
تقدمة:
عندما يأخذنا الفكر إلى المدى البعيد بحثاً عن الأصول والجذور وتحديداً في كتب التاريخ، فإنّنا حتماً سنهمّ بقراءة تاريخ البشرية منذ خلق آدم إلى يومنا هذا لنجد هناك محطّات خاصة تستوجب الوقوف عندها والتمعّن فيها، ومن تلك المحطّات التي تركت أثراً واضحاً في جُلّها والمتمثّلة في نشأة قوم بني إسرائيل ومسيرتهم في الأرض عبر مراحل الزّمن، لنجد أنّ أفراد هذا الكيان قد أخذوا على عاتقهم ترك بصماتهم في كل محطّة من محطّات الزمن، تكون شاهد عصر عليهم وشاهد عيان على أفعالهم وأقوالهم وعقيدتهم الباطلة، فكانوا وما زالوا مضرب الأمثال في الجحود والنكران والوضاعة والخِسّة...إلخ.
وخير شاهد على ذلك القرآن الكريم، فلو تدبّرنا الآيات الكريمة لوجدنا أنّ لهم نصيب الأسد في الذّكر حليفهم في ذلك الشيطان، دون باقي الأقوام، وتلك إشارة من الله عزّ وجلّ لتبيان حقيقة نواياهم الخبيثة ونكرانهم للجميل والنعم التي أنعم الله بها عليهم، دون سواهم، قال تعالى:{ يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين}.
ولكن لا حمداً ولا شكورا، بل قابلوا الإحسان بالجحود والكفر المبين، ومعاداة الله وجنوده حتى قيام السّاعة، رغم علمهم بالحق وحيادهم عنه إلى الباطل، ولكن هيهات، وربّ العزّة لهم بالمرصاد، قال تعالى:{ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلّا ان يتمّ نوره ولو كره الكافرون}.
-العنوان:
تتميم: مصدر تمّم، عنوان نكرة شامل، بمعنى التوضيح وإكمال ما سبق سواء في الكلمة أو الفعل، فنقول تمّم الشيء أي أكمله على أكمل وجه وأوضح معالمه المبهمة.
قال تعالى:{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}، أي لم يبق للإنسان من شيء في الدين لإرضاء غريزة التّدين لديه إلا وقد أتمّه الله عن طريق الإسلام واتباع سبله.
-التحليل الفنّي والأدبي:
القصّة من الصنف الملغز ذو دلالات تاريخيّة باستشهادات قرآنيّة، ومن هذه الاستشهادات استطاع القاص نسج خيوط قصته بحرفيّة قلّ نظيرها، ولإثبات القدرة على ذلك، استعان بتاريخ الحقب الزمنية المتتالية ودمج أحداثها مع الشواهد التي نصّ عليها القرآن الكريم في قالب واحد لتمكين فكرته التي يصبو إليها في ثيمة القصّة.
-(طوّقوا بألسنتهم حروف النور):
لو رجعنا إلى كتب السّيرة، وتدارسنا بداية نشأة الإسلام في نهاية العصر الجاهلي والمراحل التي مرّ بها الدعوة المحمديّة، لوجدنا انّ اليهود هم الأعلم بمصداقيّة الدعوة، ذلك بأنهم أهل كتاب ويعلمون معنى النبوّة والرسالة، لذا فهم الأكثر عداءً دون غيرهم لهذا الدين الحنيف، لتبقى السلطة الدينية على اعتقادهم خالصة لهم، ولا ينازعهم في الحق كائن من كان، فهم الشعب المختار من الله كما يزعمون وهم الأعلم في تسييس باقي الشعوب كما يدّعون (طبعاً خدمة لمصالحهم ولأطماعهم )، لذا قاموا بأعمال من شأنها إضعاف مسيرة الدعوة بكل الوسائل من إشعال نار الفتنة بين الصفوف والوشاية والتنكيل بأصحاب الدعوة والتآمر عليهم لئلا تصل الرسالة إلى مبتغاها، ولكن الله ورسوله وأنصارهم لهم بالمرصاد، وهذا وعد من الله لعباده المؤمنين، وهكذا حتى تمّ تبليغ الرسالة إلى كافة الأمم، وانتشارها بالشكل الذي ارتضاه الله لها، وقيام الدولة الإسلامية الحنيفة خير قيام، مما جعل أمر هذه الدولة مصدر قلق لكيان اليهود على مرّ السنين، خاصة عندما باءت محاولاتهم بالفشل في إخضاع دولة الحق تحت سيطرتهم، وهذا ما أغاظهم وجعلهم يفكرون مراراً وتكراراً في كيفية إطفاء نور الهداية، فما كان أمامهم من سلاح سوى ألسنتهم الخبيثة ليطلقوا لها العنان في كل ارجاء المعمورة للنّيل من جسد أمّة الهداية.
-(حطّم شعاعها الأنياب):
بعد محاولاتهم الوضيعة أتت النتيجة مباغتة وغير متوقعة لهذا الكيان اليهودي ، فقد نالوا ما يستحقونه من أنصار الله ولم تعد لهم قائمة في ذلك الوقت، وخير شاهد على ذلك ما اقترفته أيديهم في المدينة المنوّرة من نشر الفتن وفساد في الأرض ومحاولات كثيرة للإيقاع بالمسلمين وكذلك مؤامراتهم مع القبائل الأخرى ضد المسلمين، فكانت عاقبتهم وخيمة في عدة مواقع (غزوات الرسول صلّ الله عليه وسلم وأصحابه ضد قبائل اليهود...بنو النّضير، بنو قينقاع، وبنو قريظة) ليتبعها بعد ذلك غزوات المسلمين لهم في خيبر وإجلاؤهم من جزيرة العرب، وإن تشبيه الحق بحروف النور والقوة بالشعاع المنبثق من هذا النور تشبيهاً مجازيّاً رائعاً.
-(أجمعوا وأدها وسط اليمّ):
بعد تبيان حال اليهود في ظلّ الازدهار الإسلامي وما آلوا إليه من ضعف وهوان أمام العملاق (الدولة الإسلامية) فما كان منهم إلا الاستكانة لفترة زمنية لعدم قدرتهم على المواجهة والسيطرة حتى حانت لهم الفرصة المواتية في فترة ضعف الدولة الإسلامية...وهنا تجدر الإشارة إلى حرفية القاص الأستاذ أسامة حواتمة في ذلك الانتقال النوعي بين الأحداث من خلال ترابط الفترات الزمنية مع بعضها بانسيابيّة وسلاسة دون الوقوع في فجوات مبهمة، فالرّبط مدروسٌ بعناية، وحياكة النسيج القصصي بنفس ذاك التكتيك، لتخرج الحبكة بشكل عفوي مٌتقن بدلالة العارف للأحداث وتسلسلها المنطقي...نعم لقد أجمعوا كلّ طاقاتهم ومدخراتهم الشيطانية للإطاحة بدولة الحق، وقد أحسن القاص بالتشبيه المجازي للواقعة والحالة السياسية في تلك الفترة (الوأد) إشارة للتآمر على دولة الحق وكذا (اليمّ) إشارة لمجموع الدول المتآمرةعليها نصرة لدولة اليهود.
-(ولمّا نفد):
النّفاد: هو الفناء والانتهاء من الشيء بشكل كامل، والعبارة في هذا المقام فيها تناصّ قرآنيّ من قوله تعالى:{ قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا}.
وهكذا فاقتران الظرفيّة الزمانية (لمّا) بكلمة (نفد) دلالة على أنّ هذه المؤامرة ستنتهي حتماً، فالمسألة مجرّد وقت ليس أكثر، وكلمة الحقّ باقية، فنور الله لا ينفد أبداً رغم أنوفهم، والمؤامرات التي حيكت ستتلاشى، وكذا القوى المعادية والمتآمرة معهم ستزول، كما أثبته التصوير القرآني، إلى أن يأتي اليوم الموعود بزوال كيانهم المزعوم.
-(رست وجوههم على سعير الرمال):
تشبيه مجازي رائع واستعارة في مكانها (المرساة: وجوههم)، فالمرسى يكون في البحر أو على ضفافه، ولكن مع نفاد اليمّ (تلاشي القوى المتآمرة) فإنهم سينقلبون على أعقابهم، وستكون المرساة (وجوههم) على سعير الرّمال، حيث النّهاية الحتمية، والزّوال الأبديّ في الدنيا تماماً كالمنفي في الصحراء، وفي الآخرة فإنّ جهنّم هي مثواهم الأخير، ليكون أمر الله هو المتمّم لنهايتهم المؤكّدة.
-وخاتمة القول:
أهنّئ الأستاذ أسامة الحواتمة على هذه الأقصوصة الرائعة كنموذج حي ونابض لمفهوم القصّة القصيرة جدّاً من حيث التّرابط بين الفقرات واستخدام الأفعال في الزمن الماضي إشارة إلى الحقبة الزمنية لليهود ودورهم في حقبة التاريخ الإسلامي إلى يومنا هذا، وكذلك المفارقة المدهشة في القفلة الحتمية والعقائدية لمصيرهم المؤكد والتي رسّخت مفهوم العنوان (تتميم).
تحيّتي للأستاذ أسامة الحواتمة مع خالص الأمنيات له بالتوفيق في أعماله القادمة.
قراءة وتحليل: أكثم جهاد/الأردن
الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الجمعة 11-09-2020 07:32 مساء الزوار: 148 التعليقات: 0
|
|