|
|
||
|
أشكالية الصورة الشعرية / دراسة محكمة للدكتور جمال الأزبجي
أشكالية الصورة الشعرية / دراسة محكمة للدكتور جمال الأزبجي - العراق أستاذ النقد والبلاغة في جامعة المستنصرية بغداد تعد الصورة الشعرية من أهم مرتكزات بنية النص الشعري، وتمثل المرتكز والمحور الأساس في عملية ائتلاف الوزن واستعمال اللغة استعمالاً خاصاً. ومعنى ذلك أن الصورة، هي روح الشعر، والأداة التي تتربع على عرشه، بيدها تخلق القصيدة، لتكون في قمة التكوين الشعري، الموحي، إذا كان الخلق منسجماً مع التجربة الشعرية، أو ينفرط التكوين، لتقع في دائرة التقرير المباشر، وفي هذا انحسارٌ واقعٌ في دائرة ضيقة. وعلى وفق هذا التأسيس لم تعد الصورة زينة بلاغية يشكلها الشاعر، أو وسيلة يأتي بها ليخلق عن طريقها ذلك التوهج القصير، بل أصبحت جزءاً من عملية الإحساس بالعالم والمحيط، وجزءاً من التكنيك الشكلي العام للوحدة العضوية للقصيدة، وجزءاً من المخاضات الداخلية للشاعر وموقفه الثوري من الواقع، وجزءاً لا يتجزّأ من النص الشعري بأكمله. وعندما يكون الحديث عن افتراضية ايجاد مكان للصورة في النص الشعري أو وضع درجة لها من ضمن الأداة الأخرى الوزن في بناء النص، يمكن أن يكون الرد بأنها جوهر التكوين الأدبي والفاعلية الإبداعية، ولا يكون ذلك ضرباً من المبالغة إن عدت الصورة الشعرية، البؤرة والقلب والمركز، فمنها تنبثق خطوط التشكيل الفني الأدبي ولا سيما الشعري منه، كما يصفها المتصدون لهذا التشكيل بأنها الباعث الأول على التفاعل بين النص والقارئ، فهي ترسم أول فرص التصوّر للمتلقي، إذ تخلق له المساحة الكافية للاتحاد مع تجليات البوح. كما أن لها القدرة على تحريك الدلالة، وإنهاض المشاركة الوجدانية إلى درجة عالية ومكثفة، بحيث تكون تجربة الشاعر هي تجربة المتلقي، تلقي به في الحالات الوجدانية، وتعيده إلى حالات الطفولة، فهي ذات قدرة على ايقاظ المشاعر والعواطف الخاملة وتحريكها. وعليه يكون الشاعر منقاداً إلى رفد النص بهذه الالتقاطات التي تضفي الحيوية على بنية القصيدة، فتكون مرصودة عن طريق اللاشعور لديه بعد اكتمال تصاريح الرفد المأخوذة من عين الشاعر الخارجية إلى عين الشاعر الداخلية، بعد أن يذرو الشاعر مفرداته وتركيباته، باتجاهٍ معاكس للريح، وبذلك يكون المتح من البئر العميقة للشاعر. إذن فالصورة الشعرية " ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لبلوغ غاية غير مصرّح بها"، وهذا الانقياد المفروض الذي يشكل أولويات ملحة في فكرة بناء النص لا يكون جاهزاً بوصفه موروثاً فكرياً، بل هو حقيقة يعيها الذهن، ترتسم بعفوية قصدية الوصول إلى الآخر في ضمن محيطات وحدود الشراكة بين المتلقي والشاعر. إذن يكون لزاماً أن تكون هذه الجدلية الخفية في معترك بناء النص والاعتماد على خلق المكوّن الجمالي، والدالة التوصيلية لتكون الصورة ذات استجابة وجدانية. ويأتي تأكيد جعل الصورة الشعرية في المصاف الأول من عناصر مكونات النص، لكونها أبرز المقومات الفنية له، وأنها العنصر الأكثر فناً في بنيته، فضلاً عن قدرتها العظيمة على تكثيف الزمن، وتشكيل بنية المكان بوساطة ربطهِ بسياق (رؤيا) الشاعر، ومن ثم تجسيدها لهذه الرؤيا بأنساقها التخييلية بدقة وفاعلية ونسق تركيبي عقلي وعاطفي. ومما لا شك فيه أن الصورة الشعرية لا يمكن لها أن تكون كياناً قائماً بذاتهِ داخل النص، مكتفياً الشاعر برسمه، من دون الانتباه على علاقة هذه الصورة مع باقي أدوات البناء الشعري ومكوناته، فهناك وجوه عدة لهذه العلاقة، منها ما يكون نفسياً، إذ يجب أن تتسق مدلولات البثق الصوري في الصورة الشعرية مع حيثيات القصد المدرجة في سياق النمو الهرمي للحدث داخل النص الشعري، ومنها ما يكون فنياً بحتاً، تتشكل الألوان، أو الأصوات في سياق الوصف في النص قبل الصورة أو بعدها، واتحاده مع النسج الصوري في الصورة الشعرية، مما يجعل المدلول الصوري والمعنوي ينسل بسلاسة إلى ذهن المتلقي من دون أن يعترضهُ حاجز معين، أو تفصل تسلسله الإيقاعي ثغرة ما. فالصورة الشعرية "أداة الخيال ووسيلته، ومادته الهامة التي يمارس فيها ومن خلالها فعاليته ونشاطه"، وقد اعطيت للغة مكانة مهمة على أساس تلاحمها الوثيق في تشكيل الصورة، فاللغة تعد من الجسور المهمة في عملية الخلق التي تعتني بشكل ملحوظ بما يكوّنه المتلقي من وحدة استقبال قائمة على أسس تقتضيها مختزلات التلقي. وهذا التلاحم الوثيق بين الصورة الشعرية واللغة ينبع من كون الإطار الرؤيوي العام المرتبط باللفظ قادراً على اقتناص الألفاظ وإيقاعها في تشكيل القصيدة، بحيث يكون هذا الاستدعاء على وفق صيرورة محور تدور عليه الصور والموسيقى، ولعل مثل هذا المحور الذي يحس به الشاعر _ الشاعر الذي يحيل آلام الدم إلى حبر، هو ما أشار إليه تشاردز في قوله "يندر أن تحدث الاحساسات المرئية للكلمات بمفردها، إذ تصحبها عادة أشياء ذات علاقة وثيقة بها، بحيث لا يمكن فصلها عنها بسهولة، وأهم هذه الأشياء الصورة السمعية، أي وقع جرس الكلمة على الأذن الخارجية". إن جمالية الصورة الشعرية وحيويتها قائمة على علاقتها باللغة الشعرية التي تتشكل منها، فإدراك المتلقي لذلك قائم على مستوى تفهمه للاستعمال اللغوي، وتكثيف روح الترابط النفسي وإثارتها وبثها، وإيجاد منافذ التشابه بين الواقع المأخوذ منه إلى الواقع المنقول إليه. وهذا ما يعطي المفاد الرئيس في أن الصورة الشعرية هي بناء متماسك يقوم على أسس فنية. وبذلك عبّر الدكتور علي البطل عن علاقة اللغة بالصورة الشعرية، فقد أشار إلى التشكيل اللغوي الذي يكوّنه خيال الفنان من معطيات متعددة، يحتل العالم المحسوس المقدمة فيها، فاغلب الصور مستمدة من الحواس، إلى جانب ما لا يمكن إغفاله من الصور النفسية والعقلية، وإن كانت لا تأتي أحياناً بكثرة الصور الحسية، أو يقدمها الشاعر أحياناً كثيرة في صورٍ حسية. إن عملية الاكتشاف التي توفرها الصورة الشعرية للمتلقي تكاد تكون أقوى مرتكزات البناء فيها، كما تعد من أوثق الوسائل التي تضمن أن يكون المتلقي ضمن دائرة النص، ومتاحاً له التناغم مع الايقاع الدلالي الذي تحمله الدالة إليه، فكل ما ينبثق بطريقة مفاجئة يضمن الالتفات إليه، والتركيز على امكانية الاحتفاظ بتلك الومضة التي حدثت عن طريق توهج سريع. ونحن نجد أن أصل المتعة التي توفرها الصورة الشعرية يعود إلى نمط في التعامل النفسي لدى المتلقي، وهو نوع من انواع التعرف على الاشياء غير المعروفة، وكأن النادر الغريب من الصورة الشعرية يثير فضول النفس البشرية، وبخاصة حينما لا يقود المجاز المتلقي إلى الغرض والمباشرة، فتكون الصورة الشعرية على هذا الأساس وحدة البث لتلقائية القصد في النص، إذ تعمل على كونها الوشيجة الأساس في ربط ذهن المتلقي مع مسترسلات الحدث الشعري، وفتح الأفق أمامه بألوان متحركة تفضي إلى رسم فضاء واسع من المشاركة الوجدانية، جاعلة إبرام عقد الشراكة بينهما يقوم على أسس فنية صورية، تتيح فيها الألوان فرصة توافر مساحة الاستقبال من دون أن تكون هناك عثرات قد تشوّه، أو تعكر صفو الملائمة بين المتلقي والحدث الشعري. إن الشعر صورة ناطقة أو رسم ناطق، وإن الرسم أو التصوير شعر صامت. إذن لا بد من مراعاة التكثيف في بناء الصورة وخلقها، إذ يكون لزاماً على الجزء المنسوج منه الكل أن تتوافر فيه انسيابية التوافق مع ما يمكنه أن يختزل من مدلولات الدالة القصدية، فيلعب اللون والمكان والزمان، ومعاني الأشياء ودوال وجودها دوراً مهماً في تكوين الاختزال، ومنح المساحة الوافية لتحرك الدلالات ووصولها إلى المتلقي، من دون الوصول إلى حالة الاغراق في الترميز العالي الذي يخال أنه تكثيفٌ عالٍ، فيشكل ذلك وهناً في تماسك مرتكزاتها إلى حد الإبهام. وهكذا تكون الصورة سمو القصيدة وحياتها الكاتب: حيدرالأديب بتاريخ: الثلاثاء 14-07-2020 08:21 صباحا الزوار: 373 التعليقات: 1
شكر و عرفان
مقالة مهمة و تعكس أثر الصورة الشعرية في نفسية المتلقي و قد أحسن الدكتور بيان ذلك و إن خلا المقال من الاستشهاد ببعض الأمثلة من الشعر نفسه ...و قد أشار إلى الخيال في الصورة الشعرية بشيء من الاختصار لكن المبالغة في استعمال الخيال قد تضيّع فكر القاريئ و تجعله يتيه في سياقات تبعده عن الفهم الصحيح لرسالة الشاعر...شكرا دكتور و لمركز عرار
الكاتب: بولمدايس عبد المالك بتاريخ: الثلاثاء 14-07-2020 10:47 مساء
إقتباس
رسالة خاصة
|
|