|
|
||
|
بين الوطن والمنفى: قراءة نقدية في قصيدة (خذيني إليكِ) د. آمال بوحرب ... اعداد موسى الشيخاني
بين الوطن والمنفى: قراءة نقدية في قصيدة (خذيني إليكِ) د. آمال بوحرب ... اعداد موسى الشيخاني
تدور قصيدة "خذيني إليكِ" حول فكرة الاغتراب العاطفي والوجودي، حيث يتوسل الشاعر للحبيبة أن تحتويه، ليجد فيها ملاذًا من عالم موحش ومُستنزف. من الوهلة الأولى، يفتح الشاعر فضاءً دراميًا شفيفًا تتخلله صور المطر والمدينة والليل والبحر، وهي استعارات تجمع بين الغياب والحنين والفقد.
### الصور الشعرية والبناء الفني **"بصوت المطر"**: المطر هنا صوتٌ وحالةٌ معًا، صوتٌ رقيق وحنون لكنه أيضًا نذير بالوحدة أو الرحيل، فيتضافر مع رغبة المتكلم بالاحتواء. **"كالغريب يحمل الموت والقمر"**: ثنائية الموت والقمر تعبر عن تداخل الرغبة والرهبة، الأمل واليأس. الغريب هنا كائن معلق بين النور (القمر) والعدم (الموت). **"فكل الدروب تشبه يديك"**: صورة بصرية/لمسية تقرن دروب الحياة بيدين الحبيبة، دلالة على الحنين والاتحاد الروحي. **"المدينة تبكي مثل عينيك"**: توظيف بلاغي جميل، حيث تصبح المدينة كيانًا ذا مشاعر، وبهذا يمزج الشاعر بين عالمه الداخلي (الحزن) والعالم الخارجي (المدينة). **"أنا ظل يتيم"**: هنا تكتمل صورة البطل التائه، الذي فقد جذوره ولا يرى في النهار إلا ما يثير مخاوفه.
### ثنائية الأمل والفقد تتكرر في القصيدة ازدواجية الحضور والغياب، الوطن والمنفى، الليل والنهار. يظهر المتكلم وكأنه يبحث عن هوية أو معنى من خلال الحبيبة: - **"سأرسمكِ في دمي"**: فعل الرسم هنا فعل إبداعي يوحي بالتصعيد؛ الحبيبة تتحول إلى رمزٍ يتماهى مع الذات. - **"كوني لي وطنا أو كوني المنفى"**: هنا ذروة التضاد؛ الحبيبة ملاذٌ واغترابٌ في آن. الشاعر يقبل كل ما تحمله لأنها وحدها معنى وجوده.
### النبرة العاطفية والموسيقية يمتزج الإيقاع الشعري مع الصور الوجدانية، ليخلق نبرة من التوسل الرقيق: - يهيمن السرد الشعري بنبرة موسيقية متموجة، توازي أمواج البحر (في نهاية القصيدة: "وأنا مجرد قارب من ورق"). - البحر والليل والمدينة تصنع فضاءً شبه سريالي، أشبه بحلم مكسور لكنه مليء بالأمل الطفولي.
---
### أثر الاغتراب في شعر د. آمال بوحرب كون الشاعرة تونسية مقيمة في الإمارات، فإن هذا الوضع يعمّق إحساسها بالحنين والفقد، وهو ما ينعكس في القصيدة عبر:
✅ **ثنائية الوطن والمنفى** في قولها: > "سأرسمكِ في دمي > فكوني لي وطنا > أو كوني المنفى" تظهر بوضوح هذه الثنائية؛ الوطن هنا ليس مجرد جغرافيا، بل هو حالة روحية مرتبطة بالحب والذات. وفي الغربة، يصبح الحبيب هو الوطن البديل، أو حتى المنفى الروحي الذي يلوذ به الشاعر.
✅ **صور الاغتراب الرمزية** - **المدينة الباكية** و**الليل الطويل**: رموز لعالم معتم ومخيف يواجهه الغريب، فتتحول المدينة إلى كائن يشاركه البكاء. - **البحر والقارب الورقي**: البحر رمز للحياة الواسعة والغامضة، بينما القارب الورقي رمز الهشاشة. الشاعر هنا مغتربٌ ضعيف في مواجهة المجهول. -
✅ **التوق إلى الجذور** رغم طابع القصيدة العاطفي، نلمح بين السطور نزعة العودة أو الالتصاق بجذور الذات من خلال "الحبيبة" التي تشبه الوطن المفقود.
---
### البعد التونسي/المغاربي في شعرها حتى وإن لم تكن القصيدة مشبعة بمرجعيات مباشرة تونسية أو مغاربية، إلا أن **حس الانتماء المغاربي** يلوح في:
✅ **علاقة الطبيعة بالشعور** في الأدب المغاربي، المطر والبحر والليل هي عناصر تندمج مع العاطفة الوجدانية. الشاعرة توظفها لتأكيد الانصهار بين العالم الخارجي والداخلي، في تقليد نجده لدى شعراء المغرب العربي.
✅ **اللغة الرقيقة والشفيفة** الأسلوب هنا أقرب إلى الذائقة المغاربية الحديثة: جمل قصيرة، نبرة عاطفية صافية، وبنية موسيقية متماوجة.
✅ **ثنائية الأمل والفقد** وهي سمة مشتركة في الشعر المغاربي عمومًا، حيث العاطفة تتقاطع مع وعي التشتت والتاريخ الشخصي والجماعي.
---
### خلاصة القراءة في ضوء كون الشاعرة تونسية مغتربة، تتكثف في قصيدتها أصوات الانتماء والحنين، متخفية في قصيدة حب. تصبح الحبيبة هنا وطناً ينقذ الذات من وحشة الغربة، وتصير الكلمات مثل "خذيني إليكِ" صرخة من قلبٍ ممزق بين الوطن الذي خسره والوطن الذي يحلم به في عيني الحبيبة.
قصيدة الشاعرة : خذيني إليكِ
بصوت المطر وارحلي بي كالغريب يحمل الموت والقمر
خذيني فكل الدروب تشبه يديك ِ والمدينة تبكي مثل عينيك
أنا ظل يتيم يخشى النهار فاجعليني خطوة في دربك أو قبرا في شفتيك ِ
سأرسمكِ في دمي فكوني لي وطناً أو كوني المنفى فأنا وجع قديم يسكن المقل
أو أكتب اسمكِ على جدران الزمن فتصيرينِ أجمل من ربيع وأمرّ من الغياب
خذيني إليكِ فالليل طويل والوحشة بحر وأنا مجرد قارب من ورق د/آمال بوحرب الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الأحد 08-06-2025 07:08 مساء الزوار: 462 التعليقات: 1
إضافة للقراءة النقدية للدكتور موسى الشيخاني
تتجاوب الجملُ النقدية مع النّصّ الشعري ضمن ـ ثنائية الأصل والتأصيل أو البثّ ـ بثّ الشاعرة ـ وتأكيد قيمة المحتوى من خلال التفاصيل ـ وقد تحقق التّوفيق المنهجي لبناء مقاربة نقدية جيّدة أتت على حقيقة كوامن ـ القول والاغتراب ـ والالتحاق ـ بالزمكان ـ في بهجة التوثيق ، والاستقراء ـــ شكر ا جميلا للدكتور موسى الشيخاني ومثله للدكتورة آمال بوحرب
الكاتب: حسن بنعبدالله ــ تونس (زائر) بتاريخ: الإثنين 09-06-2025 06:53 مساء
إقتباس
رسالة خاصة
|
|