|
|
||
|
قراءة نقدية استقرائية فلسفية في نص "مسافة الـ مئة متر" .. إعداد: د. موسى الشيخاني
قراءة نقدية استقرائية فلسفية في نص "مسافة الـ مئة متر" للشاعر الناقد حسن بن عبد الله ...إعداد: د. موسى الشيخاني
السيرة الأدبية للشاعر حسن بن عبد الله: حسن بن عبد الله شاعر وناقد تونسي من مدينة صفاقس، وهو أحد الأصوات الثقافية المميزة في المشهد الأدبي المغاربي والعربي. يتميز بإسهامه في التنظير للخطاب الثقافي والفكري، ومتابعته للحركة النقدية في علاقتها بالهوية، والزمن، والمكان، والجدل المعرفي بين الذات والآخر.
عرف بمشاركاته الفاعلة في الندوات والأمسيات والملتقيات الثقافية، وبانخراطه في الحراك الإبداعي من موقع الناقد والمفكر في آن. كما أنه يتقن المزج بين التجربة الذاتية والحس الجمعي في كتابته، ويجعل من اليومي العابر مدخلاً لفلسفة أعمق تتصل بالكينونة، والذاكرة، ومفهوم الانتماء.
قراءة نقدية استقرائية فلسفية للنص: 1. استقراء المكان بوصفه ذاكرة ووجودًا: يبدأ النص بذكر موقعين مألوفين لأهل صفاقس: "نافورة البلدية" و"مدفع باب الجبلي". بين هذين المعلمين لا تُقاس المسافة فقط بالأمتار بل بالرمزية:
النافورة تشير إلى انبثاق الحياة وتدفقها.
المدفع يحيل إلى الحماية، وربما العزلة أو الذكرى الحربية.
الربط بينهما يشكل خريطة ذاكرة يعيشها الشاعر بتكرار يومي، لكنها تستحيل إلى تأمل وجودي، إذ يوازي بين هذه المسافة والعمر نفسه: "كالعمر تماما.." هذه الجملة تقلب الظاهر إلى باطن، والمكان إلى مجاز عن الحياة: كيف أن خطواتنا المحدودة ترسم مصيرًا كاملاً، ببطء يملأه التأمل، والعبور، والانتظار.
2. اليومي كمفتاح للميتافيزيقا: في هذا الحيّز المكاني القصير، تتولد حالة كونية من التأمل: "ورائحة القهوة / وأصوات العناق / وشم القراءات" هنا يتداخل الحسي (الرائحة، الصوت، الشم) مع المعرفي (القراءة)، ليؤسس الشاعر فضاءً معيشًا تتجاوز تفاصيله اليومي إلى تمثيل الوجود نفسه. يصبح الذهاب والإياب رمزين للحياة والموت، أو للحضور والغياب، أو للدورة الأبدية للزمن.
3. الذات المفكرة والسؤال الكوني: "وكيف أفكر / في طرح أسئلتي / في القصيدة" هنا ينهض السؤال الفلسفي. الشاعر لا يطرح أجوبة، بل يتساءل عن كيفية طرح السؤال ذاته، وهو ما يُعد لبّ الفلسفة: البحث في منهج المعرفة. كيف نطرح السؤال؟ بأي لغة؟ في أي سياق؟ ومن ذا الذي يجيب؟ يصبح النص تأملاً في وظيفة الشعر نفسها، وقدرته على حمل الأسئلة الكبرى للوجود.
4. الذاكرة الجمعية كهوية شعرية: تتحول القصيدة إلى أرشيف وجداني جماعي. يبدأ الشاعر في سرد أسماء شعراء وأدباء وفنانين علقوا في ذاكرته، ويمنحهم حضورًا في النص:
محمد البقلوطي، وناس معلى، عبد الرزاق نزار، عبد الجبار العش...
لا يسردهم اعتباطًا، بل ليؤكد على أن تجربته فردية بجذر جماعي، وأن الذات لا تتحقق إلا في صدى الآخر. إنها أخوة الذاكرة، وأمسيات الحرف التي تجمعهم.
5. المدينة بوصفها أنثى رمزية: صفاقس، في النص، ليست فقط مكانًا بل كائنًا أنثويًا يفيض بالإلهام والجمال والحكمة.
الطيور تغسل "ريش الوجود"
المدينة "ملهمة"
القطار "يفرغ شحناته من وجوه العرق"
كل ذلك في علاقة حميمة بين الشاعر والمكان، كأنه يحاور مدينته مثل حبيبة أو أم أو وطن، متقلب بين الحنين والتجاوز.
6. الختام: الاغتراب الشعري: "وأحكي إلى غربتي في القصيد" القصيدة إذن ليست فقط وسيلة للتعبير، بل موطن للغربة، ووسيلة لمداواتها في آن. يغدو الشعر هنا فعلاً وجوديًا لمقاومة التلاشي، و"مسافة المئة متر" ليست سوى تمثيل للعبور نحو الذات والآخر والعالم.
خاتمة تحليلية: قصيدة "مسافة الـ مئة متر" لا تنتمي إلى خطاب التوصيف ولا الحنين التقليدي، بل تنحت جغرافيا فلسفية – شعرية، تتقاطع فيها الذات بالزمن، والمدينة بالذاكرة، واليومي بالميتافيزيقي.
إنها قصيدة التجلي البسيط الذي يفضي إلى معنى مركب، والعبور المادي الذي يستبطن وجودًا داخليًا معقّدًا. وفيها يبرع الشاعر حسن بن عبد الله في جعل التفاصيل الصغيرة مرآة للأسئلة الكبرى، محققًا معادلة نادرة بين الشعر والفكر.
# القصيدة تُمثّل نموذجًا لما يمكن أن يكون عليه الشعر العربي المعاصر: قصيدة ذاتية، حداثية، تستند إلى الذاكرة، وتنفتح على الفلسفة، وتعيد تشكيل العلاقة بين الشاعر ومكانه وزمنه.
اعداد الدكتور موسى الشيخاني الرئيس التنفيذي لمؤسسة عرار العربية للإعلام رئيس مجلس إدارة مركز عرار للدراسات الأدبية والنقدية والنقد المقارن
قصيدة الشاعر الناقد حسن بن عبد الله
مسافة ال " مئة متر.. حسن بن عبدالله _ صفاقس / تونس مسافة ال " مئة متر " بين " نافورة البلدية " ومدفع " باب الجبلي " كالعمر تماما .. وبينهما _ رائحة " القهوة " وأصوات العناق " في المسرح البلدي " وشم القراءات بين الذهاب وصمت الاياب وكيف أفكر في طرح أسئلتي في القصيدة ، كيف أنوء بحمل انتظارات أسفاري القادمة وأشرح في غيمة لا تراني وجود القطار على حافة البحر يفرغ شحناته _ من وجوه العرق وتبدو المدينة ملهمة وتفتح أسماء من علقوني هنا في عيوني مع كل أمسية : __ محمد البقلوطي ، وناس معلى عبد الرزاق نزار ، عبد الجبار العش نورالدين بوجلبان، خالد الغريبي ماهر دربال ، عامر بشة أمين دمق ، الهادي القمري الهادي التليلي ، أحمد الشايب محمد بن جماعة ، سامية عمار بوعتور ، هدى كريد ، سلوى بن رحومة ... وفي أمتارها الأخيرة : احتفالية " اتحاد الأدباء الدولي " بحضور : محمد حسين ال ياسين و اياد البلداوي .......... ومن جوها في السماء ببعض الحمامات _ قبل الغروب على شرفات البنايات .. ويغسلن ريش الوجود وحين أطير من فكرة ريشها وأعود أعود إلى سكني _ في " منارة طينة " وأحكي إلى غربتي في القصيد
الشاعر الناقد حسن بن عبد الله الكاتب: هيئة التحرير بتاريخ: الأربعاء 09-07-2025 01:33 صباحا الزوار: 35 التعليقات: 0
|
|